تعد أزمة المناخ من أكبر التحديات العالمية الملحمية في تاريخ البشرية في الوقت الحالي، إذ إنها تعد قضية بيئية عالمية تتطلب تغييرًا واسع النطاق في السياسات وتغييرًا مجتمعيًا منسقًا لجميع قطاعات النظام الاجتماعي والاقتصادي الحالي تقريبًا، من أجل التخفيف من هذه الظاهرة والتكيف معها.
موضوعات مقترحة
ويشكل مؤتمر تغير المناخ "كوب 27" الذي انطلقت فعالياته، في شرم الشيخ، في السادس من نوفمبر الحالي، بمشاركة زعماء العالم، ونحو 40 ألف مشارك من 196 دولة، بارقة أمل على صعيد تعبئة العمل الدولي نحو تحويل الوعود إلى تنفيذ فعلي على أرض الواقع، والوصول إلى توافق دولي لمواجهة الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، وفي مقدمتها التداعيات المتوقعة على اقتصاديات العالم خاصة الدول النامية منه.
تداعيات تغير المناخ على اقتصاد الدول النامية
بالرغم من أن الدول الغنية كان لها دور بارز في حدوث التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، إلا أن الدول النامية هي التي تتحمل معظم آثاره وتداعياته، والتي تؤثر على الأنظمة البيولوجية، وتهدد الأمن الغذائي، مما يمثل خطورة على كل من الزراعة والبشر، وتهدد العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية في جميع أنحاء العالم.
فكل الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، متصلة في الأصل بالبيئة، كما تؤكد العديد من الدراسات أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشري في المجالات المختلفة لاستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حراري عالمي غير مسبوق أثرت على كوكب الأرض.
تشير تقارير البنك الدولي، إلى أن درجة حرارة الأرض قد ترتفع 4 درجات مئوية في نهاية القرن الحالي، الأمر الذي ستنتج عنه آثار مدمرة على الزراعة والموارد المائية وصحة البشر، وسيكون الفقراء أشد المتضررين من هذه الآثار، التي لن تستثنى أيا من مناطق العالم.
آثار التغيرات المناخية على الاقتصاد العالمي
وتؤكد هذه التقارير أنه إذا ارتفعت حرارة العالم درجتين مئويتين فقط، وهذا متوقع في العقود الثلاثة المقبلة، فقد نشهد نقصاً في الأغذية على نطاق واسع، وموجات حرارة غير مسبوقة، وعواصف أكثر شدة، أما الوجه الأكثر قسوة للتغيرات المناخية انعكاساتها السلبية على المصالح الاقتصادية، والخلل الخطير في توزيع الموارد داخل الدول وفيما بينها.
واستمرار معدل ارتفاع حرارة الأرض كما هو يتسبب في خسائر تقدر ما بين 5% و20% من إجمالي الناتج القومي العالمي، وهي خسائر أكبر من التي تسببت فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية، إضافة إلى تلك التي ترتبت على مرحلة الكساد الاقتصادي الكبير في القرن العشرين.
آثار التغير المناخي على الاقتصاد
وحذر محافظ بنك إنجلترا المركزي، مارك كارني، في أكتوبر 2015 في خطاب مطول، من آثار التغير المناخي على الاقتصاد والاستقرار المالي العالمي، وحض خبراء الاقتصاد على التحرك في شكل سريع لمحاولة احتواء الضرر الاقتصادي.
الأرجح أن ثمة تداعيات للتغيير المناخي المحتمل على اقتصاديات الدول، أولها الانعكاس السلبي لظاهرة الاحتباس الحراري على الشرايين الحيوية للاقتصاد العالمي والناتجة عن استغلال مفرط للموارد الطبيعية، في قطاعات الزراعة والصناعة والتشييد، مما أدى في نهاية المطاف إلى التأثير السلبي على النظام المالي العالمي بأكمله.
وثانيهما كبح عمليات النمو الاقتصادي، إذ يقدَّر صندوق النقد الدولي أن مقابل ارتفاع درجة حرارة الأرض 3 درجات مئوية ينخفض معدل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 2%.
وعلى المدى الطويل، يُتوقع أن يضعف التغير المناخي النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة الأضرار المترتبة على قطاعات اقتصادية حيوية مثل الزراعة، والأضرار في الممتلكات والبنى التحتية، وارتفاع تكاليف التأمين، وضعف الإنتاجية، والتهجير.
