المشكلة الأزلية فى الشرق الأوسط هى النمط الاستهلاكى لشعوبه، وأحياناً يكون الاستهلاك غير مبرَّر ولا مفهوم السبب خاصة إذا اشتمل على سلع تعد من الكماليات الزائدة عن الحاجة.
هذا الأمر لا ضرر فيه إذا كان الإنتاج المحلى يغطى أغلب المطلوب استهلاكه. لكن الضرر ينشأ من اتساع الهوة بين ما ننتجه وما نستهلكه.
الإنتاج له متطلبات: أهمها توفير البنية الأساسية والمرافق وتشجيع القطاع الخاص وإتاحة التدريب فى المجالات المختارة لتغطية الاحتياجات المحلية المتزايدة ثم توفير الطاقة اللازمة لإدارة عجلة الإنتاج فى المصانع والمنشآت الإنتاجية.
الآن أصبح المطلوب ليس الإنتاج فقط وإنما الإنتاج بمميزاته الجديدة وهى : ضمان إنتاج سريع وفير، وفى نفس الوقت عدد قليل من العمالة، وموفر للطاقة، ثم أن يكون صديقًا للبيئة خاصةً لو تم استخدام آليات تدوير المهملات.
الإنتاج مرتبط بأمور أخرى منها الجودة والتنافسية لضمان سهولة التسويق وسعة الانتشار، كما أنه مرتبط بإتاحة الفرص والمعلومات للمنتجين المنخرطين فى منظومة التنمية.
وأيضاً مرتبط بسلاسل الإمداد وهو ما يعنى لزوم وجود أنواع من الشراكات الفاعلة داخل وخارج الحدود مع الجهات المختلفة من أصحاب المصلحة المشتركة مثل: أصحاب الأعمال، والمستهلكون، والمسئولون عن رسم السياسيات، والباحثون، والعلماء، وتجار التجزئة، ووسائط الإعلام، ووكالات التعاون الإنمائي.
هذا عن الإنتاج.. بينما الاستهلاك يتطلب رفعا لحالة الوعى لدى الجمهور فيما يخص السلع باهظة التكلفة من الكماليات التى يمكن الاستغناء عنها أو التقليل من استهلاكها.
فى تقرير الأمم المتحدة لعام 2021 جاءت بعض الإحصاءات المرتبطة بهذه القضية منها أن كمية الغذاء المستهلكة عالمياً فى كل عام تقدر بنحو 1.3 مليار طن بما تعادل قيمته حوالى تريليون دولار. الأدهى أن ثلث هذه الكمية من الغذاء يتم إلقاؤها فى القمامة من المستهلكين أو من تجار التجزئة .
وقد أشار التقرير إلى أن هناك وسائل حديثة وفرت كثيراً فى الطاقة حول العالم لعل أبرزها استخدام المصابيح الموفرة للطاقة إذ يقول التقرير إن فى حالة تحول الناس فى شتى أنحاء العالم للمصابيح الموفرة، يمكن توفير ما قيمته 120 مليار دولار سنوياً من قيمة الكهرباء.
الابتكار والإبداع
مطلوب تشجيع الاستثمار فى مجال التقنيات الذى بات متغلغلاً فى سائر نواحى الحياة اليوم، كما صار التقدم فى أى مجال رهناً بمدى قدرة الدولة على مواكبة أحدث وسائل التكنولوجيا توفيراً للعمالة وللجهد والوقت والمال.
فمن بين ما هو مطلوب تحقيقه بشكل عاجل وسريع ومتاح فى نفس الوقت .. 1- رفع كفاءة الإنترنت من حيث السرعة وسعة الانتشار. 2- إدخال التقنيات فى المجالات والمؤسسات التى لا تزال تعمل بالطرق التقليدية القديمة العقيمة. 3- الإسراع بوتيرة اللحاق بركب التقدم لاسيما وقد ظهرت وسائل لا نعرف عن مجالات تطبيقاتها شيئا مثل تقنية النانو والروبو والميتافيرس. 4- لو لم يكن تصنيع التكنولوجيا متاحاً فمن الممكن ولوج مجال قطع الغيار وهو مجال متاح ومهم جداً لكافة القطاعات الصناعية الإنتاجية والاستهلاكية. 5 - تفعيل البحث العلمى والابتكارات الموجودة بالفعل فى مخازن مكاتب براءات الاختراع بالآلاف سنوياً دون أن يتم تنفيذ أي منها على أرض الواقع.
وهناك مجالات بات من الضرورى استخدام الطرق الحديثة بها.. لعل من أهمها التشييد والبناء. إذ تتسارع الآن وتيرة بناء المدن على مستوى العالم بحيث بات نصف البشر يعيشون فى المدن والنصف الآخر فى الأرياف والأطراف كالبدو.. المؤسف هو أن نسبة كبيرة من هؤلاء يسكنون فى أحياء عشوائية وتصل هذه النسبة على مستوى العالم إلى نحو 15% من البشر وهى نسبة مرتفعة للغاية، السبب أن مساحة المناطق الحضرية والمدن فى العالم لا تزيد عن 2% من مساحة الكوكب، فالتوسع فى المدن وإدخال المرافق والتشجير والخدمات يتطلب أموالاً وطاقة وتقنيات ووقت.
إن استخدام التكنولوجيا الحديثة على مستوى الدولة يتيح لها حسن استغلال مواردها وإمكاناتها المتاحة ، بالإضافة لإتاحة التدريب الفنى للكوادر المطلوبة بأقل ثمن أو مجانا ، ثم استغلال الطاقات البشرية المدربة مما يتيح فرص عمل متزايدة ويقلل فجوة البطالة.
المناخ والاقتصاد
لابد من الانتباه لعدة مسائل خطيرة، ألح عليها العلماء والباحثون في قمة شرم الشيخ الحالية، فى هذا الصدد:
1- أن العالم اليوم يشهد ما يمكن أن نسميه تحولاً أو انقلاباً مناخياً لا مجرد تغير بسيط عرَضى. ولا يخفى على أحد ما حدث فى أوروبا وأمريكا والصين من موجات جفاف وفيضانات وسيول، وما حدث فى الشمال الإفريقي من حرائق واسعة، وفى الجنوب الإفريقي من تساقط جليد فى غير الموسم وبكميات غير مسبوقة. ثم ما حدث فى جزيرة العرب من تفجر للمياه من باطن الأرض بشكل إعجازى أذهل سائر المراقبين.
2- أننا برغم ما حبانا الله به من تنوع بيئي قلما وُجد فى دولة واحدة، بالإضافة لمركزية الموقع بين ثلاث قارات لكننا لم نستغل بعد مثل هذا التنوع ولا الموقع الاستغلال الأمثل. ما زال فى جعبتنا الكثير.
3- أن الاهتمام بالبيئة لم يعد نوعاً من الرفاهية بل هو من صلب العملية التنموية لأسباب كثيرة يطول شرحها لكن سأضرب مثالاً واحداً نفهم منه المراد، وهو أن البحر المتوسط اليوم يعد من أقذر البحار فى العالم حيث يعج بأطنان هائلة من القمامة البلاستيكية التى تتجمع فيما يشبه الجزر، وبإمكانها إن لم يتم إزالتها أن تبقى لآلاف السنين دون أن تفنى فناءً ذاتياً. وهذا الأمر يؤثر على الأحياء المائية كما يؤثر على البشر تأثيراً متراكما .
4- ارتفاع منسوب مياه البحار طبقاً لأحدث التقارير بلغ الآن حد الخطورة الحقيقية، ولا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بالزمن الذى يتطلبه تآكل الشطآن فى المدن المتاخمة للبحر المتوسط، وهو ما يتطلب تحسباً للأمر قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.
هكذا تصبح عملية التنمية فى هذا المجال مسألة حيوية وضرورية للغاية. وهى من صلب عمل القادة وأصحاب القرار لأن لديهم القدرة على تحريك مختلف الأجهزة المعنية للتنمية فى هذا المجال الحيويى.
اليوم هناك ما يعرف بالاقتصاد الملون.. فالاقتصاد الأخضر هو ما يهتم بتطوير آليات الزراعة وزراعة الغابات والنباتات ذات الأهمية الاستراتيجية كالحبوب والنباتات الطبية والزهور العطرية وغيرها. والاقتصاد الأزرق يهتم بحسن استغلال المسطحات المائية وهى لدينا متوفرة بكثرة ومتنوعة بحار وأنهار وبحيرات وعيون ومنابع ومياه جوفية وأمطار. لكن استغلالها ما زال فى حده الأدنى. ثم الاقتصاد الأصفر ويعنى بالتوسع فى استغلال المساحات الشاسعة من الصحارى غير المأهولة. ونحن لدينا هذه الأنواع الثلاثة وأكثر. لكن يبقى أن نحسن استغلال هذا التنوع الإيكولوجى.
[email protected]