Close ad

وصمة العار المجتمعي تلاحقهم.. ضعف الوعي يزيد من "آلام المريض النفسي"

16-11-2022 | 16:35
وصمة العار المجتمعي تلاحقهم ضعف الوعي يزيد من  آلام المريض النفسي الوصمة الاجتماعية تمنع علاج المرضى النفسيين
داليا عطية

مازالت، نظرة المجتع نحو المرضى النفسيين لم تتبدل، ما يصعب المهمة على المريض للتعافي، في الوقت الذي تلاحقه وصمة العار المجتمعي، بشكل يجعل الذين عانوا من ويلات المرض يواجهون مضاعفاته الخانقة عليهم  مما يقودهم نحو الموت بالبطيء.لكن هناك لحظة شجاعة يمر بها المريض تجعله يواجه هذه التداعيات بإراد ة قوية ورغبة في التخلص من هذا المرض  وهي الإرادة التي دائما ما يستند اليها الطبيب في العلاج.

موضوعات مقترحة

ضعف الوعي 

لكن حتى لحظة الشجاعة لم تنجُ من لعنات المرض النفسي، التي تجعل المجتمع يشير بأصابع  ضعف الوعي، إلى هذا النوع من المرض على أنه وصمة عار لحقت بالمصاب به، وكتبت عليه بخط واضح وعريض "ممنوع الاقتراب"، لتُرسي أسوأ الثقافات وأقساها، بين البشر، وفي كل المجالات، وهي التمييز والتنمر والنفور.

ولأن ليس هناك أغلى من النفس البشرية، تهرول الحكومة نحو سفينة المرض النفسي الذي ضمن أعراضه الاكتئاب، الذي قالت عنه منظمة الصحة العالمية، إنه سيكون المرض الأول في العالم بحلول عام 2030، وتقول نتيجة المسح القومي الذي أجرته وزارة الصحة والسكان، إن نسبة الاكتئاب بلغت 43.7% بين المصريين، إلا أن لعنات المرض النفسي، تُثقِل هرولة الحكومة نحو سفينته لضبط شراعها إلى حيث نجاة العالقين بها .

الأرقام التي قالت إن 24.7% من المصريين يعانون من أعراض نفسية و7% لديهم اضطرابات نفسية، جعلت الحكومة تكثف من جهودها التي تنظر إليها كطوق نجاة لمصابي الأمراض النفسية، الذين وصفتهم دراسة حديثة بأن متوسط أعمارهم ينخفض بحوالي 20 سنة، بالمقارنة مع الأشخاص الأصحاء، فضلًا عن أنهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والتهابات دائمة.

وزارة التضامن الاجتماعي

وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين قباج، دعت المجتمع والرأي العام للاعتراف بالمرض النفسي، والعمل على اكتشافه ومعالجته واحتوائه، فضلًا عن المبادرة الرئاسية التي أعلنتها الحكومة بشأن الاهتمام بالصحة النفسية وإدخال الكشف والعلاج النفسي ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل الذي يتيح للمواطنين من البسطاء ومحدودي الدخل خدمة الكشف والعلاج النفسي.

ورغم هذه الجهود للحكومة، وقبلها رغبة المرضى النفسيين في الخروج من دائرة الصمت والتكتم على إصابتهم، إلى ساحة الإفصاح والاستعانة بالأطباء والمراكز المتخصصة لبدء رحلة العلاج، نجد الوصمة المجتمعية لهذا المرض، حائط سد يحول بينهم وبين أملهم في وصول سفينتهم إلى شواطئ الحياة، بدلًا من الموت وسط أمواج المضاعفات غير المأمونة، أو شواطئ القتلى التي يملأ بها الانتحار، وهو أخطر مضاعفات المرض، صفوف الضحايا المتراصّين جنبًا إلى جنب في مشهدٍ مؤلمٍ ونهايةٍ قاسية.

الوصمة الاجتماعية

لعنات المرض النفسي يقول عنها الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في حديثه لـ"بوابة الأهرام، إنها تصيب المريض نفسه فور قراره بالإفصاح عن إصابته ورغبته الجادة في التوجه إلى الطبيب المعالج فيصدمه رد فعل المجتمع من حوله بنظرة نفور ونبذ وتجنُّب واضح وصريح للتعامل معه لأنه وصمة عار عليهم الفرار من محيطها.

وبسبب ذلك يختار المرضى النفسيون، رغمًا عنهم وليس طواعية منهم، الإبقاء على سر الإصابة وهو ما يجعلهم في عزله عن العلاج وبالتالي في عزله عن طريق الشفاء والتعافي.

وتصيب هذه اللعنات المريض النفسي عندما يتخذ خطواته الأولى نحو العيادة النفسية في حال اجتيازه التحدي السابق، فيجد المجتمع المحيط يردّه عن هذه الخطوات حتى لا يعلم أحد بإصابته وهو ما يجعل كثير من الأهالي يلجأون إلى علاج أبنائهم أو أنفسهم خارج البلاد، أو حتى داخلها، ولكن خِلسةَ، وفي تستُّر تام، خشية أن يعرف أحد بهذه الإصابة التي تمثل وصمة عار لصاحبها ولأسرته وربما للعائلة كلها.

وبسبب ذلك يشعر المصاب وكأنه لصٌّ هارب، فيخلق هذا الشعور بداخله مجموعة من المشاعر المختلطة بين الخوف والتوتر والقلق من أن ينكشف أمره، وكل هذه المشاعر تؤثر سلبًا على نتائج العلاج وتؤخر إتمامه.

وإذا نجا المصاب من التحديات السابقة وتغلب عليها، فإن لعنات المرض النفسي للأسف تصيبه حتى بعد التعافي، عندما يتجه نحو الحياة بعقل صافٍ وقلب جديد وأمل كبير، فيجد الوصمة الاجتماعية تحيطه في نظرات زملائه وعلى شفاههم التي يحذرون بها بعضهم البعض من التعامل معه لأنه كان مريضًا نفسيًا ذات يوم.

أعراض المرض النفسي

المرض النفسي بحسب حديث الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، شبيه بالأمراض العضوية التي تصيب الإنسان في أي وقت، حيث تتحسن صحته مع العلاج لكن للأسف غالبية الأفراد لا يستطيعون التفريق بين حالات "الاختلال العقلي والجنون"، وبين بعض المشكلات النفسية البسيطة.

ويوضح الطبيب أن المريض النفسي يعاني من الوسواس القهري واضطرابات الأكل، واضطرابات النوم، والمخاوف، ونوبات الهلع، بالإضافة إلى الاكتئاب بأنواعه، وكلها أعراض يمكن علاجها إذا أقدم المريض على هذه الخطوة ويكون العلاج عبارة عن جلسات توعية وتعديل سلوك وليست أدوية .

أعراض المرض العقلي

بينما يعاني المريض العقلي من الهلاوس والضلالات واضطرابات في التفكير وهو ما يوصف بفقدان العقل أو الجنان وتكون الجلسات هنا جزءًا من العلاج لكن الأساس هو الأدوية.

ممنوع الاقتراب

الوصمة الاجتماعية للمريض النفسي لا تؤذيه فقط أثناء اتخاذه قرار العلاج أو عند ذهابه إلى الطبيب المتخصص، أو حتى عند مواصلة عمله بعد التعافي وإنما تمتد للأسف لتمنع التواصل معه إذا اضطرت حالته إلى الاحتجاز داخل المستشفى فنجد الزيارات تتابع على المريض الجسدي الذي يعاني من أمراض عضوية، بينما تنعدم بالنسبة للمريض النفسي بسبب الخلفية الثقافية العامة التي يشترك فيها الجميع والتي تصور المرض النفسي على أنه وصمة عار مكتوب عليها وعلى محيطها: "ممنوع الاقتراب".