تكلفة إجراءات تكيف الدول النامية مع تغيرات المناخ 300 مليار دولار عام 2030
تأثيرات ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها الاقتصادية الاجتماعية تعد من أبرز الأسباب التي تحول دون استفادة الشعوب والدول النامية من جهود التنمية، خصوصًا مع زيادة التحديات في ظل التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وفي تقرير أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول جهود التكيف مع التغيرات المكانية من أن تكلفة إجراءات التكيف في أي بلدان من البلدان النامية تقدر بنحو سبعين مليار دولار سنويًا، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 مليار دولار عام 2030، و 500 مليار دولار في عام 2050.
مسئولية العالم للعبور من أزمة المناخ
الدكتور علي عبد الروؤف الإدريسي، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن أزمة المناخ مسئولية مشتركة على العالم كله، ولابد من التعاون لتقليل حجم الانبعاثات الكربونية والعمل على التحرك نحو قضية تغير المناخ، بمساندة الدول المتقدمة للدول النامية، بتوفير مخصصات مالية للتعامل مع القضية.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن النسبة الأكبر من الانبعاثات الكربونية، هو ناتج من الدول الصناعية الكبرى وبالتالي الدول النامية تحملت عبء ما تم إنتاجه وتصديره للعالم من الانبعاثات من الدول الصناعية المسئولة عن ذلك، سواء كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الصين.
تحديات الدول النامية
وجاءت قضية التغيرات المناخية، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول النامية من أزمات الغذاء وتقلبات أسعار صرف عملتها، وتحديات في عجز الموازنات الخاصة بها، ولكي تتحرك بقوة تجاه تغير المناخ، يقول "الإدريسي"، أنه لابد أن يكون هناك مساندة بشكل كبير من المؤسسات الدولية والدول المتقدمة للدول النامية.
وضع الدول النامية في مأزق
وكانت الدول الكبرى قد وعدت بتقديم مخططات مالية للدول النامية وصلت لحوالي 100 مليار دولار من 2009، ولكن لم تفي بالوعد حتى وقتنا هذا، مما وضع الدول النامية في مأزق كبير في ظل المشاكل الاقتصادية التي تواجهها، فلا يوجد معها سيولة للسيطرة على ظاهرة التغير المناخي، والذي سيؤثر بدوره على العالم كله، لأن التدهور الاقتصادي الذي يشهده العالم حاليا مرتبط بالتدهور البيئي، لذلك لابد من التعامل بجدية مع تغيرات المناخ.
وتتحمل الدول الكبرى 70% من تكلفة علاج المناخ، حيث يؤكد الدكتور مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي، أن أمريكا وعدت من قبل بتكلفة 100 مليار دولار، ولم تف بوعدها لمواجهة التغيرات المناخية، وإن لم يقر المجتمع الدولي والأمم المتحدة ميثاقا لخفض الانبعاثات، سيتأثر العالم بشكل كبير من مخاطر تغير المناخ، الذي يمثل حربا نقضي بها على أنفسنا.
ويفيد الخبير الاقتصادي، إلى أن الأحاديث الإعلامية الرنانة للمجتمع الدولي، تشير إلى أنهم سيدفعون تكلفة مخاطر التغيرات المناخية للدول النامية، ولكن عند التنفيذ على أرض الواقع لا نجدهم مطلقا، لذلك هذا التهرب الضميري يمكنه أن يقضي علينا.
ويؤكد، أن دول العالم الكبرى لم تتحدث بضمير عن الكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدول النامية من جراء التغيرات المناخية، وهناك من يعيش بمبدأ الاستغلال ولم يعمل أبدا للمستقبل، وهذه طامة كبرى"، مشيرا إلى خطورة تجاهل أفريقيا التي تواجه تحديات كبيرة، "يجب أن نتحد للحفاظ على النظام العالمي.
مؤتمر المناخ طوق النجاة للدول النامية
ويأمل خبراء الاقتصاد، من مؤتمر المناخ "كوب 27" الذي يعقد على أرض مصر حاليا، بأن يستطيع الخروج بتوصيات لها جدول زمني محدد لتنفيذها على أرض الواقع بشكل ملموس وسريع، لأن أهم رسالة من مؤتمر المناخ، هو كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه مستقبلا.