Close ad

العرب.. وطائر العنقاء

9-11-2022 | 11:28
الأهرام العربي نقلاً عن

الجِرار العتيقة لا تصلح للنبيذ الجديد، وبهذا القياس، فإن النظام الدولى صار عتيقا جدا، لم تعد جدرانه قادرة على صد الموجات العاتية من المتغيرات العنيفة، ولم تعد صالحة للترميم.

الحرب الباردة تحولت إلى ساخنة، الذكاء الاصطناعى فاق خيال البشر، الفيروسات شكلت عالما جديدا، وخلقت أنماطا حياتية غير مسبوقة.

وقياس الكساد العظيم فى الثلاثينيات من القرن العشرين على الأزمة المالية العالمية فى مطلع الألفية الثالثة ليس بدقيق تماما، وكذلك الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة لا تشبه غيرها من الضربات المفاجئة التى أصابت النظام الدولى المستمر منذ 500 عام.

الطاقة التقليدية من نفط وغاز باتت عبئا، فبدلا من المساعدة فى التحديث تحولت إلى أسلحة، تستخدم فى الصراع بين القوى الكبرى والصغرى، أما الاقتصاد المالى فتصلبت شرايينه، ووصلت إلى الانسداد الكامل.

هذا وصف ظاهرى للأزمة العالمية الحالية، ولا يوجد مجتمع فى مأمن من ضرباتها المتلاحقة، وكما أنها تكشف عن محنة إنسانية من جانب، فإنها تكشف عن جوهر جديد فى إعادة ترتيب القوى العالمية بسياق عادل، لا توجد فيه قوى عظمى وقوى صغرى، ولا توجد فيه قوى تسيطر على أخرى، أو تتلاعب بشعوبها، كما جرى خلال المائة العام الأخيرة.

التشاؤم فخ، وكذلك التفاؤل المفرط فخ، وإن كنت أحسب نفسى دائما على حزب المتفائلين، أو الذين يرون ضوءا فى آخر النفق، فإيمانى قاطع، بمقدرة بلادى على صناعة حدث جديد، والإسهام فى ترتيب أوراق العالم، كطائر العنقاء الذى يقوم من بين الرماد، ويحلق فى السماوات مرة أخرى.

سبق أن كتبت عن العرب ككتلة حرجة فى النظام المرتقب، وسبق أن كتبت عن إعادة توزيع القوى العالمية فى النظام المرتقب دون شك، وسبق أن تحدثت عن المسألة الأوكرانية كمسألة موروثة من زمن الحرب الباردة، وأنها ستكون آخر المواريث بين الشرق والغرب، وأنها كانت ستقع حتما، وستنتهى كما بدأت دون إزاحة قوة غربية على حساب شرقية، أو شرقية على حساب تلك الغربية.

ولا شك أن الصدام الحالى سينتهى قريبا دون أن يحسمه طرف على حساب الآخر، وإن كان أحد الأطراف يعتقد بأنه سينجح فى النصر، معتمدا على معارك سابقة، خرج منها منتصرا دون لبس، لكن الواقع وحركة التاريخ الآن ينسفان فكرة القطب الأحادي، القديم، والقطب الطامح الجديد، فلا أحد ستكون له اليد الطولى على المسرح الدولي.

لكن من يملك المعلومة الحقيقية سيكون له دور، بينما الذى سيشاهد تغيرات العالم دون تحرك شجاع، سوف يخرج من الجغرافيا والتاريخ، ونحن العرب فى لحظة نادرة، كثيرا ما أشرت إليها فى مقالات سابقة، بأننا أمام فرصة تاريخية، نستطيع من خلالها أن نكون الكتلة الحرجة فى نظام دولى مرتقب، وأن تكون مصر هى الإقليم الصلب، ونواة، هذه الكتلة.

فى هذا السياق المتغير، سياق الذكاء الاصطناعي، وتغيير مفاهيم القوة، والاندفاع إلى بحر الثورة الصناعية الرابعة،  يسجل التاريخ مفصلا من مفاصل البشرية الهائلة، تختلف فيه ملامح الأفكار والفلسفات الاقتصادية وأدوات الإنتاج، وتموت معه كل فلسفات السياسة الأممية التى سادت عبر المنظمات الدولية.

وللمرة المائة، أمامنا فرصة سانحة، ونادرة، والتقدم إليها الآن قبل الغد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة