زاد استهلاك المياه عالميًّا، خلال المائة عام الماضية، بمقدار ستة أضعاف، ولكنه ما زال ينمو باطراد بمعدل 1٪ سنويًّا، بفعل تزايُد السكان، والتنمية الاقتصادية، وتغيُّر أنماط الاستهلاك.
موضوعات مقترحة
كما تشير التقديرات إلى أن التغير المُناخي - خاصةً الأحداث المناخية المتطرفة، مثل هبوب العواصف ووقوع الفيضانات والجفاف، وحرائق الغابات - سوف يؤدي إلى تفاقُم الوضع في البلدان التي تعاني بالفعل من "الإجهاد المائي"، ومنه ستتولد مشكلات مماثلة في مناطق جديدة.
ومن هذا المنطلق، تجرى، مناقشات"يوم المياه"، ضمن فاعليات مؤتمر المناخ COP27، بجلسة افتتاحية ترأسها الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، والتي شهدت إطلاق مبادرة "العمل من أجل التكيف في قطاع المياه والقدرة على الصمود".
والجهود المصرية لوضع المياه في قلب العمل المناخي العالمي من خلال عدد من الإجراءات والفعاليات؛ من أبرزها إطلاق مصر مبادرة دولية للتكيف بقطاع المياه.
المياه في قلب وعقل «كوب 27»
وبهذا الصدد، يوضح الدكتور محمد عبد الحميد داود مستشار الموارد المائية بهيئة البيئة بـ أبو ظبي بدولة الإمارات المتحدة، في حديث خاص لـ"بوابة الأهرام": لقد تم تخصيص يوم 14 نوفمبر كيوم للمياه ضمن مؤتمر أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المُناخ «كوب 27»، وذلك نظرًا للتحديات، التي تواجهها الموارد المائية نتيجة التغيرات المُناخية، مشيرًا إلى أن المناطق الجافة في العالم تواجه النقص ومنها "المنطقة العربية" تحديات حقيقية في النمو الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي؛ بسبب شح الموارد المائية نتيجة ارتباط الأمن المائي بالأمن الغذائي، ووجود نسبة كبيرة من القوى العاملة التي تعمل بالقطاع الزراعي، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع بسبب تأثير التغيرات المُناخية على توافر الموارد المائية من حيث الكمية وكذلك على زيادة الطلب عليها.
كما أن ارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة ذوبان الجليد في القطبين نتيجة ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤدي إلى انخفاض في طبيعة ووفرة المياه في المناطق الساحلية وتداخل مياه البحر في الخزانات الجوفية الساحلية وتدهور نوعية المياه الجوفية وتملح التربة. وتعتبر حصة الفرد من المياه العذبة المتجددة في المنطقة العربية أقل كثيرًا من حد الفقر المائي المتعارف عليه عالميا، والذي يقدر بألف متر مكعب للفرد سنويًا.
تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية
ونوّه إلى أن مصر سعت بالتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى إبراز «ملف المياه وتأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية»، من خلال فعاليات مؤتمر أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ «كوب 27»، والتي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية، موضحًا أنه لأول مرة يتم تخصيص يوم للمياه وذلك لمناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمياه، ومن أهمها تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية والطلب عليها وسياسات الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة لموارد المياه ووسائل التكيف مع الآثار الناتجة من التغيرات المناخية سواء على المياه أو الزراعة.
كما أن الجلسات الحوارية سوف تناقش كيفية الوصول إلى آلية للتمويل والسعي لحصول الدول النامية على الموارد المالية اللازمة لتحقيق التكيف المطلوب والاستثمار في مجال المياه وتلافي الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية.
أهداف الجلسات الحوارية في يوم المياه بأجندة مؤتمر «كوب27»
وتابع، تهدف مخرجات المناقشات والجلسات العلمية والجلسات الحوارية التي يشارك فيها الخبراء والعلماء وصانعي القرار إلى توجيه عدد من الرسائل الهامة من أهمها ضرورة اعتبار «المياه» أداة مؤثرة في بناء مستقبل عادل وشامل ومتكيف مع التغيرات المناخية من خلال التعاون والحلول المتكاملة عبر القطاعات المختلفة المستخدمة للمياه أو المنتجة لها.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الكوارث المُناخية مرتبطة بالمياه، الأمر الذي يحتم معه إدراج التحديات الخاصة بالمياه ضمن أطر وبرامج تقييم مخاطر المناخ، ووضع المياه في قلب العمل المناخي، ونظرًا لأهمية الجانب الاقتصادي فإنه يجب الإشارة إلى أن الاستثمار في مجال المياه سيساعد في خلق حلول متكاملة للمياه والمُناخ للمجتمعات في جميع أنحاء العالم.
الحلول المطروحة وتعزيز ممارسات الري المبتكرة
وأوضح داود، أنه سوف تتضمن الحلول المطروحة تعزيز ممارسات الري المبتكرة لمساعدة المزارعين على رفع كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية المحصولية وتعزيز الأمن الغذائي بتقنيات ذكية مناخيًا والتعاون عبر الحدود لتلافي النزاعات المائية واستخدام نظم الإنذار المبكر والرقمنة والذكاء الاصطناعي في مراقبة الموارد المائية.
