تتجه أنظار العالم نحو مصر في قضية المناخ التي تهدد بقاء الكائنات الحية على الكوكب، ما لم تتراجع الدول الصناعية الكبرى عن إنتاجها للانبعاثات الملوثة للبيئة، الناتجة عن الصناعات المعتمدة على الوقود التقليدي المسبب لهذه الانبعاثات، أو تلتزم بتعهدات التمويلات.
مصر أمل العالم في مصالحة المناخ
ويعوّل العالم على دور مصر في إنجاح COP27 المنعقد حاليًا بمدينة شرم الشيخ، والخروج بتوصيات مُنصفه للدول النامية، التي لا تمتلك أهم آليات مواجهة مخاطر هذه الانبعاثات، وهي التمويل، الذي تتنصل منه الدول الصناعية الكبرى، وهي مُلزَمة به لأنها المتهم الأول في قضية تغير المناخ.
COP27 طوق النجاة المًنتظّر
ويأتي الأمل الذي تضعه دول العالم في مصر بإنجاح COP27، بعد أن أخفقت القمم السابقة في تنفيذ مخرجاتها، التي يأتي في مقدمتها تخفيف الانبعاثات الملوثة للبيئة، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع وكأن قمم المناخ السابقة كانت تُحدّث نفسها، فلم يشهد المناخ حتى الآن دورًا بارزًا للدول المشاركة سوى قيد اسمها في كشف حضور المؤتمر، دون أي فعل على أرض الواقع يثبت نيّة للتحول نحو الطاقة النظيفة.
مصر تستطيع من خلال قمة شرم الشيخ
والماضي القريب يقول إن مصر قادرة على إحراز الهدف، فبعيدًا عن استضافتها لـ COP27 هذا العام، فهي تسير بخطى ثابتة، وسباقة، في طريق الاستثمار في الطاقة النظيفة، والسنوات القليلة الماضية شهدت تطبيق هذا الاستثمار على أرض الواقع، وفي مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال يشهد قطاع النقل وحده 6 مشروعات صديقة للبيئة.
الهيدروجين الأخضر صناعة مصرية
وتستثمر مصر في 14 مشروعًا للهيدروجين الأخضر، إضافة إلى محطة بنبان للطاقة الشمسية، وهي المحطة الأكبر في العالم لتوليد الطاقة الشمسية ، وهذه المحطة بالإضافة إلى ثلاث محطات أخرى بلغت تكلفتها أكثر من 11 مليار جنيه، فضلًا عن مدينة الروبيكي الصناعية للغزل والنسيج والصناعة الجلدية، وهي مدينة صديقة للبيئة، إضافة إلى مدن الجيل الرابع التي تستهدف الدولة من خلالها تطبيق معايير استدامة الطاقة وتدوير المخلفات، لتصبح مدنا خضراء، يتعدى نصيب الفرد فيها من المسطحات الخضراء والمفتوحة 15 مترا مربعا.
دول الانبعاثات الكربونية المسبب الرئيسي للتغيرات المناخية
وتأتي هذه الجهود التي تبذلها مصر في الاستثمار في الطاقة النظيفة، بينما هي ليست دولة ملوثة للبيئة، فبحسب الأرقام تبلغ نسبة انبعاثات مصر من ثاني أكسيد الكربون، من إجمالى دول العالم 0.6 % ، ليعادل نصيب الفرد من هذه الانبعاثات 2 طن، بينما تنتج الولايات المتحدة 22.2% وتنتج الصين 18.4% والاتحاد الأوروبي 11.4% وروسيا 5.6% والهند 4.9% واليابان 4.6% وألمانيا 3.0%.
مصر تتحرك بمسئولية نحو معالجة آثار المناخ
مصر ليست دولة ملوثة للبيئة مقارنةً بنسب التلوث التي تأتي الولايات المتحدة في صدارة قائمتها، ثم الصين، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، ومع ذلك فإن خطواتها نحو الاستثمار في الطاقة النظيفة والحد من الانبعاثات الكربونية لا تتوقف، بل إنها في تزايد ملحوظ، وهو ما قال عنه الدكتور مجدي علام، مستشار المناخ العالمي، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إنه تحرُّك سبّاق لمصر يعكس إنها دولة مسئولة وغير أنانية .
