إذا أنعم الله على الإنسان وغرس شجرة المحبة في قلبه، ووهبه الإخلاص في رعايتها، استظل بظلها كلّ من حوله، وطرحت لهم أطيب الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، ولمَ لا؛ فأصلها ثابت وحبها في سويداء القلب.
وعندما نتحدث عن الحب؛ على اعتبار أنه عاطفة نبيلة وشعورٌ سامٍ ترتقي به حياتنا ويجعل لها معنى، ويجعل لوجودنا في هذا العالم قيمة وتميزًا فارقًا، فيظل المرء دائمًا في حاجة إليه، ومن يفهمه ويقدره حق قدره ويوظفه توظيفًا صحيحًا، فقد منح نفسه نبعًا لا ينضب من الطاقة الإيجابية.
ولكن هناك نوعًا آخر من الحب، وهو الحب المدمر؛ فهو يجبرنا على الصمت المستمر، ويدمرنا نفسيًا، وعلى الرغم من أن الحب في جوهره قيمة ثابتة لا تتغير، فإن العيب كل العيب في الإنسان الذي أصبح يعيش في الواقع الافتراضي الذي أصبح هو المتنفس الوحيد له.
لقد تغيرت حقيقة الحب في حاضرنا، وأصبحنا نجد أنفسنا مجرد وسيلة لتحقيق مصالح من يدعي حبنا نفاقًا وخداعًا فنتألم، وقطعًا لا أقصد قضاء حوائج الناس؛ فقضاء حوائج الناس هو أعلى قيمة وأرقى درجات الإيمان.
أصبحنا نعيش في زمن نفتقد فيه الحب الصادق، وأصبحت علاقاتنا تحكمها المصالح، وبمجرد انتهاء المصالح تزول كل المشاعر الزائفة، كادعاء الحب من أجل المصلحة، وتغليفها وإظهار ما لا أساس له لتحقيق نفع شخصي؛ أي أنه حب مرهون بمصلحة وغرض نفسي زائل.
وفي بعض الأحيان؛ أحد الطرفين يتعلق بالآخر، ويظن أنها مشاعر حقيقية، ولكن بعد انقضاء المصلحة يصطدم بالواقع، ويشعر بالإحباط الذي يقوده إلى الحب المدمر.
ويندرج حب المصلحة تحت الحب المدمر؛ الذي يبدو لنا كغمامة عابرة في صيف مشمس، سرعانَ ما تمر ونحترق بلهيب الشمس المحرقة، أو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، ولكن الحب الحقيقي فيه نكران للذات، وهو الأنيس والرفيق الصادق.
ولكن من الإنصاف أن نتطرق هنا إلى أن هناك علاقات إيجابية وحبًا حقيقيًا، يوجد بين فئة قليلة ونادرة؛ ويكون قويًا أصيلًا صلبًا مثل الألماس الذي يصعب خدشه أو كسره.
وإذا تطرقنا إلى علاقات الحب بين الشباب فسنجد العديد من النماذج الكثيرة للحب المدمر؛ التي تستنفد كل الطاقة الإيجابية، وينتج عنها الألم النفسي.
وإذا انتقلنا إلى الحب في العلاقات الزوجية، فقد أصبح للأسف عملة نادرة، وأصبح الجانب المادي مسيطرًا على العلاقات التي أصبحت خالية من المعنى الحقيقي للحب، وكل منهما ينتظر من الآخر أن يقدم له ما يمنحه السعادة، وارتبط الحب بين كلٍ منهما بالمتعة المادية.
ومن أشكال الحب المدمر أيضًا حب التملك والسيطرة والتحكم في الآخر واستنزاف مشاعره، وهو الذي يجعل الإنسان يشعر بأنه فقد احترامه لذاته، وعندما يشعر الإنسان بتدني الذات يبدأ في تدمير نفسه.
الحب في حقيقته مسئولية، وليس مجرد نزهة وقتية؛ إنه يجعلك قادرًا على مواجهة تحديات ومتطلبات الحياة اليومية بنجاح، كما يجعلك قادرًا على مواجهة ذاتك والآخر والعالم أجمع.
وعندما نحب نبدأ بحب الله؛ قال الله تعالى: (قُل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)؛ فحب الله تعالى هو الذي يُنير القلوب، فتشرق البصيرة في قلوبنا، وهي التي تعطينا العقل المفكر الذي يجعلنا نفكر بشكل إيجابي، وتصبح انفعالاتنا ومشاعرنا إيجابية، وبذلك نستطيع أن نصل إلى الحب الإيجابي.
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة