Close ad

إنها مصر.. فلا ترتجف

16-11-2022 | 16:42
الأهرام العربي نقلاً عن

هكذا خلقت. وهكذا تكونت. تحدت الطبيعة القاسية، فلانت لها واستجابت، وطاوعتها، فكانت الحضارة الإنسانية النادرة، خير شاهد على التحدى والاستجابة.

ثقات المفكرين اتخذوها عنوانًا للتحدي، وعلامة على البقاء فى كل الأزمان، وتحت كل الظروف، وجدوا فيها الخلطة السرية غير القابلة للذوبان أو التلاشي.

كم من أمة بعيدة أو قريبة، وكم من جماعة شاردة، توهمت، وفكرت فى ابتلاعها، ثم حاولت فى الواقع، فخاب مسعاها، فحين همت فى الشروع اصطدمت بسورها العالي، واكتشفت كم هى عصية على الهضم.

بعض هذه الجماعات الشاردة توسوس لها شياطين الإنس، فى لحظة طيش، أو لحظة ظن، أو لحظة وهم، فتعتقد أنها قادرة على تدنيس المقدس، فإذا بها تجد أن وسوستها ذهبت سدى، فعيون النيل مفتوحة على اتساعها فى الظلام.

وصدق محمد الفيتوري، شاعر مصر والسودان وليبيا، حين هتف ذات مرة .. «إنها مصر فلا ترتجف».

بحق هى أم الدنيا، فيها من كل أجناس الأرض، انصهرت جميعًا فى بوتقة واحدة، تؤثر وتتأثر، علومها القديمة حديثة، ومعمارها بصمة محفورة فى عقول طلاب العلم فى جامعات الدنيا.

 تشهد ولا يُشهد عليها، لا ترتاح مع حالة اللاسلم واللاحرب، لا تؤمن أو تتعايش مع هذه الحالة البائسة، فهى المقاتلة ساعة الحسم، المسالمة عند الشعور باكتمال النصر.

فى المحطات الفاصلة لها باع طويل فى الفهم والإدراك والحركة، وعالم اليوم يعيش هذه المحطة الفارقة، فهناك نظام عالمى يتلاشى ببطء، وهناك نظام يتشكل بقسوة، يخرج من رحم الحروب والصدامات الثقافية والفكرية، تلك الموروثة من الحروب العالمية والباردة والساخنة.

 وهى حالة عالمية مثالية لنمو الطحالب السامة، وظهور بعض الجماعات الوظيفية على السطح، تساندها بعض الأمم والقوى العابرة، لتقوم بدور مرسوم لصناعة فوضى فى الدول وبين الشعوب، اعتقادًا بأنه يمكن أن تعاد التجارب، وهو اعتقاد ينتمي إلى عالم الخيال لا الواقع.

هذا لا يمنع من ضرورة مد البصر والبصيرة إلى آخر الشوط، ففى الشرق الأوسط توجد جماعات لديها روابط وحبال خارجية، وهناك قوى إقليمية مجاورة، وقوى عالمية بعيدة، ترى فى الشرق الأوسط منطقة رخوة، يمكن أن تصبح مسرحها الواسع فى ظل النظام المرتقب.

الأحلام مشروعة، على أن تكون أحلامًا تستند إلى واقع، وتمتلك المشروعية الحضارية والتاريخية، وفى اعتقادى أن العواصف المغرية لهؤلاء الحالمين لا تعنى قط، أن غدًا سيكون مفروشًا بالورود، ولا تعنى أن الأمور ستكون كما يفكرون.

هناك رؤية عالمية تتولد ببطء داخل مراكز التفكير، مفادها أن القوى القديمة أخذت نصيبها من التاريخ والحضارة، وعليها أن تتنازل طواعية عن مكانها لصالح قوة صاعدة تنتمى للحداثة الجديدة!

فإذا كان هذا الكلام يبدو صحيحًا نظريًا، فإنه باطل فى جوهره، ويكمن فى تفاصيله الشيطان، فبنظرة إلى الوراء قليلا، سنجد أن العواصف الحالية على المسرح الدولى، اشتدت ثم بدأت فى الهدوء، فمن التهديد باستخدام الأسلحة النووية، والاصطدام بالأسلحة الذكية، واستعمال الركود الاقتصادي، وحث جماعات شاردة لهدم أوطانها، سنجد أن هناك تفكيرًا بصوت عال، يعيد النظر فى التشنجات السياسية بين الشرق والغرب، وأن الحروب لا بد أن تضع أوزارها فى لحظة معينة، وهى قريبة، وأن روايات الربيع أصبحت قديمة، تمامًا كالنظام العالمى القديم.

ومصر، رواية قديمة متجددة، وتعرف مكانها الصحيح فى العالم الجديد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: