ينفرد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "COP 27"، المنعقد حاليا بشرم الشيخ، مقارنة بسلسلة مؤتمرات الأمم المتحدة الدورية المتوالية على مدى "26" مؤتمرًا، بوضعه أجندة الغذاء والزراعة في صدارة فعالياته، حيث نظم "منتدى الأمن الغذائي" برعاية برنامج الغذاء العالمى بالتعاون مع وزارة التعاون الدولي المصرية، وأدار حلقة نقاشية عنوانها "دور الشباب في أنظمة الغذاء المستدامة"، وكذلك إطلاقه لمبادرة "الغذاء في معالجة المناخ"، فضلا عن إعداد انظمة "الغذاء المحايد للمناخ" داخل أجنحة المؤتمر.
نعم، فقد انفرد المؤتمر بالأهمية الحاسمة للنظم الغذائية كحل مناخي، وإذا كنا نبحث ونهتم بالعدالة المناخية بتوزيع عادل للغرم والغنم للحالة المناخية، فمن المنطقي أن نهتم بالعدالة الغذائية، والتي هي عنوان للتناغم بين الإنتاج العالمي للغذاء، وبين الاستقرار المناخي ومرونة النظم الإيكولوجية، وكذلك الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية.. لا نحتاج إلى دلائل علمية لكي نربط بين الغذاء وصحة الإنسان، وبين الاستدامة البيئية.
"الغذاء ليس مثل الطاقة أو النقل.. إنه نظام معقد للغاية"، هذا ما ذكره زيتوني ولد دادا، نائب مدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، والذي أضاف: "الغذاء يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين وثقافات مختلفة".
جاءت الرسالة من شرم الشيخ إلى العالم تقول: لقد حان وقت العمل مع الطبيعة وليس ضدها"، ونظرًا لأن الغذاء والمناخ متشابكان، من الضروري الوصول إلى حالة التمكين الزراعي في ظل التغير المناخي، وعندما نتجاهل الأنظمة الغذائية، فإن ذلك ينعكس على المناخ ومعاناته، حيث النظم الغذائية مسئولة عن ما يقرب من حوالي 35% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وذكر تقرير لمؤسسة "Food Tank" الأمريكية غير الهادفة للربح، أن الغذاء هو أحد أكثر الطرق إلحاحًا وأقواها لمعالجة أزمة المناخ، وخلال فعاليات المؤتمر، تم تسليط الضوء على دور الشباب في أنظمة الغذاء المستدامة، عبر حلقة نقاش بالشراكة مع منظمة المزارعين العالمية بعنوان "المستقبل الآن: كيفية إطلاق العنان للمزارعين الشباب" إمكانية إقامة أنظمة غذائية مستقبلية مستدامة".
وذكر تقرير للمنظمة، أن السنوات الماضية كانت مدمرة للأشخاص الذين يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي، فقد قفز عدد هؤلاء الذين تخدمهم بنوك الطعام على مستوى العالم بنسبة 132٪ بين عامي 19- 2020، وأضاف التقرير أن 1 من بين 5 امريكيين لجأ إلى المساعدات الغذائية الخيرية، بواقع 60 مليون شخص في الولايات المتحدة خلال 2020، ونحو 40% من الغذاء المنتج عالميا يتم إهداره، بواقع 1.3 مليار طن من الغذاء سنويًا، وهذا الغذاء المفقود بامكانه إطعام مليار إنسان.
ويرى الخبراء، أن زراعة المحاصيل الزراعية تساهم بكفاءة في الحفاظ على الموائل التي تمتص الكربون بشكل طبيعي وتخفف الانبعاثات، وأن اختيار نظام غذائي غني بالنباتات، والعمل على تقليل فقدان الطعام وإهداره، يساعد في تراجع الانبعاثات بمقدار النصف تقريبًا.
ونظرًا لأن النظم الغذائية والزراعية تعد الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، فإن ارتفاع الحرارة، والجفاف، والفيضانات، والتغيرات، واضطراب سقوط الأمطار، تؤثر على الزراعة أكثر من أي قطاع آخر، فقد أنشأت منظمة الاغذية والزراعة بالأمم المتحدة "الفاو"، بالتعاون مع مصر، مبادرة "Fast"، وهي مبادرة زراعية عالمية تهدف الوصول إلى التحولات المستدامة تطبق مبادئ الحوكمة، وهي شراكة مع أصحاب المصلحة المزارعين، وتقدم الدعم الفني والمادي للمنتجين، لكي تحقق المكاسب للناس والمناخ والطبيعة.
أيضا هناك مبادرة "50 بحلول عام 2050" برعاية مصر، وتهدف لإعادة تدوير 50% من نفايات إفريقيا بحلول عام 2050، عبر تطبيق سياسات وبرامج تحويل الأنظمة الرئيسية، مثل الطاقة والغذاء والنفايات، ومكافحة التلوث، لكي تحاكي أو تتجاوز منابع الأزمات لكي تعالج أسبابها الأساسية.
وتعد تقنيات الذكاء الاصطناعي والمحاكاة أحد أهم الجهود لمعالجة متغيرات المناخ، لتساهم بشكل فعال ومتسارع في معالجة تداعيات التغيرات المناخية ومحاولة التخفيف من مخاطرها والتكيف مع آثارها المدمرة، إضافة إلى حماية الإنسان والبيئة، وهو ما نبه إليه د. محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية في "COP 27"، حيث أوضح أن تحقيق التحول في قطاع الزراعة والغذاء لابد وأن يعتمد على أسس علمية صحيحة، وإيجاد نظام زراعي وغذائي أكثر تكيفًا مع آثار المناخ، كما يتطلب الاعتماد على قواعد بيانات محدثة، وتطبيق التكنولوجيات الحديثة، واللجوء للحلول العلمية، والتعاون بين دول الإقليم الواحد.
وعندما يقول بيير فريد أينشتاين، عالم المناخ بجامعة إكستر: "في مسارنا الحالي، بدون تخفيضات هائلة في الانبعاثات، سنستنفد ميزانيتنا المتبقية من الكربون بسرعة كبيرة جدًا"، ونوهت دانيل نورنبرج مؤسس "Food Tank": "أن المؤتمر الحالي كشف عن حقيقة مخيفة، وهي وصول انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية إلى مستوى قياسي مع نهاية عام "2022، وعندما يكشف أنطونيو جوتريش السكرتير العام للأمم المتحدة أمام المؤتمر: "البشرية أمامها خياران: التعاون أو الهلاك"، فإننا، إزاء هذه التغيرات والتحولات والتصريحات، لا نمتلك ترف الانتظار، والبداية أن تتصدر أنظمة الغذاء وضمنها الزراعة، الوثائق الختامية لمؤتمر شرم الشيخ.. وإذا كنا في موضع إطلاق عنوان لمؤتمر شرم الشيخ الحالي، فهو مؤتمر "أنظمة الغذاء المتجدد".
[email protected]