لا يكاد يمر يوم، إلا ونفاجأ بوقوع حادث مرورى مأساوى يودى بحياة مواطنين أبرياء، كان آخرها الأسبوع الماضى، حادث أتوبيس الدقهلية، الذى أودى حياة 24 ضحية، من بينهم 6 من أسرة واحدة، وكتبت العناية الإلهية النجاة لـ6 من الركاب، أكدوا جميعًا فى شهادتهم، أن السائق كان يقود بسرعة جنونية، ويتحدث عبر هاتفه المحمول، وعندما فوجئ بسيارة أمامه لم يستطع تفاديها.
أضف إلى ذلك أن الجهات المختصة عندما أجرت تحليل ًامبدئيًا للسائق تبين تعاطيه مخدرًا، أى اكتمل ثالوث الموت، السرعة الجنونية، والتحدث فى المحمول، والقيادة تحت تأثير مادة مخدرة.
وتشير الإحصاءات الرسمية الخاصة بالوفيات الناجمة عن حوادث الطرق فى مصر إلى أن عام 2021 شهد 7101 حالة وفاة بارتفاع 15,2% مقارنة بعام 2020 الذى شهد 6164 حالة وفاة.
وكان من الطبيعى والمنطقى أن يقل عدد ضحايا حوادث الطرق فى مصر، بدلا من أن يزيد فى ظل ما شهدته وتشهده مصر كل يوم، من تطوير غير مسبوق فى منظومة الطرق، إذ ارتفع مؤشر جودة الطرق في مصر إلى المركز 28 في عام 2019، بعدما كانت فى المركز 118 عام 2014، وذلك منذ بدء تنفيذ المشروع القومي للطرق في عام 2014.
السرعة الجنونية .. القيادة تحت تأثير المواد المخدرة .. غياب الرقابة، هذه هى أهم وأبرز أسباب حوادث الطرق فى مصر.
الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق، أكد فى تصريحات له أن العنصر البشرى مسئول عن نسبة تتراوح ما بين 88 - 90%، من حوادث الطرق فى مصر، والباقى بسبب غياب الرقابة، وعدم تنفيذ العقوبات الرادعة على المخالفين، وأكبر دليل على جدوى وأهمية الرقابة الإلكترونية على الطرق، طريق الساحل الشمالى، فبعد تطبيق التجربة لمدة شهرين، انخفضت الحوادث عليه بمقدار 92% مقارنة بالسنوات السابقة.
ولنعد مرة أخرى إلى العنصر البشرى، المسئول عن النسبة العظمى من حوادث الطرق، فإذا كانت الدولة وضعت روشتة ناجعة ومواصفات حازمة، لسائقى النقل العام فى مصر من مترو - قطارات - أتوبيسات نقل عام، وقامت بتأهيل السائقين وتدريبهم على أعلى مستوى، فلماذا لا تبادر الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى وهيئات وشركات النقل بتبنى وتنفيذ مبادرة لتأهيل سائقى أتوبيسات الجامعات والمدارس، والأتوبيسات السياحية، وسائقى الميكروباص، الذين يعيثون فى الأرض فسادًا، ويذهب ضحية لتهورهم، ولتعاطى بعضهم المواد المخدرة، آلاف المواطنين الأبرياء سنويًا.
واقترح أن تبادر الحكومة، ممثلة فى وزارة النقل، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدنى، وشركات وهيئات النقل المختلفة، بإنشاء معهد متخصص لتدريب سائقى المواصلات العامة، خاصة سائقى الأتوبيسات والميكروباص والمينى باص، وسائقى النقل الثقيل، الذين يعربدون فى الطرق، وكأنها ملك لهم، أو يسيرون عليها بمفردهم، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.
وتكون مهمة هذا المعهد المقترح، عقد دورات تدريبية للسائقين، يتم خلالها تأهيلهم وتوعيتهم بخطورة السرعة الجنونية والقيادة تحت تأثير مخدر، والنتائج الكارثية الناتجة عن ذلك، ويشترط اجتياز هذه الدورات، للحصول على رخصة القيادة المهنية.
وقبل ذلك كله إجراء اختبار قراءة وكتابة لهم فى وحدات المرور، على يد لجنة متخصصة، وعدم الاكتفاء بشهادات محو الأمية والشهادة الابتدائية، حيث يحصل البعض على هذه الشهادات بالتحايل أحيانًا، كما يجب قبل إصدار رخصة قيادة مهنية إجراء تحليل مخدرات، وكشف دقيق عن الأمراض المزمنة، وألا يزيد السن عن 55 عامًا، لسائقى الأتوبيسات والنقل الثقيل حتى يكونوا بكامل لياقتهم البدنية.
بالإضافة إلى عمل فيش جنائى، لكل متقدم للحصول على رخصة قيادة مهنية، للتأكد من خلو سجله الجنائى من السوابق المخلة بالشرف والأمانة.
وحتى لا نرى مطاردة أخرى بين شاب متهور ومواطنين، كما حدث من قبل على طريق السويس، وحتى لا يدهس شاب مخمور 4 شباب فى عمر الزهور، كما حدث فى الشيخ زايد، يجب إجراء تحليل مخدرات لكل شاب يتقدم للحصول على رخصة قيادة خاصة من سن 18 عامًا، حتى سن الثلاثين.
وما دفعنى لكتابة الفقرة الأخيرة، مشاهدتى لشاب فى المربع السكنى الذى أعيش فيه، نائمًا على عجلة القيادة، والسيارة دائرة فى وسط الطريق، وعندما ركنت سيارتى واقتربت منه، نهرنى شاب آخر تصادف وجوده فى نفس التوقيت، وقال لى حرفيًا: "ابعد عنه لأنه مبلبع ويمكن يدهسك بعربيته وهو لا يدرى"، وقمت بالاتصال بالأمن، الذى تمكن من السيطرة عليه.
وما أحزننى أكثر، أن الشاب عندما أفاق من غيبوبته، كان يبكى بشكل هستيرى يدمى القلب.
[email protected]