خطة مصرية طويلة الأمد
وأشار مستشار الموارد المائية، أنه في هذا الإطار فإن الحكومة المصرية قد وضعت خطة طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق الإدارة المستدامة لموارد مصر المائية وتنبي أفضل الممارسات العالمية والناجحة في هذا النهج، ليشمل ذلك مجالات الري الحديث، والري الذكي، وأفضل التقنيات في الإنتاج الزراعي عالي الكفاءة في استخدام المياه وتحليه مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وإعادة استخدامها.
الدكتور محمد عبد الحميد داود
كيف يمكن تعظيم الاستفادة من شبكات مياه الأمطار في ظل التغيرات المُناخية؟
وعن تعظيم الاستفادة من شبكات مياه الأمطار في ظل التغيرات المُناخية، يقول الدكتور أحمد فوزي خبير المياه والزراعة بالأمم المتحدة المتعارف عليه عالميًا أن هناك تغيرات طبيعية وتغيرات بفعل البشر.
واستكمل د. فوزي حديثه، بأننا نجد التغيرات الطبيعية لا دخل للبشر بها، بل إنها تحدث بشكل تلقائي ولا خطورة منها، بينما التغييرات التي تحدث بفعل البشر نتيجة الثورة الصناعية ومعدلات التلوث المرتفعة الناتجة عنها، تؤدي إلى ظهور تغيرات مناخية حادة تتمثل في الموجات الحارة والموجات الباردة وعدم انتظام توزيع المطر وعدم انتظام كمياته. كلاهما يؤثر على الأوضاع المائية ويؤثر أيضًا على الاحتياجات المائية للنباتات ويؤثر على الإنتاجية الزراعية وعلى البنية الأساسية وعلى البشر.
ما هي إستراتيجية الإدارة المستدامة لموارد المياه بين الدول الأكثر تأثرًا بالمُناخ؟
وأكد فوزي أن تغيرات المناخ التي تحدث الآن تمت بفعل البشر، وهي تغيرات عالمية يمكن أن يكون هذه التغيرات في مكان وتأثيراته المناخية في مكان آخر.
كما أن هناك تلوثًا في الدول الصناعية الكبرى، وكذلك الحرائق في الغابات وتأثيرهم على موضوعات "الاحترار العالمي" والتغيرات المناخية الحادة، كل ذلك يلزم أن يتعامل العالم كله ككتلة واحدة لمجابهة هذه التغييرات، ويشاركهم بشكل أكبر بالدعم المالي والفني من الدول الصناعية الكبرى المسببة في الأساس هذه التغييرات المناخية.
وشدد فوزي، على ضرورة قيام هذه الدول الفقيرة المحافظة على الأوضاع المناخية لديها وتشجيع استنباط سلالات من البذور للمحاصيل المختلفة لما تتناسب مع الأوضاع البيئية الجديدة، إضافة إلى إحداث تغير مرحلي في نوعية البنية الأساسية لديها بما تتناسب مع الظروف المناخية الجديدة.
تبطين الترع يرفع ملوحة الأرض، أم يحفظ حصة المياه؟
وفيما يتعلق بتبطين الترع، أوضح خبير المياه والزراعة بأن تصميم الترع والقنوات يتم بناء على الاحتياجات المائية الفعلية لزراعات الزمامات الخاصة بها، فيوجد ما يسمى بـ"المناسيب التصميمية للترع"، والتي تتعرض إلى عمليات التهدل، أو التعدي، أو التغيير نتيجة عمليات الصيانة"، وذلك لمنع الحشائش أو تعدي الأفراد عليها، وبالتالي يحدث تغير في المستويات التصميمية للترع، والتي ينتج عنها عدم وصول المياه إلى النهايات، بالإضافة إلى أن الملوثات أو القمامة التي تلقى بها تؤدي إلى تغير في نوعية المياه، لذا يجب الرجوع إلى المستوى التصميمي للترعة لحل هذه المشكلات سواء بالتبطين أو التتبيش، على أن يرفع من كفاءة وصول المياه خاصة في الأراضي الرملية والطميية منعا من تسرب كميات كبيرة من المياه إلى الخزان الجوفي.
ولكن لا يفضل عمليات التبطين في المناطق الطينية والطينية الثقيلة كما هو متواجد في شمال الدلتا
الدكتور أحمد فوزي
كيف يمكن الربط بين الإدارة المستدامة للمياه والاقتصاد الدائري؟
ومن منطلق آخر، يرى الدكتور أسامة سلام خبير الموارد المائية بهيئة البيئة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن هناك العديد من الخصائص والأفكار والمناهج المشتركة بين مبادرات «الاقتصاد الدائري» التي تنفذها المنظمات وإدارة نظام المياه بمعناها الأكثر شمولية؛ حيث يؤسس ذلك لغة مشتركة تسمح للاقتصاد الدائري وممارسو المياه لفهم بعضهم البعض بشكل أفضل. لذا يجب أن ينصب تركيزنا خلال السنوات القليلة القادمة على مبادئ الاقتصاد الدائري، وكيفية ارتباطها بالإدارة المستدامة للمياه بما في ذلك موضوعات التقاطع الرئيسية، وكذلك مواءمة الفرص من خلال تحديد المشاريع والنهج والأهداف التي تتوافق مع كل من الإدارة المستدامة للمياه والاقتصاد الدائري، فإن الاحتمال هو تسريع نشرها وتطبيقها ويمكن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري على الموارد المائية من خلال إدارة النفايات، وذلك بتعظيم كمية الطاقة والمعادن والمواد الكيميائية المستخدمة في تشغيل أنظمة المياه بالتنسيق مع الأنظمة الأخرى.
الدكتور أسامة سلام