يقام مجمع المصانع فى منطقة البرلس بمحافظة كفر الشيخ على مساحة 80 فدانا بتكلفة نحو 203.3 مليون دولار
موضوعات مقترحة
الاحتياطى الجيولوجى فى مصر يصل إلى 1.3 مليار متر مكعب قابلة للزيادة وموزعة على 11 موقعا
«ثروة مصرية مهدرة منذ 80 سنة»، هكذا وصف الرئيس عبد الفتاح السيسى الرمال السوداء، حيث توجهت الدولة إلى استغلالها بالشكل الأمثل، وإدخالها فى العديد من الصناعات المهمة، من خلال افتتاح أول مجمع مصانع للرمال السوداء فى منطقة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، والذى يعد الأحدث من نوعه على مستوى العالم، ويمثل إضافة جديدة لسلسلة المشروعات القومية الكبرى، التى تهدف إلى تعظيم الاستفادة من موارد مصر الطبيعية، مما يفتح الآفاق لاستثمارات جديدة تدعم الاقتصاد الوطنى وعملية التنمية الشاملة، وتعزز من مشروعات الاقتصاد الأخضر لمصر.
الرمال السوداء هى رواسب شاطئية تأتى من منابع النيل. تكتسب أهمية اقتصادية، حيث تدخل فى صناعات إستراتيجية مهمة، وأطلق عليها هذا الاسم لاحتوائها على نسبة عالية من المعادن، ذات اللون القاتم الأسود مثل الإلمنيت والماجنتيت. وتوجد رواسب الرمال السوداء فى مصر بكميات اقتصادية كبيرة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وتنتشر بطول الساحل من أبى قير بالإسكندرية وحتى رفح بطول نحو 400 كم، كما توجد فى مناطق أخرى فى جنوب منطقة برنيس وبحيرة ناصر.
ولدى مصر 11 موقعا تنتشر بها الرمال السوداء، بحسب تقديرات هيئة المواد النووية المصرية، ومن أبرز المعادن الموجودة فى الرمال السوداء معادن الإلمنيت، الزركون، الماجنتيت، الروتيل، الجارنت، بالإضافة إلى المونازيت والذى يحتوى على مواد مشعة، وتعمل الدول على استخلاص تلك المعادن من الرمال السوداء لاستغلالها اقتصاديا، وفى الوقت نفسه تطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة بالبيئة.
بدأت مصر فى استغلال الرمال السوداء منذ نحو 90 عاما، وكان ذلك فى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضى، على يد مجموعة من الأشخاص اليونانيين، لكن فصل معادنها كان يجرى بطريقة بدائية، ثم أنشئت شركة الرمال السوداء المصرية، ومقرها الإسكندرية فى الأربعينيات واستمرت فى العمل حتى تأميمها فى 1961، وتعثرت فيما بعد وتوقفت الشركة.
وطوال السنوات الماضية، استمرت محاولات استغلال الرمال السوداء فى مصر، وتحديدا فى منطقة البرلس، التى تمتلك أكبر تركيز للمعادن الاقتصادية.
وبعد تولى الرئيس السيسى أعاد الاهتمام بهذا الملف، حيث تم تأسيس أول شركة مصرية للتعدين، وهى الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس بالمدينة كفر الشيخ، كإحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية فى شهر فبراير 2016، برأس مال مصدر قدره 500 مليون جنيه، و تمت زيادته ليصبح 4 مليارات جنيه، بمشاركة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية 61 %، وهيئة المواد النووية 15%، وبنك الاستثمار القومى 12 %، ومحافظة كفر الشيخ 10 %، الشركة المصرية للثروة التعدينية 2 %. والغرض من إنشاء الشركة، هو سرعة تغطية معظم مناطق الرمال، خصوصا منطقة غليون بما يسمح بالحصول على أعلى عائد اقتصادى.
وتم تنفيذ المشروع على مساحة 80 فدانا، حيث يضم مجمع الرمال السوداء الجديد فى البرلس 6 مصانع لفصل المعادن، من ركاز الرمال السوداء، وقد بدأت المرحلة الأولى للتعدين من كثبان البرلس الممتدة على الشريط الساحلى بطول 16 كيلومترا، بإجمالى 3500 فدان.
وتشير التقديرات، إلى أن الاحتياطى الجيولوجى من الرمال السوداء فى مصر، يصل إلى نحو 1.3 مليار متر مكعب تنتشر فى مناطق رشيد فى البحيرة ودمياط وبلطيم فى البرلس بكفر الشيخ، والعريش فى شمال سيناء، فيما يصل متوسط تركيز المعادن الثقيلة فيها نحو 65 %، ليعد بذلك أكبر احتياطى على مستوى العالم.
وتحتوى الرمال السوداء فى مصر، على نحو ثمانية أنواع من المعادن الثقيلة تتراوح نسبتها فى تكوين هذه الرمال ما بين 1 - 8 %، وتصل إلى أكثر من 80 % فى منطقة البرلس فى محافظة كفر الشيخ، وهو أعلى تركيز لهذه المعادن فى الرمال السوداء.
تبلغ التكلفة الاستثمارية لمشروع مجمع الرمال السوداء، نحو 4 مليارات جنيه، بما يعادل 203.3 مليون دولار، شاملة الأعمال الهندسية والإنشائية والمعدات الخاصة، والمساهمة فى تصميم المشروع الذى وفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل، وفقاً لما صرح به المهندس حسن علام الرئيس التنفيذى لشركة حسن علام القابضة، المنفذة للمشروع.
ويشير حسن بخيت، وكيل وزارة البترول للثروة المعدنية الأسبق، إلى أهمية مصانع مجمع الرمال السوداء، والذى سيخلق فرصا للتصنيع وتصدير المعادن خارجيا، ومن ثم زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبى، ويأتى افتتاح المشروع استجابة لتكليفات الرئيس، بتعظيم القيمة المضافة للمعادن الاقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء فى مصر، والذى اعتبر فى حديثه نهاية العام الماضى، أن المعادن المستخرجة ستحقق للبلاد أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية.
ويقول الدكتور حامد ميرة، رئيس هيئة المواد النووية، إن مشروع الرمال السوداء له أبعاد قومية اقتصادية كبيرة مهمة كثيرة، حيث يصل سعر الطن منها إلى 3200 دولار، وإن مصر من الدول التى تعد على أصابع اليد فى العالم المالكة لخام الرمال السوداء، وفق المناطق التى جرى اكتشافها حتى الآن، مع قابلية زيادة الاحتياطى حال اكتشاف مناطق أخرى، وأن كل معدن يستخرج من الرمال السوداء، يستخدم فى طيف واسع من التطبيقات الصناعية، ولها أهمية إستراتيجية، لأنها تدخل فى كثير من الصناعات التكنولوجية الدقيقة.
ويؤكد الدكتور أحمد عبد الكريم، أستاذ مساعد بهيئة المواد النووية وعضو اللجنة العلمية فى الشركة المصرية للرمال السوداء، على أهمية دخول مصر مجال هذه الصناعة الحديثة، فى هذا الوقت، حيث إن الرمال السوداء تدخل فى إنتاج 49 صناعة، وسيوفر الكثير من المواد الخام، وسيسهم فى تصدير الفائض، بعد توفير احتياجات السوق المصرى من الصناعات، خصوصا فى ظل الأزمات الصناعية التى يعيشها العالم حاليا، وسيسهم فى جذب الاستثمارات العالمية. ويشير عبد الكريم، إلى أن مصر تحلم بأن تكون منطقة البرلس، أكبر مكان للخامات العالمية والصناعات، مما يمكنها من إبرام اتفاقات مع الدول العالمية من أجل الاستثمار على الأراضى المصرية فى هذه الصناعات المتطورة.
ويقول الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادى: إن الرمال السوداء ثروة قومية موجودة منذ القدم، والدولة حاليا حريصة على الاستفادة من كل حبة رمل على أرضها، واكتشاف ثرواتها، وبهذا المشروع الذى يتكلف 4 مليارات، يوفر مكونات صناعية مهمة مثل صناعة أجسام الطائرات والصواريخ والغواصات والبويات والورق، وصناعات أخرى مثل السيراميك، والأدوات الصحية والزجاج وأوراق الصنفرة والهواتف الذكية.
مشيرا إلى أن إنتاج هذا المصنع، واستغلال الرمال السوداء فى مصر، يعطى ميزة تنافسية لمن يريد الاستثمار فى مصر.
وأوضح بحث أعده أستاذ الجغرافيا، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة كفر الشيخ، الدكتور عبدالله علام، عن الرمال السوداء فى مصر أن الكمية التى من المتوقع استخلاص المعادن منها، تقدر بنحو 300 مليون طن من منطقة البرلس فقط، وأن متوسط التركيز فيها يبلغ 3.5 % من العناصر المعدنية الثقيلة، والتى من المتوقع أن تحقق عائدا اقتصاديا قد يصل إلى أكثر من 300 مليار جنيه.
ويرى النائب عيد حماد، عضو لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، أن افتتاح مصنع الرمال السوداء، يأتى تأكيدا على جدية الدولة فى دعم الصناعة الوطنية، وفتح مزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة من أجل تحقيق تقدم ملموس، يشعر به المواطن فى كل القطاعات بالدول، وأن الدولة المصرية أصبحت لا تتوانى فى استغلال ثرواتها بالشكل الأمثل، وبالطريقة التى تدر عائدا قويا لها ولمواطنيها، وهو ما نراه جليا فى افتتاح هذا المشروع، مشيدا بالإرادة السياسية الحقيقية التى أدت إلى بدئه للاستفادة منه, فى ظل التحديات الراهنة، والظروف الصعبة التى يعيشها العالم تحتاج إلى مثل هذه الإرادة، من أجل دعم اقتصاد البلاد ودفع عجلة التنمية.
وعن دعم مصانع الرمال السوداء لملف الاستثمار، قال عضو لجنة الطاقة والبيئة: إنه سيسهم بشكل قوى فى جذب المستثمرين، لافتا النظر إلى أن مخزون الرمال السوداء ليس بقليل، بل قيمته تتخطى المليارات، وهو ما يسهم فى ضخ عائد قوى يدفع عجلة الإنتاج ويدعم اقتصاد الدولة.
من جانبه يقول اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ: إن المشروع بوضعه الحالى يوفر نحو 5 آلاف فرصة عمل مباشرة، وغير مباشرة لأهالى المحافظة، بنسبة تزيد على 85 % من نسبة العمالة التى يجرى تشغيلها، ما يوفر عملا لخريجى جامعة كفر الشيخ من المهندسين، بالإضافة إلى خريجى التعليم الفنى، حيث أنشئ قسم تعدين لتشغيل خريجيه، مؤكدا أن المشروع سيحقق زخما اقتصاديا سيعود على الاقتصاد المصرى، وسيشارك فى صناعة مواد، كنا نستوردها من الخارج بأموال ضخمة، واصفا هذا المشروع ببترول جديد للدولة.