آثار الوصمة الاجتماعية

وصمة العار أو ما يعرف بالانجليزية Mental Health Stigma تتسبب في آثار ضارة ومؤلمة وغاية في القسوة على من تصيبه لعنتها، تتمثل هذه الآثار في التالي:

  • التردد في السعي إلى طلب المساعدة أو العلاج
  • انعدام الفهم لدى الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو غيرهم
  • قلة الفرص المتاحة للعمل أو الأنشطة المدرسية أو الاجتماعية أو مواجهة الصعوبات في العثور على سكن
  • التنمُّر أو العنف الجسدي أو التحرش
  • التأمين الصحي الذي تجبرك فيه هذه الوصمة على هجر طريق العلاج
  • الاعتقاد أنك لن تنجح أبدًا في التصدي لتحديات معينة أو لن تقدر على تحسين وضعك.

عزوف بالإجبار

يقول الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إن أخطر ما تتسبب فيه الوصمة الاجتماعية للمريض النفسي هو إجباره على العزوف عن العلاج مما يحكم عليه بالإعدام حيًا، إذ إن الموت هو المصير الحتمي للمريض النفسي الذي لا يلجأ إلى العلاج لأن التأخير يترتب عليه حدوث مضاعفات، وعلى سبيل المثال تصل مضاعفات الاكتئاب إلى حد الانتحار.

انتكاسات قاتلة

ويضيف أن المريض النفسي على الرغم من سهولة علاجه عند توجهه إلى الطبيب المختص إلا أنه يظل بحاجة إلى المتابعة عبر إرشادات هذا الطبيب التي تمهد له الوصول لطريقه الجديد المؤدي إلى الحياة الجديدة التي يستحقها، وللأسف بسبب تجاهل العلاج نتيجة الخوف من الوصمة الاجتماعية التي قد تلحق به يصبح عرضة للدخول في مضاعفات بسبب تأخر العلاج وربما حدوث انتكاسات بسبب عدم المتابعة اللازمة لإتمام التعافي.

ويوضح نسب حدوث هذه الانتكاسات، فيتعرض لها نحو 80% من مرضى الاكتئاب، و90% من المدمنين، و5% عند مرضى الوسواس القهري، وهو ما يدق جرس إنذار للمجتمع بالتخلّي عن وصمة العار التي يلحقونها بالمريض النفسي، وللحكومة بضرورة التحرك نحو معالجة هذه الوصمة قبل المبادرة الرئاسية التي أُطلقت للاهتمام بالصحة النفسية، وإلا ستذهب كل هذه الجهود المحمودة مع الريح بسبب هذه الثقافة القاسية وغير الحقيقية، قائلًا: "من قال إن المريض النفسي شخص مجنون، هو فقط يعاني من اضطرابات قلق وخوف ووساوس، وربما اكتئاب يمكن معالجتها بسهوله، فلماذا ندمّر الطريق بينه وبين العلاج".

طوق النجاة

ويؤكد كل من الدكتور وليد هندي، والدكتور جمال فرويز، أن الوصمة الاجتماعية، ستظل للأسف برغم الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل المرضى النفسيين، عائقًا صلبًا يحجز ثمار هذه الجهود لأن الوصمة الاجتماعية تمنع الكثير من الإعلان عن إصابتهم والذهاب إلى مراكز العلاج، ولن تتغير هذه النظرة في المجتمع إلا بتكثيف الوعي.

ويناشدان بضرورة وجود حملات إعلانية مكثفة تعمل على توعية الناس بحقيقة المرض النفسي وسهولة علاجه ومخاطر تجاهله وكيف أن الوصمة الاجتماعية التي يصر عليها المجتمع قد تقتل إنسانًا أو إنسانة.

ويضيفا في حلولهم المقترحة عبر حديثهم لـ"بوابة الأهرام"، الاستعانة بالفن في إزالة الوصمة الاجتماعية مؤكدان : "الفن والإعلام هما طوقا النجاة للمرضى النفسيين من الوصمة الاجتماعية التي تحول بينهم وبين العلاج والحياة الجديدة المنشودة".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة