Close ad

المظاهرات .. في واقعنا المعاصر

13-11-2022 | 15:47
الأهرام المسائي نقلاً عن

  • كان عمري 28 عامًا وتحدثت يومها لأحد الضباط الكبار وهو العميد المرحوم/محمد عبد العليم - وكان رجلًا عاقلًا - بعد منع مسيرة سلمية في القاهرة: لماذا المنع ما دامت سلميه؟ قال لى: هناك قاعدة مستقرة مفادها "أي مظاهرة ضخمة في القاهرة تعنى تحطيم القاهرة أو حرقها، وقد يؤدى إلى إراقة دماء كثيرة".

  • قلت له: كيف ذلك ما دامت سلمية؟

  • قال: لا تغرك الكلمة فكل المظاهرات تبدأ سلمية، ثم تتحول فجأة إلى العنف والحرق، فكلما سارت المظاهرات في الشوارع اكتسبت أنصارًا كثيرين، بعضهم عاقل وأكثرهم متهور وغير منضبط ولا حضارى، يكفى أن شخصًا واحدًا يلقي حجرًا على أى منشأة يكرهها ليقذف الجميع مبانى كثيرة بالحجارة، أو يلقي جركن بنزين ثم يشعله فتحترق القاهرة كلها.

  • قلت له كيف؟ قال: مظاهرات 17 و18 يناير التى أشعلها اليسار المصري ضد رفع سعر بعض السلع بدأت سلمية ثم حرقت كل شيء؛ مما استلزم نزول الجيش إلى جوار الشرطة، ذلك فضلًا عن الخسائر فى الأرواح والاقتصاد وسمعة البلاد.

  • مرت الأيام ونسيت الحوار وما جرى فيه، وخاصة أن هذه المسيرة لم تتم، وتعاقبت الأيام حتى قابلت يومًا بعض المعتقلين الجدد وكنت أحب سماع قصص حياة كل منهم فاختلى بى أحدهم وحكى لى قصة غريبة مفادها أنه وثلاثة آخرين كانوا سيشاركون في المسيرة الخضراء وقد جهزوا قنابل يدوية لإلقائها علي الشرطة إذا تصدت للمسيرة أو أطلقت عليها الرصاص أو الغازات.

  • تأكدت منه مرارًا وسألته: هل كان الشيخ حافظ سلامة "منظم المسيرة" يعرف ذلك؟ قال: لا.. وإلا كان رفض مشاركتنا أو سلمنا للأمن.

  • قلت له: المسيرة سلمية فلماذا تحضرون القنابل وتورطون الشيخ والمتظاهرين السلميين؟ فقال: كنا نريد حمايتها.

  • قلت : ولكنكم بذلك قد تحدثون مجزرة متبادلة تراق فيها الدماء بغير مبرر.

  • في هذه الليلة استرجعت شريط الحديث مع العميد/محمد عبدالعليم والذي لم أكن مقتنعًا به وقتها.

  • قلت لنفسي: المظاهرات في الجامعة تختلف عن المظاهرات في الشوارع، في كل مظاهرة هناك مئات العقلاء وعشرات أضعافهم ممن لا يستطيع أحد التحكم في أقوالهم وتصرفاتهم، وخاصة إذا شعروا قوة في أنفسهم وضعفًا في الشرطة أو أطلق لهم العنان للتظاهر في الشوارع بحرية، فكل الثورات والمظاهرات تبدأ سلمية ثم تعمد إلى المولوتوفية والحرق والدمار.

  • استرجع اليوم شريط المظاهرات في تاريخ مصر، فثورة يناير بدأت سلمية، ثم ركبها العنف فحرقت 90 قسمًا للشرطة، وعشرات الأحياء والمحاكم بما فيها من وثائق تحفظ حقوق المواطنين، فضلًا عن مقار الحزب الوطنى، حتى مقار المطافئ التى تخدم الناس بحياد حرقت كذلك دون عقل أو روية، كنت أمر عليها كل يوم بالقرب من منزلي وأعجب لهؤلاء الذين حرقوها، فضلًا عن آلاف من سيارات الشرطة تم حرقها، مع أنها ستشترى بعد ذلك كما ستجدد الأقسام من أموال دافعي الضرائب فضلًا عن المحلات التى نهبت.

  • الثورات والمظاهرات عادة ما يركبها عتاة المجرمين بعدما يلوح نصرها وانكسار مؤسسات الدولة.

  • لقد تم حرق أكثر من 60 كنيسة و50 نيابة ومحكمة و10 محافظات وقرابة 40 قسم شرطة وأكثر من 60 مجلس مدينة وحى في يوم واحد، وكل ذلك تم من خلال مظاهرات حاشدة في اليوم الذى تلا فض اعتصام رابعة.   

  • كانت المظاهرات تسير، تقف أمام الكنيسة، تهتف ضدها فقط بعدها بلحظات تجد بعض المتظاهرين يتسللون وحدهم لحرقها،لا تتحرك المظاهرة إلا بعد الحرق، وهكذا تم مع كل محافظة من المحافظات العشر والنيابات والمحاكم.

  • قد يكون من حركوا المظاهرات لا يريدون حرق هذه الأماكن، ولكنها حتما ستحترق.

  • المظاهرات تبدأ سلمية ثم تنجرف دومًا إلى العنف وخاصة إذا كانت في مجتمع محتقن فقير غير متحضر مليء بالبلطجية ويعاني من الكبت الشديد فيحدث الانفجار الذي لا يسيطر عليه أحد  في مثل هذه اللحظات.

  • تأملت كل تاريخ المظاهرات في الشوارع، يبدأها العقلاء والثوار الحقيقيون ثم يركبها الجنون والحمق واللاعقل والبلطجية، والذي يدفع الثمن دائمًا هم المخلصون.

  • صوت الأحمق والغبى والدموى العنيف مسموع في المظاهرات أكثر من صوت العقل والحكمة، الجموع الغفيرة لا عقل لها والحشود لا عقل لها، أما إذا ركبتها الجماعات السياسية فهى تستطيع السيطرة عليها أحيانًا برجالاتها ونظامها، ولكنها توجهها لمصالحها الذاتية وتجهزها بعد ذلك للعنف والحرق، وتدفع الثمن غاليًا عليها، وتحاسب على كل المشاريب وعلى كل الحرق والتدمير.

  • الشوارع في بلادنا بما فيها من كنائس ومحال تجارية وبيوت ليست مكانًا للتظاهر وإلا احترقت أو دمرت أو أريقت فيها الدماء.

  • العقلاء والحكماء يضحون بإخلاص لكن دعوتهم للإصلاح يركبها عادة الأفاقون والانتهازيون والبلطجية وهؤلاء يدخلون المشهد سريعًا فيفجرون ثم يخرجون سريعًا قبل أن يحل العقاب، فلا يجد سوى الشباب النظيف فيحشرون إلى السجون طوال عمرهم.

  • هذه بعض ذكرياتى المجردة عن المظاهرات والتى حاولت تطبيقها على كل المظاهرات سواء التى حدثت في 17 و18 يناير 1977 أو التى تلت ثورة يناير أو التى تلت فض رابعة بالقوة.

  • أسوقها للقراء لعلهم يدركون أن المظاهرات الحاشدة لن تكون سلمية أبدًا، ولن يستطيع أحد السيطرة عليها بعد حين، وأنها ستتحول من السلمية إلى المولوتوفية ولو بعد حين، وهذا الحين معروف ومعلوم هو ظهور انكسار أجهزة الشرطة وشعور الجميع أن المتظاهر سيحظى بالبطولة ولا يناله العقاب، حينها ستدخل المظاهرات كل الأطياف التى ستحول الشوارع إلى جحيم ودماء.


كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة