رغم أن الحرب الروسية - الأوكرانية لم تخرج عن حدود البلدين، روسيا و أوكرانيا، إلا أن لهيبها تقاسمته دول العالم عندما ارتفع سعر الصرف فارتفعت على أثره أسعار السلع المستوردة من كلتا البلدين.
موضوعات مقترحة
وهذا الارتفاع في الأسعار يمثل عبئًا اقتصاديًا على ميزانيات الدول المستورِدة، وكذلك ميزانيات المواطنين المستهلكين للسلع المستورَدة، إضافة إلى العبء الأكثر ثقلًا وهو تفاقم الدين العام، الذي ارتفع مستواه ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله بمقدار 351%، مُسجلًا أكثر من 300 تريليون دولار، ما وضع 60 دولة من الأسواق الناشئة - ومن بينها مصر - في حالة حرجة مع ارتفاع سقف الديون.
إلا أنه في كل مِحنة توجد مِنحة، كما يقولون، فلهيب هذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يذيب في مصر "عقدة الخواجة، هذا ما كشفته جولة ميدانية لـ"بوابة الأهرام"، قال فيها الشارع إنه يبحث عن المنتج المصري للتغلب على أسعار المنتج المستورَد التي ارتفعت بشكل مضاعف، إلا أنه يبحث عن الجودة أيضًا؛ لأنه يريد سلعة مُعمّرة، مناشدًا المسئولين بتعزيز المنتج المحلي من حيث جودة تصنيعه، والإعلان عنه، والتسويق له، وتقديمه في صورة تجعل المستهلك يتباهى ويتفاخر بشرائه قائلين : "بلدنا أولى".
موروثات ثقافية
تقول رشا رأفت،43 عامًا، من سكان مدينة الرحاب، في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، إنها ورثت اقتناءها للمنتجات المستوردة عن والدتها التي كانت تفعل ذلك دائمًا مرددة: "الغالي ثمنه فيه"، فتقول رشا: "بشكل شخصي أؤيد هذه المقولة وأفضّل أن أدفع ثمنًا مرتفعًا في المنتج نظير عدم تهالكه سريعًا فأنا أريد سلعة معمرة أكبر وقت ممكن.
الجودة أولًا
وتقول نجوى كامل، 72 عامًا، من سكان المعادي، إن جودة المنتج هي التي تقود المستهلك لشرائه، ورغم قدرتي المادية على اقتناء المنتج المستورد بسبب جودته إلا أنني ليس لدي أي مانع من اقتناء منتج محلي بشرط أن يكون بنفس الجودة: "أنا يهمني الجودة".
سلعة مُعمّرة
وفي منطقة البحر الأعظم، يقول عمرو أبوزايده، سائق تاكسي، إنه اكتوى بنار الأسعار عندما ذهب منذ يومين لشراء بطانة الفرامل "طقم تيل"، فحصل عليه بسعر 250 جنيهًا، واضطر لشراء المستورد؛ لأن عمر استخدامه يصل إلى عام بينما المحلي منه قد يهلك في ستة أشهر.
عقدة الخواجة
وفي وسط القاهرة، يقول سيد أبوزيد، 55 عامًا، المنتج المحلي قادر على منافسة المنتج المستورد وبقوة، ولدينا منتجات بالفعل ذات جودة عالية، لكنها تفتقر إلى التسويق والترويج لها: "عندنا منتج مصري قادر على المنافسة، لكن عندنا أيضًا عقدة الخواجة اللي بتجذبنا للمنتج المستورد".
بلدنا أولى
وتضيف، في نفس المنطقة، آمال عبدالمقصود، 41 عامًا، ليس لدينا مانع في التعامل مع المنتج المحلي شريطة أن تكون جودته عالية، نحن لا نريد سوى الجودة: "المنتج المحلي لو بنفس جودة المستورد هاخده طبعًا وبلدنا أولى".
