Close ad

الشباب أنقذوا الانتخابات

15-11-2022 | 12:16

خيبت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي المعلنة حتى الآن توقعات واستنتاجات استطلاعات الرأي التي بشرت الجماهير العريضة في الداخل والخارج بـ"موجة حمراء" يكتسح فيها الحزب الجمهوري، ويوجه ضربة قاضية مزلزلة لغريمه اللدود الحزب الديمقراطي، الذي سيتحول إلى "بطة عرجاء".
 
لكن الضربة المنتظرة كانت من نصيب الجهات والكيانات العملاقة القائمة بهذه الاستطلاعات، وعاد إخفاقها بالأساس لإغفالها وتهميشها عاملًا محوريًا على أرض المعركة الانتخابية، وشكل رمانة الميزان التي حسمت الأمور بعدم منحها الأغلبية المريحة لأي من الطرفين المتنافسين، وهو كتلة التصويت الشبابية، أو مَن يسمونهم "جيل زد"، الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٥ عامًا، فهؤلاء لم يرجحوا فقط فوز مرشحين بعينهم من المخضرمين والواعدين من الجمهوريين والديمقراطيين، لكنهم أيضًا فازوا بعدد لا بأس به من المقاعد بمجلسي النواب والشيوخ، وقدموا نماذج مبهرة، على الرغم من حداثة اشتغالهم وانخراطهم بالعمل السياسي، وعززوا من الحضور النيابي للشباب الذين يمثلون نصف تعداد المجتمع الأمريكي.
 
إن تمعنت المشهد الانتخابي الأمريكي المثير، بحثًا عن دروس واستخلاصًا للفوائد، فسوف تخرج بحصيلة ضخمة ومعتبرة، منها أولا: أن تجاهل الدوائر السياسية للشباب، وعدم تأهيلهم للحياة السياسية، وعدم إفساح المجال لهم ستتبعه عواقب وخيمة، وبالذات للحرس القديم – متوسط أعمار النواب الأمريكيين ٥٨ عامًا - الذي يحسب أنه يُحكم سيطرته وسطوته التامة والشاملة على المنابر والمنافذ السياسية، وأنه يجيد اللعبة الانتخابية وباستطاعته إخراجها بالصورة الكفيلة بتأمين واستمرار استحواذهم على مقاعد البرلمان وأجندته وما يتصل بها من مصالح جماعات الضغط، وأن الشباب مهما كانت قدرتهم وتفكيرهم فلن يتمكنوا من مجاراتهم والتغلب عليهم بساحة المنافسة، ثم يستيقظون على الحقيقة المرة، وأنهم أمام شباب لا يهاب العمل السياسي، وبارع في التخطيط والتنفيذ، وحشد المؤيدين، وتحقيق النتائج المرجوة.
 
ثانيا: أن السياسيين الأمريكيين الشباب عبروا جيدًا وبإتقان عن واقعهم المعاش، وهضموا قضاياهم، التي لم يعثروا على مَن يعبر عنها وهو ما استشعره الناخب الذي اقتنع بهم وببرامجهم الرامية للتصدي لها وحلها، وهو ما يشير في شق منه لمدى قدرة الناخبين على الفرز والاختيار السليم، وتمتعهم بدرجة وعي عالية بتحديدهم مَن يتحدث بلسانهم ويكترث صدقًا وليس زيفًا لحالهم ومشكلاتهم، ويلتزم بما يقطعه من وعود وعهود حتى الرمق الأخير.

على سبيل المثال فقد ركز المرشحون الشباب دعاياتهم الانتخابية على تعديل قوانين حيازة الأسلحة المسئولة عن حوادث عنف لا تتوقف ويروح ضحيتها المئات سنويًا، غالبيتهم من صغار السن، لا سيما بالمدارس، وتوسيع مظلة الرعاية الصحية، ومواجهة التغيرات المناخية، وتلك مسائل تصب في صميم مستقبلهم، وحاضر وأمن واستقرار مجتمعهم لعقود قادمة.
 
ثالثًا: أن العمل السياسي الميداني يظل الورقة الرابحة، خصوصًا إن كان مستندًا لرؤية حددت أهدافها وسبل بلوغها، وتتضاعف الفائدة إن ارتبط بكيانات تنفذه عمليًا وليس شفهيًا، فمثلا بذلت جماعة تطلق على نفسها اسم "جيل زد من أجل التغيير" جهدًا جبارًا بين أوساط المواطنين، لتعريفهم ببرامجهم وسياساتهم، وتحفيزهم على التصويت، وتثقيفهم بشأن موضوعات تمسهم من قريب، من بينها التخفيف من الآثار الناتجة عن وباء "كورونا" على التعليم في الولايات المتحدة، ووقف العنف بالمدارس، والأوضاع الاقتصادية المتردية.
 
وتتجسد هذه المعاني في قصة شاب عمره ٢٥ عامًا اسمه "ماكسويل فورست" الفائز بمقعد بمجلس النواب عن ولاية فلوريدا، ويعد أول نائب من "جيل زد" يصل للكونجرس، وهو من النشطاء البارزين في مكافحة العنف بالمدارس، ونال ٥٩٪ من الأصوات، وينحدر من أسرة فقيرة، وعمل كسائق تاكسي للحصول على نفقات دراسته الجامعية، وكمنسق لجمعية "مسيرة من أجل الحياة" التي تشكلت عقب وقوع مذبحة عام ٢٠١٨ بالولاية، واستطاع جمع 2,5 مليون دولار لتمويل حملته الانتخابية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المعبرة عن طموحات وآمال الشباب حول العالم.
 
رابعًا: أن المجتمعات الواعية تدرك وتؤمن إيمانًا لا يتزعزع بجدوى الاستثمار في الشباب، وفتح الآفاق لهم، والتعبير عن أحلامهم، وإتاحة الفرصة لهم كاملة لممارسة أنشطتهم ونشر أفكارهم البناءة بين الناس، والمساهمة في تثقيفهم وتوعيتهم سياسيًا واجتماعيًا، والرسالة التي بعثها الشباب الأمريكيون في الانتخابات الأخيرة تتلخص في عبارة موجزة، هي "رجاء استثمروا فينا، ولن تندموا على استثماركم وستحصدون الخير الوفير من ورائه".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: