يتردد كثيرًا، مصطلح الاقتصاد الأخضر، ويقرع الآذان، خاصة بالتزامن مع انعقاد فعاليات الدورة 27 من مؤتمر دول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة في الإطار المناخي ( cop27).
وتتطرق مناقشات قمة شرم الشيخ، اليوم حسب جدول الأعمال إلى مرحلة مهمة في المفاوضات والنقاش الجاد، إذ يشهد يوم أطلق عليه يوم التمويل، مناقشات موسعة حول أهم الملفات المطروحة أمام القمة في محاولة لإيجاد رؤية دولية تشارك فيها الدول والمؤسسات ورجال الأعمال والمجتمع المدني لحل أزمة التمويل لمشروعات العمل المناخي.
ويرى خبراء الاقتصاد، أن الأمر يستوجب حث المجتمع الدولي خاصة الدول الصناعية الكبرى بأهمية تحمل المسؤولية الدولية تجاه المساهمة في درأ الخطر القائم من التغيرات المناخية من خلال زيادة المساعدات المالية الموجه للدول النامية، والتي تتطلب ما يزيد على 5% من إجمالى الناتج المتحقق في الدول المتقدمة والذي يمكن تقديره بما يزيد على 4 تريليونات دولار سنويا.
وتتمثل آلية العمل في الاقتصاد الأخضر، في محورين مهمين، الأول منها هو التكيف مع التداعيات القائمة للتغيرات المناخية، وتتضمن صياغة أطر استثمارية تعزز من استخدام التوسع فى الطاقة النظيفة إنتاجًا واستخدامًا.
وأما الاتجاه الثانى فيتمثل فى درء المخاطر المتوقعة من خلال العمل على إحلال المشروعات الخضراء الحالية، وكذا المشروعات المستهدفة لتعمل وفق الضوابط البيئية سواء من ناحية استخدام الموارد الطبيعية المتاحة او الاعتماد على بدائل ذات أثر بيئي أفضل مثل استخدام بدائل البلاستيك وما شابه من المواد ذات الأثر البالغ على البيئة أو الاعتماد على الطاقة النظيفة.
المشروعات الخضراء التي تتبناها مصر
وتصل عدد المشروعات الخضراء المدرجة فى خطة عام 2020/2021 -وفق تقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية نحو 691 مشروعًا بتكلفة بلغت 447.3 مليار جنيه، ومدرج لها اعتمادات بحوالي 36.7 مليار جنيه في خطة عام 20/2021 بهدف خفض إنبعاثات قطاع البترول والغاز الطبيعي وغاز الميثان.
ساهمت التغيرات الجذرية فى مجالات الطاقة والبنية التحتية إلى تحول مصر من حالة عجز فى ميزان الطاقة إلى تحول فائض فى انتاج الكهرباء فضلاً عن التوجه للتصدير للدول المجاورة ذات خطوط الربط أو عبر اتفاقات تعاون ثنائية.
الاقتصاد الأخضر ومسؤوليات الدول المتقدمة والنامية
بداية قال دكتور فرج عبدالله الخبير الاقتصاد بأكاديمية الثقافة والعلوم وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، لعل أبرز تحدي أمام التزام الدول الكبيرة للمضي نحو الاقتصاد الأخضر قدما نحو التنفيذ ، هو اختلال الإسهامات فيما بين الدول سواء المساهمة في التلوث والانبعاث الكربونية أو تحمل تكلفة هذه الأعباء.
"فنجد أن الدول الصناعية الكبرى الثمانية مسئولة عن حجم الانبعاث الحرارية بنسب تتخطى 90% بينما لا تتحمل الأعباء الناتجة عن هذه المسؤولية".
ويضيف الخبير الاقتصادي "أن الدول النامية لا تتخطى مسئوليتها نحو 4% فقط من حجم الانبعاثات الكربونية رغم تعرضها للخطر الأكبر إذ تمثل التبعات البيئية ما يزيد عن 85% من التغيرات المناخية وفى مقدمتها التصحر والجفاف واضطراب حالات الأمطار ، في حين نجد أن التعهدات الدول المتقدمة تجاه حلول الأزمات البيئية الراهنة لا يتخطى 100 مليار لم ينفق منها سوى 80% خلال الفترة من 2009 وحتى 2022.