الشارع يبحث عن الجودة
لا يرفض الشارع المصري التعامل مع المنتج المحلي، بالعكس، كشفت الجولة الميدانية لـ"بوابة الأهرام" أن هذا هو مطلبه، ولو كانت عقدة الخواجة موجودة بالفعل وراسخة في عقول كثيرة، إلا أنهم أكدوا أن وجود منتج محلي، عالي الجودة، قادر وبقوة على فك هذه العقدة دون عودة .
لماذا يفضل المستهلك شراء المُنتَج المستورد رغم ارتفاع سعره عن المُنتج المحلي؟
بحسب الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي، وحديثه لـ"بوابة الأهرام"، الإنسان دائمًا وأبدًا ما يسعى لإشباع احتياجاته الأولية والتي يتقدمها الأكل والشرب، مع بعض الاحتياجات الأخرى مثل اللبس، الذي يسعى إليه الإنسان دون اكتراث لما سيتكبده من إنفاق قد يكون عاليًا مقابل إشباع صورة ذهنية مستحبة من الآخرين تجاهه تمنحه الشعور بالكفاءة النفسية وتؤثر في مفهومه نحو ذاته، وفي سبيل ذلك نجده يفضل المنتج المستورد على المنتج المحلي.
التفاخر والتباهي الاجتماعي
ونظرًا لأن المجتمع في الآونة الأخيرة تحول إلى مجتمع مادي، فيه نوع من الخواء الروحي، لم تعد الغالبية من الناس حريصة على إبراز جمالها الداخلي أو الجوهري، فتحولت إلى الجمال الخارجي عبر اقتناء الماركات؛ سواء في الملابس أو محتويات المنزل من أثاث وأدوات طعام، فضلًا عن أدوات التجميل، حتى وصل الأمر إلى طريقة الطعام فنجدهم يطلبون الوجبات من المحلات الشهيرة، فضلًا عن طعام الحيوانات الذي يفضلون أيضًا أن يكون مستوردًا، كل هذا يرجعه الطبيب النفسي إلى رغبة هؤلاء في التفاخر الاجتماعي والمباهاة وإثبات الذات أو المحاكاة والتقليد في بعض الأحيان من أجل ألا يتفوق عليهم أحد، وكأنه سباق وليس أسلوب حياة يتحدد حسب الوضع الاقتصادي للفرد.
وليس صعبًا من الناحية النفسية أن يُقبل المستهلك على المنتج المحلي بدلًا من المنتج المستورد، أو بمعنى آخر أن يتخلى عن عقدة الخواجة، لكن الطبيب النفسي يقول لـ"بوابة الأهرام"، إن هذا التحوّل رغم سهولة حدوثه إلا أنه لن يحدث بين عشية وضحاها؛ لأنه يتطلب أولًا حملات إعلانية وفنية مكثفة لرفع الوعي بالمنتج المحلي وجودته وقدرته على التعمير مع فارق الأسعار التي ستضاف إلى محفظة إدّخار المستهلك، قائلًا: "نفسيًا يحتاج المستهلك رفع الوعي بالمنتج المحلي وإبرازه في صورة جيدة ترفع من قيمته وجودته لتشبع لديه الصورة الذهنية المستحبة من الآخرين عند شرائه لهذا المنتج".
هل يستطيع المجتمع التخلي عند عقدة الخواجة ؟
الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء، تقول لـ"بوابة الأهرام"، إن استقصاء آراء الشارع التي أبرزتها الجولة الميدانية لهذا التحقيق، تؤكد أن المصريين رغم اعترافهم بعقدة الخواجة، إلا أنهم غير متمسكين بها للنهاية، بل إنهم يريدون مسحوقًا قويًا لإزالتها، وهذا المسحوق أراه من وجهة نظري متمثلًا في التسويق الجيد للمنتج المحلي، عبر الإعلانات التلفزيونية والإذاعية وبين فواصل المسلسلات والأفلام.
