Close ad

معادلة قمة المناخ

13-11-2022 | 12:40

معادلة قمة المناخ في شرم الشيخ كوب 27 شديدة الوضوح، وهي أن حل الأزمة الخطيرة التي تتعرض لها الأرض، يتلخص في أن الدول المتقدمة التي فعلت كل ما في وسعها للتفوق الصناعي والتكنولوجي والعسكري، ولم تكترث في طريقها بالحفاظ على كوكب الأرض، على هذه الدول أن تنفق الأموال لإصلاح ما أفسدته، وأن تدفع التعويضات المناسبة إلى الدول التي تضررت.   
 
وبات على الدول المتضررة أن تواجه تحديات جمة، ربما أكثر من الأعوام السابقة التي كان الحديث فيها عن إصلاح بيئة الأرض ترفا، وهذه التحديات ليس فقط في محاولة اللحاق بركب التقدم، وسد الفجوة الواسعة مع الدول المتقدمة في الشرق والغرب، وإنما أن يكون هذا اللحاق مستجيبًا لشروط حماية المناخ.
 
ليس أمام الدول التي تم استغلال ثرواتها إلا أن تشاكس وتضغط بكل القوى لتنال حقوقها المشروعة من الغرب المتقدم الذي سبق ونهب ثرواتها، ومازال، وكأنه غير راض عما وهبه الله لهذه الدول من مواد خام طبيعية، ويريد الآن أن يعيد السيطرة عليها بطرق شتى إذا ما أبدت هذه الدول قدرًا معقولا من حرية اتخاذ القرار.
 
ويبدو أن قمة شرم الشيخ أتاحت للدول النامية فرص مواجهة الدول المتقدمة بالحقائق، وأنها تضررت من العبث بالطبيعة وسوء استغلالها، كما تتضرر الآن من السياسة وعبث استخدامها في المزيد من إنتاج الأسلحة والحروب، وحددت الدول طلباتها بوضوح وجدية في القمة، وموائدها المستديرة، والقمم النوعية على هامشها.  
 
أما الذين توافر لهم ملاحظة تحول شرم الشيخ إلى أول مدينة مصرية خضراء تزامنًا مع القمة، فإنها لم تكن سوى إشارة إلى قدرة مصر على فعل الأمر نفسه، ليس في مدن مصرية فحسب، وإنما في مدن أخرى في إفريقيا تحتاج إلى ذلك، على مستوى التدريب والتنفيذ، إذا ما توافر لها التمويل اللازم.  
 
وعلى عكس ما توقع كثيرون من أن عقد القمة في شرم الشيخ في خضم الحرب الروسية في أوكرانيا سيهدد فرصها، فإن قضايا المناخ ما قبل الحرب، وكذلك ما جرى من انتهاك جديد لاستخدام المواد الخام في إنتاج الطاقة بشكل ضار بسببها، (العودة إلى الفحم مثالا) طرح المزيد من القناعات في القمة بوجوب الإسراع في وقف تدهور المناخ.  
 
ويبدو أن القمة التي تأتي في لحظة عالمية فاصلة، بعد انحسار كورونا، وفي خضم الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم والأشجار)، وتصاعد حدة التوترات بين أمريكا والصين وغيرها من الأزمات، ساهمت في هذا الحشد غير المسبوق من زعماء ورؤساء حكومات العالم المستشعرة الخطر المناخي الداهم..
 
وكان لافتا أن المؤتمر حمل صرخات كبرى مثل ما أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتريش من أن العالم أمامه إما التضامن أو الانتحار الجماعي. وكان واضحا إلحاح الرئيس السيسي على الخروج من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ، وقال إنها "قمةُ التنفيذ". بينما الرئيس الفرنسي ماكرون تحدث عن نية بلاده الضغط على أمريكا والصين التي تقول البيانات الأممية إنهما مسئولان عن نصف ما يتعرض له العالم من احتباس حراري.  
 
ورغم الإلحاح المصري بخاصة والإفريقي والأممي بعامة على تنفيذ التعهدات فإن المزيد منها حدث، ولكن الفضيلة الحاصلة أن التعهد هذه المرة ارتبط بمشاريع حقيقية، لها جدول زمني محدد. مثل ما أطلقه رئيس الحكومة البريطانية ريتشي سوناك أمام القمة من أن بلاده ستفي بتعهداتها المالية، متحدثًا عن تقديم 11.7 مليار جنيه إسترليني لمواجهة التغيرات المناخية.. ومثل ما وعدت به مؤسسة بيل جيتس وميلندا بتقديم مليار ونصف المليار دولار لإفريقيا جنوب الصحراء ودول في آسيا لمساعدة صغار المزارعين، وتعهد صاحب أمازون تقديم مليار دولار للمساعدة في حماية الغابات والتنوع البيولوجي. ومن قبل حضوره تعهد جو بايدن بمضاعفة واشنطن تمويل صندوق المناخ بأحد عشر مليار دولار. 
 
وكان لافتًا تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتمويل مبادرة تحول مصر إلى الطاقة الخضراء ستدعم مجددًا بخمسمائة مليون دولار أمريكي مقدمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وأشار إلى دعم مركز تدريب ‏جديد في مصر للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة في إفريقيا.‏. والإلحاح على السرعة من مميزات قمة شرم الشيخ، السرعة في العمل، وتنفيذ التعهدات، وتوقيع اتفاقيات قابلة للتنفيذ، ملمح واضح فيما شاهدناه.
 
وعلى هامش القمة عُقدت قمة خاصة بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إسهام بلاده بـ 2.5 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة. وتطرق رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى الشراكة التي جرى إطلاقها أخيرًا بين الإمارات والولايات المتحدة لتعزيز أمن الطاقة ودعم العمل المناخي من خلال استثمار 100 مليار دولار لبناء مشروعات لإنتاج 100 جيجا وات من الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم، وذلك بخلاف توقيع اتفاقيات شراكة متنوعة على هامش قمة المناخ في مجال الطاقة النظيفة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قراءة في خطط ما بعد حرب غزة

العالم مليء بالصراخ من أجل غزة, وغزة ملطخة بالدماء, والرهان على المجتمع الدولي يجلب المزيد من التعبيرات الدبلوماسية الرائعة, لكن القتل والدمار ينتجان أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم المعاصر..

الأكثر قراءة