بعد استعدادات وتحضير على مدار شهور طويلة، أخيرًا انطلقت فعاليات مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ فى دورته الـ27، بشرم الشيخ، في الوقت الذي يواجه فيه العالم كله تهديدًا مباشرًا وغير مباشر جراء الانعكاسات الخطيرة والناجمة عن التغير المناخى، من ارتفاع درجات الحرارة والحرائق والفيضانات والجفاف، وذوبان الجليد، والعديد من التغيرات التي تجتاح جميع قارات العالم، ويكون الفقراء أكثر من يدفع ثمنها وتتضاعف معاناتهم، مما ترتب عليه ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة عاجلة لمواجهة هذه التأثيرات السلبية الخطيرة، كما تنطلق فعاليات cop27 والتي حصلت مصر على حق استضافتها باعتبارها الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في الاستضافة العام الماضي، وبالفعل حانت اللحظات الحاسمة بمدينة السلام شرم الشيخ وهي أكبر حدث عالمي يجتمع فيه رؤساء وقادة الدول من جميع أنحاء العالم، ووسط متغيرات على مستويات أخرى منها تلك المناوشات المستمر لجائحة كورونا التي لم تنته بعد، وكذا تداعيات الأزمات العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد الخلافات السياسية بين عدد من القوى الفاعلة على الساحة الدولية.
وهنا لابد من رصد أهمية المؤتمر من واقع النظر إلى مصر كبلد محوري فاعل في منطقته والعالم كله، خصوصًا في ظل هذا التوجه الجاد وما قطعته من أشواط خلال السنوات القليلة الماضية نحو تحقيق الريادة والمنافسة والتواجد البارز حيال القضايا الكبرى من مواجهة الإرهاب والجوائح واتخاذ المواقف التي تحقق مصالحها ومصالح المنطقة في الصراعات المختلفة، وسط استمرار مسيرتها البناءة في التنمية لتكون نموذجًا رائدًا لبلد حضاري يتطلع إلى المستقبل بصورة إيجابية، حيث إن قمة المناخ التي يحضرها الرئيس السيسي تأتي بمشاركة أكبر عدد من قادة العالم ورؤساء الدول والحكومات وكبار المسئولين وممثلي المؤسسات الدولية والإقليمية، وتركز مناقشاتها على إنقاذ كوكب الأرض من تغيرات المناخ، لتكون بارقة أمل على صعيد حث العمل الدولي تجاه تحويل الوعود إلى تنفيذ فعلى على أرض الواقع، وصولًا إلى توافق عالمي لمواجهة الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، ومنها التصحر والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات وغرق عدد من المناطق الساحلية جراء ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات والأزمات الغذائية والصحية والهجرة غير الشرعية، وغياب الاستقرار ونشوب الصراعات المسلحة، التي قد تودي بحياة مئات الآلاف من البشر على كوكب الأرض، إذ ستنتج أزمات مالية وتتفشى الأمراض الجديدة.
وتشير الدراسات والتقارير العالمية إلى أنه بحلول عام 2070، ستؤثر درجات الحرارة على مناحي الحياة وتؤكد احتمالية نشوب الصراعات للبقاء على قيد الحياة، وسوف يؤدي الطقس الأكثر تطرفًا أيضًا إلى خلق ظروف لانتشار الأوبئة والأمراض الجديدة، ومن هنا دائمًا ما يركز الخطاب الخارجي للدولة المصرية في مختلف المحافل والمنتديات الدولية على المسئولية المشتركة لدول العالم في إنقاذ كوكب الأرض من المخاطر الطبيعية التي تحيط به، فضلًا عن المطالبة بالحد من ممارسات الدول الكبرى المتقدمة التي تضر بصحة البشر ووضع الطبيعة من الانبعاثات؛ لأن أزمة التغيرات المناخية من أخطر الأزمات التي يواجهها الإنسان منذ خلقه الله واستخلفه في الأرض، وبالتالي فإن مهمة إنقاذ الأرض ـ لا شك ـ مسئولية دولية تقع على عاتق العالم كله، خصوصًا وأن هناك دولًا كان لها دور كبير جدًا في تلويث الكوكب من خلال الغازات الدفيئة والحبيسة وثاني أكسيد الكربون، وإذا تذكرنا كلمة الرئيس السيسي في إطار مشاركته بأعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في مدينة جلاسجو الاسكتلندية، يمكن استيعاب هذه الدعوة المخلصة للعالم أجمع للانتباه لما يتعرض له من مخاطر، وقد استعرض وقتها بشكل واضح أبعاد الأزمة وسبل حلها، إذ أنها تمثل تحديًا كبيرًا للدول الفقيرة، خصوصًا الدول الإفريقية التي سوف تواجه الكثير من المصاعب في هذا الصدد، حيث تدفع إفريقيا الثمن الأكبر لطموحات الدول الصناعية الأكثر تضررًا من الانبعاثات وآثار التغير المناخى، رغم أنها الأقل مساهمة فى مسبباتها، إذ إن 20 دولة صناعية تتسبب فى 80% من الانبعاثات، بينما 48 دولة إفريقية تساهم بنحو 0.5% من الانبعاثات، الأمر الذي يؤكد ضرورة ملحة لرؤية شاملة لدعم الدول الإفريقية فى هذا المجال، كما تتأكد ضرورة بث الوعي المجتمعي لدى شعوب العالم أجمع، في وقف السلوكيات الضارة تجاه البيئة والوعي التام بقدر المخاطر والكوارث التي سوف تنجم من استمرار تلك السلوكيات، وليكن عبر حملات توعية مستمرة ومن خلال فئات الشباب والأطفال والعاملين في جميع المجالات وفي العملية التعليمية، وصولًا إلى هذا القدر من الوعي بخطورة هذه القضية الملحة.
وقد اتخذت مصر سلسلة من الإجراءات في سياق استخدام الطاقة النظيفة والتحول الأخضر، على الرغم من أن نسبة الانبعاثات الضارة لم تتجاوز الحد الذي يمثل خطرًا على البيئة مثل ما تؤثر الدول الصناعية الكبرى، وشهد ملف تغير المناخ في مصر اهتمامًا متصاعدًا وقد تنامى على جميع المستويات ليكون المجلس الوطني لتغير المناخ برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية، وبرئاسة وزارة البيئة، وكانت الإجراءات في ذلك جادة ومضت مصر قدما في ترشيد الطاقة واستخدام وسائل حديثة من بينها القطارات الكهربائية والسيارات ووسائل النقل الحديثة والتوسع في مصادر الطاقة النظيفة، والتوسع في الرقعة الخضراء، وكذا التوسع في بناء المدن الجديدة للحد من ظاهرة التلوث الناتج عن التزاحم.