التسويق والترويج للمنتج المحلي
وتضيف أستاذة علم الاجتماع، إننا بحاجة إلى مراجعة صادقة مع النفس، ربما آن أوانها الآن بعد أن فرضتها التغيرات الاقتصادية العالمية، فإن كنا قد وصلنا إلى حالة من التفاخر الاجتماعي بمأكلنا ومشربنا وملبسنا وحتى أدواتنا الترفيهية فلماذا لا نفعل ذلك مع المنتج المحلي، وقد كشف الشارع عن رغبته في اقتناء هذا المنتج، قائلة: "إن عقدة الخواجة تبحث في نفوس المصريين عما يعزز لهم قيمة المنتج المحلي ويقدمه في صورة تبعث على التفاخر باقتنائه، وهذه مهمة يسيرة على الإعلام والفن".
ما العائد من استبدال المنتج المستورد بالمنتج المحلي ؟
بحسب حديث الدكتور حمدي عرفة، خبير التنمية المحلية، لـ"بوابة الأهرام"، الاعتماد على المنتج المحلي يدعم الاقتصاد المحلي للدولة، من خلال تنشيط حركة البيع والشراء، وهو ما يحقق الإشباع الداخلي للمواطنين.
القضاء على احتكار السلع ورفع الأسعار
وعندما يتحقق الإشباع الداخلي للمواطنين بتوفير السلع المطلوبة، تنتهي ظواهر سلبية سيئة التأثير، مثل احتكار بعض التجار لبعض السلع المستوردة وبيعها بعد ذلك بسعر أعلى، أو حتى رفع قيمة هذه السلعة بمجرد ارتفاع سعر الصرف، فتداول المنتج المحلي سيجعله متوفرًا بكثرة.
تحسين جودة المنتج المحلي
وتداول المنتج المحلي سيضمن شرط الجودة الذي أشار إليه الشارع في جولة "بوابة الأهرام" الميدانية، لأنه سيخلق حالة من التنافس بين المصانع المحلية، من أجل تعزيز كل مصنع لمُنتَجه، والارتقاء بجودته قدر الإمكان، للحصول على أكبر عدد من المستهلكين.
التصدير للخارج
وعندما يكون المُنتَج محليًا، يكون هناك وفرة وفائض يخلقان فرصًا جديدة للدولة تُمكّنها من تصدير هذا المنتج للخارج بعد أن كانت مستوردة له.
فرص عمل ومصانع جديدة
كما سيخلق هذا التداول المحلي للمنتجات، فرص عمل كثيرة من أجل إشباع حاجة خطوط الإنتاج التي ستتطلب توسعة في إنشاء المصانع، وهو ما سيعود بالنفع على تراجع معدلات البطالة وتعافيها، بمجرد التخلي عن عقدة الخواجة.
توفير العملة الصعبة والاحتياطي النقدي
المنتج المحلي تتداول أثناء شرائه العملة المحلية، وهو ما يخفف الحاجة إلى العملة الأجنبية التي كانت تحتاجها الدولة لاستيراد المنتج من الخارج وبالتالي يزيد من وفرة الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي.
تقليل حجم الدين الخارجي
والاعتماد على المنتج المحلي يقلل حجم الدين الخارجي، لأن كلًا من السلعة والعاملين على صناعتها، وخطوط الإنتاج، متوافر داخل البلد، وبالتالي لن تحتاج الدولة للاقتراض من أجل استيرادها من الخارج.
ويؤكد الخبراء لـ"بوابة الأهرام"، أن عقدة الخواجة في مصر تبحث فقط عن منتج محلي عالي الجودة، يتم تقديمه للمستهلك في صورة جيدة تعزز من قيمته وتحقق التفاخر لدى من يشتريه، وهذا يسهل تحقيقه عبر حملات توعية في مختلف الوسائل الإعلامية.
لهيب الأزمة الاقتصادية يذيب عقدة الخواجة ..المصريون يبحث عن المنتج المحلي.. والشارع يقول : بلدنا أو