الدكتور فرج عبدالله
دور الدول الصناعية الكبرى لخفض خطر التغيرات المناخية القائمة
ويقول الدكتور فرج عبدالله الخبير الاقتصادي، أن الأمر يستوجب حث المجتمع الدولي خاصة الدول الصناعية الكبرى بأهمية تحمل المسؤولية الدولية تجاه المساهمة في درأ الخطر القائم من التغيرات المناخية من خلال زيادة المساعدات المالية الموجه للدول النامية ، والتي تتطلب ما يزيد عن 5% من إجمالى الناتج المتحقق في الدول المتقدمة والذي يمكن تقديره بما يزيد عن 4 تريليون دولار سنويا، حتى تتجنب الدول النامية المخاطر الحالية والمتوقعة من التغيرات المناخية، الأمر الذى يضع المناخ خلال السنوات 27 الماضية أمام تحدى بالغ الخطورة فى توقيت عالمي صعب للغاية.
"خاصة أن العالم المتقدم الآن يشهد حالة اضطراب مالي ونقدي عنيفة قد تنذر بمثل ما حدث في نهاية العشرينيات من القرن الماضي (الكساد الكبير) ، وهو الحال الآن مما تعانيه كبري الاقتصاد من حالة ركود تضخمي ومن الممكن أن يدخل النظام النقدي العالمي في أزمة حقيقة نتيجة إفراط الحكومات الخمس القبري في التمويل بالعجز (طباعة النقود) خلال العشر سنوات الماضية لتعزز من حجم الاقتصاد النقدي على حساب الاقتصاد الحقيقي".
جهود مصرية للتوسع في استخدامات الطاقة النظيفة
وقال الخبير الاقتصادي، إن الدولة المصرية بذلت جهدا واسع النطاق فيما يتعلق بالتعامل الحالى والمستقبلي مع التكيف المناخي ، من خلال العمل على التوسع من استخدام الطاقة النظيفة بجانب الاحلال الكلى المتدرج للمواد الصديقة للبيئة من خلال خطة التحول 2030 و 2065 لتصل إلى انبعاثات أقل مما هى عليه الآن ولعل أبرز مثالين على ذلك، تحول شرم الشيخ لتكون أولى مدن العالم الخضراء بالاضافة لاستقطاب كبرى الشركات العاملة فى انتاج الهيدروجين كبديل مناسب للمحروقات التقليدية لتشغيل السفن والطائرات.
وأكد الخبير الاقتصادي على، سعي مصر لخفض انبعاثات البترول والغاز الطبيعي والميثان، على صعيد الجهود المصرية فى إطار التحول الأخضر وما يستلزم لانجاح دور مصر محليا وإقليميا ودولية خلال رئاستها القمة ال 27 لاتفاقية الأمم لمتحدة الإطارية للتغيرات المناخية.
وأوضح أن مصر أعلنت انضمامها لمبادرة التعهد العالمي للميثان في المسار المعني بالبترول والغاز، والذي تسعى من خلاله إلى تعزيز جهودها لخفض انبعاثات قطاع البترول والغاز الطبيعي من غاز الميثان، استنادا إلى الخبرات والتمويل الذي توفره المبادرة وبالتعاون مع الشركاء الدوليين في هذا القطاع.
وكشف أن عدد المشروعات الخضراء المدرجة فى خطة عام 2020/2021 -وفق تقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية- نحو 691 مشروعًا بتكلفة بلغت 447.3 مليار جنيه، ومدرج لها اعتمادات بحوالي 36.7 مليار جنيه في خطة عام 20/2021.
وعليه تُشكل نسبة الاستثمارات العامة المدرجة للمشروعات الخضراء حوالي 15% من إجمالي الاستثمارات العامة الموزعة المدرجة في الخطة، فضلا عن جهود الدولة فى العمل على تخصيص 50% من مشروعاتها لتكون مشروعات خضراء خلال الثلاث سنوات القادمة.
كما ساهمت التغيرات الجذرية فى مجالات الطاقة والبنية التحتية إلى تحول مصر من حالة عجز فى ميزان الطاقة إلى تحول فائض فى انتاج الكهرباء فضلاً عن التوجه للتصدير للدول المجاورة ذات خطوط الربط أو عبر اتفاقات تعاون ثنائي.
ضرورة حث الدول المشاركة نحو التحول لبدائل طاقة نظيفة والتخلى عن استخدام الفحم
تحولت أسواق الطاقة العالمية جراء الأزمة الروسية الأوكرانية نحو مزيد من حالة عدم الاستقرار ، تصاحبها حالة من عدم اليقين، الأمر الذي دفع العديد من الدول غلى تنويع مصادر إمداد الطاقة من جهة وتنويع مصادر توليدها من جهة أخرى.
بالنسبة لتنويع مصادر إمدادها فى الأجل القصير يأتي غاز شرق المتوسط فى الصدارة حيث أن مصر هى رئيس منتدى غاز شرق المتوسط بعد مجهودات كبيرة بذلت فى هذا الاتجاه بدأت بترسيم الحدود فى 2014 مع دول الجوار ثم إنهاء ملفات مستحقات الشركات العالمية العاملة فى البحث والتنقيب عن البيترول والغاز وانتهت بتدشين غاز شرق المتوسط فى 2018.
.قدرة مصر على التأثير فى محيطها العربي وعمقها الاستراتيجيى فى أفريقيا
أطلقت مصر مؤخراً استراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، والتي ستتضمن أهدافاً كمية محددة وطموحة في عدد من القطاعات الرئيسية، لتعكس الجهود التي قامت وتقوم بها مصر لتحقيق تحول عادل إلى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة على نحو يسمح لها بأن تكون مركزاً للطاقة في منطقتها.
كما ستوضح هذه المساهمات المسئوليات التي تضطلع بها مصر لتجنيب الآثار السلبية لتغير المناخ وبناء قدرات على تحملها والتكيف معها، خاصة في ظل أزمات عالمية متعاقبة لها انعكاساتها على أسعار الطاقة والغذاء، وهوما يستلزم حشد الجهود الاقليمية والإفريقة خاصة فى المطالبة بتمويلات منعدمة التكلفة وتحول الجزء الكبر من مديونيات هذه الدول إلى استثمارات طويلة الاجل حتى تتمكن من استعادة التكيف بشكل كام مع التغيرات المناخية.
خطوات مصر نحو التحول للاقتصاد الأخضر
التوسع فى مشروعات الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه، من خلال تحالف بين صندوق مصر السيادي وشركات أوراسكوم كونستراكشون وسكاتك النرويجية وفيرتيجلوب المنتجة للأمونيا، لانشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميجاوات في العين السخنة ليدخل الخدمة فى عام 2024.
زيادة التمويل الدولي للمشروعات الخضراء والتحول إلى النقل النظيف، وبات من المتوقع عقد صفقات ثنائية ومتعددة الأطراف فى مجال تجميع السيارات والأتوبيسات واستبدالها بالمركبات الكهربائية، ومن أبرز مصادر التمويل صندوق بلاك روك الجديد للبنية التحتية والذي تبلغ قيمته 673 مليون دولار، وقد يصل التمويل إلى مليار يورو من الاتحاد الأوروبي بحلول 2028 ويرتكز على الأمن المائي، كما أن أليانز جلوبال إنفستورز وبنك الاستثمار الأوروبي قاما بتأسيس صندوق استثماري يركز على المناخ في الأسواق الناشئة بقيمة 500 مليون يورو، بالإضافة إلى السندات الحوكمية البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وسندات التنمية المستدامة فى هذه الدول وفى مقدمتها
صياغة إطار ملائم جديد
تستهدف مصر طرح أطر تعاونية وتشاركية أمام المجتمع الدولى خاصة الاقتصادات الناشئة لتقليل حدة الآثار الاقتصادية الناجمة عن التحديات الدولية الراهنة ولعل أهمها التغيرات المناخية وكذا التوترات الجيوسياسية، ومن الممكن أن تتطرق الجلسات إلى أزمة الديون والتى قد تعصف بعدد من الاقتصادات الناشئة على أثر التغيرات المناخية من جهة والتوترات الجيوسياسية من جهة أخرى.
وربما يكون الحل في إنشاء صندوق سيادي دولى يعتمد فلسفة تأسيسه على التوزيع العادل لتكلفة التلوث على الدول المتقدمة وتستفيد الدول النامية بقدر ما وقع من ضرر فعلى أو ضرر متوقع وتأتى فى صورة حزم تمويلية أحادية الجانب غير مستردة وصور تمويل أخرى تتمثل فى تحويل الديون الخارجية لاستثمارات طويلة الأجل منخفضة التكلفة أو منعدمة الأعباء.
الهيدروجين الأخضر