الاختبار عالمى وإقليمى.. والاختيار للموقف والإرادة.
نحن المصريين حجر زاوية الإقليم، وقاعدته الصلبة، ورئتاه الواسعتان، ثم إننا محور الجغرافيا، ومسار التاريخ، بين القوة العالمية القديمة والجديدة.
شاء من شاء، وأبى من أبى، فنحن أمة متكاملة بالواقع، صمدت أمام موجات متلاطمة على مدى ألفين وخمسمائة عام، موجات غزو متلاحقة، مختلفة الثقافات والأجناس، راحت تحاول تغيير المكان، والمكانة، والهوية الأصلية، نجحت قليلا، وفشلت كثيرا.
ذروة تلك الموجات كانت فيما يسمى «الربيع العربى»، وهو مصطلح غربى مبنى ومعنى ودوراً، ولا يزال الإقليم يعاني تبعاته الصعبة.
كادت مصر أن تكون قريبة مما أراده أصحاب هذا الربيع، عام 2011، لولا أنها استعانت بذخيرتها الحضارية الكامنة فى الأعماق، فتم لها ما أرادت، وخرجت من قلب الأمواج الهادرة تلك إلى الشاطئ.
هذا بالطبع، لا يلبى رغبات أصحاب تلك الموجات، سواء كانوا من خارج أم من داخل الإقليم، لذلك نراهم يستعينون ببعض المعارك الصغيرة فى أوقات متقاربة، بهدف انحراف الأبصار عن جوهر مصر المستقلة المرادة.
إن 25 قرنا من تاريخ المصريين كان مدى زمنيا معقولا، نستطيع من خلاله معرفة كيف كانت مصر مستقلة، وهى تحت نير هذا الاستعمار وذلك الغزو، وكيف حافظ المصريون على إيصال الأمانة، منذ ذلك التاريخ البعيد، إلى الآن المعاصر؟ فهل يمكن تشكيل لجنة علمية مصرية من ثقات المفكرين، والمؤرخين، وعلماء الآثار، وحتى علماء الفيزياء والأحياء، ليجيبوا عن هذا السؤال كما جرت الوقائع فى الحقيقة؟
إنه سؤال الأسئلة، وهو كيف بقي هذا البلد كنواة صلبة، متحدية، لا تعتريه أي تغييرات عميقة نتيجة كل هذه الموجات؟ وكيف يمكن أن نسرد هذا التاريخ، كما جرى، لا كما تمت كتابته تحت ظروف معينة؟
إنها مسألة إرادة، لا بد أنها تحدث قريبا، فالمعارك الصغيرة والكبيرة على المسرح الدولى، تبدو كتمهيد لأنواع مختلفة من حروب نوعية فى الإقليم، وفى اعتقادى ويقينى أننا سوف ننجح فى الاختبار الإقليمى والعالمى الراهن.
أما الاختيار فهو اختيار نهائى، لا سماح فيه بوصول أى موجة إلى شواطئنا وحدودنا، لا ربيع ولا إرباك مصنوع، ولا صدمات خلاقة، كما يريد بعض أصحاب هذه النظريات القادمة من بعيد، سواء من الغرب أم الشرق.
وهذا الاختيار حتمى هذه المرة، فمن يدقق أحداث اللحظة المعاصرة، سوف يكتشف أن القوى الدولية، الغربية والشرقية، تخوض معركة وجود، برغم امتلاكها القوة والمعرفة، والسلطة القانونية الدولية، وأن مجتمعاتها تتصدع وتنهار دون توقف.
منذ عقود لا نعايش عالما منقسما إلى قوى متحضرة وقوى متخلفة، كما كانوا يفعلون فى أدبياتهم السيارة، فقد تساوى الجميع فى المأزق، وتدور فى مجتمعاتهم أسئلة عن المصير، وذلك مع تصاعد التهديد باستخدام القنابل القذرة، أو الأسلحة النووية، أو محاولة استعمال الطاقة كسلاح بين الخصوم.
إنها لحظات دولية حاسمة، واللحظات الحاسمة قليلة في التاريخ، وعلينا أن نكون أحد محاورها القوية، ولا نترك الفرصة مرة أخرى، فما كان سائدا على مدى سبعة عقود، يتلاشى الآن، ويتشكل منزل عالمي جديدـ فليكن لدينا فيه حجرة واسعة، ولائقة بمكانة، هذا البلد الأمة، والبلد الإقليم القاعدة.