لم نعد نمتلك رفاهية الوقت
هذه التحركات الجادة والمسئولة لمصر أكدها وزير الخارجية، سامح شكري، في قمة جلاسكو الماضية، COP26، قائلًا :""لم نعد نمتلك رفاهية الوقت وبات من الضروري إعطاء الأولوية للالتزام بالتعهدات وتنفيذ المخرجات".
صفقة الولايات المتحدة "الخضراء" في مصر
وهذه المسئولية التي يصف بها خبراء المناخ، تحركات مصر نحو الطاقة النظيفة، أثنى عليها الرئيس الأمريكي،جو بايدن، في مؤتمر COP27 الحالي، قائلًا :" نعلن عن تقديم 500 مـليون دولار لمساعدة مصر على التحول إلى الطاقة النظيفة»، وذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا تتعهدان بتقديم المبلغ.
10 جيجاوات طاقة نظيفة في 2030
وتستهدف الصفقة حصول مصر على 10 جيجا وات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتحسين استخدامات 5 جيجيا وات من الطاقة المولدة من الغاز الطبيعي، مما يخفض انبعاثاتها في الطاقة بمقدار 10% ، ويأتي ذلك وفق ما أكد عليه الرئيس الأمريكي خلال المؤتمر الحالي، بأنه يجب مساعدة الدول النامية للانتقال إلى الطاقة النظيفة.
COP21
في عام 2015، احتشد العالم في باريس للتصدي لتغير المناخ فكانت أول قمة للمناخ، COP21،وبعد ست سنوات، عقد COP26، لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في جلاسكو، بهدف الوفاء بتعهدات اتفاق باريس.
COP26
وكانت من الأهداف الرئيسية لـ COP26، وهو آخر قمة للمناخ انعقدت العام الماضي في جلاسكو، ألا تتجاوز الزيادة في الارتفاع المحتمل في حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية حسبما تم الاتفاق عليه في باريس، وقد ارتفعت حرارة الأرض بالفعل حوالي 1.1 درجة مئوية فوق المستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية، وشهدت الفترة الماضية سبع سنوات هي الأعلى حرارة .
قمم المناخ السابقة
وتمثلت مخرجات قمم المناخ السابقة، في الحد من الانبعاثات الغازية، والتكيف مع التغيرات المناخية، والتمويل، ونجاح مؤتمر جلاسكو.
فشل قمم المناخ السابقة تعول على نجاح COP27
وأدى فشل كل هذه القمم في تنفيذ مخرجاتها، إلى التعويل على مصر في نجاح القمة الحالية COP27، في تنفيذ هذه المخرجات، خاصة وأنها إلى جانب استضافتها لهذه القمة الآن بشرم الشيخ فهي دولة مشاركة في إدارة الأزمة عبر مشروعات على أرض الواقع تكلفت مليارات الجنيهات ، رغم كونها غير شريكة في التلوث .
تحديات دول العالم أمام COP27
بحسب حديث الدكتور مجدي علام، مستشار المناخ العالمي، لـ"بوابة الأهرام"، تواجه مصر تحديات لإنجاح COP27، أكبر هذه التحديات هو فشل جميع القمم السابقة في تنفيذ المخرجات التي خرجت بها، وهو التحدي الذي يواجه العالم كله وليس مصر بل إنه المسئول عن تأخير حماية المناخ إلى الآن.
تحديات الدول النامية أمام COP27
وإضافة إلى التحدي العالمي، هناك ثلاثة تحديات أمام الدول النامية، بحاجة إلى التغلب عليها حتى يتسنى لها تنفيذ مخرجات COP27، وإنجاحه، تتمثل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وتوفير التمويل لشرائها وتوفير الكوادر الفنية لتدريب العمال على كيفية استخدامها، إضافة إلى توفير خدمة الصيانة للمعدات والآلات الحديثة لضمان بقائها وإلا ستفقد دورها مع أول عطل بها.
من المستفيد من فشل COP27؟
المستفيد الأول من فشل القمة الحالية COP27، والقمة السابقة لها COP26، وcop21، هو الدول الصناعية الكبرى بلا شك فهي المستخدمة للفحم والوقود الذي ينتج عنه انبعاثات الكربون الملوثة للبيئة وهي المسئولة عما وصل إليه العالم من تلوث جعل المناخ يصب غضبه على دول العالم كله غير مفرقًا بين الدول الملوثة والدول المظلومة لضآلة حجم انبعاثاتها من الكربون.
الدول الصناعية الكبرى
هذه الدول بترتيب التلوث في الماضي، أمريكا، الصين، الهند، روسيا، والدول الصناعية الأوروبية، على رأسها انجلترا، كل هذه الدول الكبرى هي المسئولة عن التلوث وما وصلنا إليه من زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري بصفة عامة.
"بايدن" يسير نحو تخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إن أمريكا أفضلهم، يليها انجلترا من ناحية أنها تحاول تغيير وجهتها نحو استخدام الطاقة النظيفة، وهو ما بدا في كلمة الرئيس الأمريكي "بايدن"، في المؤتمر أمس بشرم الشيخ، أن أمريكا على استعداد لتنفيذ مخرجات قمم المناخ ومساعدة الدول النامية في تخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الصين تستمر في الانبعاثات غير مكترثة لمخاوف العالم
وإن كانت أمريكا لاتزال تستعمل الفحم ولا تزال ملوثة للبيئة، لكنها تحركت نحو تخفيف ذلك، فبعد أن كان إنتاجها من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الملوثة أكثر من 50% أصبح الآن 22.2%، وهي كمية ضخمة أيضًا رغم انخفاضها، لكن في المقابل نجد الصين مستمرة في التلوث، محققة هذا العام رقمًا قياسيًا في كمية الفحم الذي استخدمته، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الحديد.
الدول الصناعية الكبرى .. والتنصل من المسئولية
الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها الصين، هي المستفادة من فشل قمم المناخ، لأن نجاحها يُلزم هذه الدول بسداد التزاماتها من تعويض للدول المتضررة من نسب التلوث التي تسببت فيها خلال الـ 100 سنة الأخيرة، يقول الدكتور عباس شراقي :" هذه الدول لا تريد أن تتوقف أو تتجه نحو تخفيف حقيقي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الملوثة للبيئة، ولا تريد أن تدفع للدول النامية تعويضًا عن الضرر الذي لحق بها وبالتالي من مصلحتها أن تنتهي هذه المؤتمرات بتوصيات ومخرجات غير منفذة على أرض الواقع ولذلك لم يحضر الرئيس الصيني والرئيس الروسي COP27 ولا حتى القمم السابقة لأنهم دول مسئولة مسئولية مباشرة عن كارثة تغير المناخ.
أنانية الصين أمام الدول النامية
هذه الدول وعلى رأسها الصين، يرى أستاذ الجيولوجيا والموارد البيئية ضرورة اتخاذ قرار حاسم بشأنها في COP27 من قِبَل الأمم المتحدة، يلزمها في حالة الاستمرار على التعنت في استخدام الفحم وتصدير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للبيئة، بمقاطعة منتجاتها على مستوى العالم، وإلا ستسير الدول النامية على هذا الضرب تحت شعار "اشمعنا انا "، فأي منطق يقول إن الدول النامية التي تفتقر إلى التمويل كما أنها غير شريك في تلويث البيئة تلجأ لاستخدام الطاقة النظيفة عبر مشروعات صديقة للبيئة تتكلف مليارات الجنيهات وفي المقابل تصر الدول الصناعية الكبرى كالصين على استخدام الفحم وتصدير الانبعاثات الضارة للعالم كله غير مكترثة لشيء سوى أن تجني المكاسب والأرباح حتى ولو على حساب الكوكب.
لماذا يستبشر الخبراء بنجاح COP27 ؟
ويتوقع مستشار المناخ العالمي، مجدي علام، نجاح COP27، لافتًا في سبب توقعه إلى المشروعات الصديقة للبيئة التي تكلفتها مصر رغم الأزمة الاقتصادية العاملية التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا والتي تكبدت فيها خسائر اقتصادية إلا أنها لم تمنعها من الالتزام بمخرجات COP26 الذي حضرته في جلاسكو العام الماضي.
وإضافة لذلك فإن COP27 هو أول قمة تتضمن الخسائر والمخاطر للتغير المناخي، والتعويض العادل لها، وهذا البند كان مرفوضًا في القمم السابقة للمناخ ولأول مرة توافق الدول الصناعية على وضعه في أجندة COP27 لذلك يعلق العالم آماله على نجاحة في مصالحة المناخ والتزام الدول بمخرجاته المُنتظره.