50 دولة نجحت في تحديث نظم الري .. وعائدها الاقتصادي على الإنتاج الزراعي كبير
موضوعات مقترحة
تحقق 25 % زيادة في الإنتاج.. و المسح البحثي للتربة يسير بسرعة سلحفاة
تكمل الحلقة الثانية من «الصدمة» ما بدأته «الأهرام التعاوني» في عددها السابق بشأن بطء إجراءات العمل في مبادرة تحديث الري، هذا المشروع القومي الذي يلقي اهتماما كبيرا وغير مسبوق من الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم قضية الأمن المائي للبلاد ومواجهة التحديات التي تواجه المخزون الإستراتيجي المصري من المياه.
وناقش الملف العديد من المحاور المهمة حول قضية المياه، على رأسها حجم الإنفاق الكبير الذي وفرته الدولة على هذا المشروع الكبير، حيث بلغت التكلفة التي أقرها الرئيس منذ عامين قرابة الـ 60 مليار جنيه، في وقت لم يتعدَ حجم التنفيذ لهذا المشروع أكثر من 5 % فقط، وهي نسبة كانت «صدمة» حقيقية وفقًا للمعدل المطلوب خلال تلك الفترة. تحقيق :
ولأن ملف تحديث الري ليس رفاهية تسعى الدولة لتنفيذها، بل ضرورة وملحة يحتاجها القطاع الزراعي في مصر في أقرب وقت ممكن، في ظل التحديات والظروف الاقتصادية العالمية، وتزامنًا مع حزمة المشروعات القومية التي نفذتها الدولة المصرية خلال الـ 8 سنوات الأخيرة، فقد تناولت محاور ملف «تحديث الري» أيضًا الأدوار المفقودة للأطراف المعنية بتنفيذ المبادرة، ممثلة في وزارتي الزراعة والري إضافة إلى البنوك الوطنية المعنية بتمويل المزارعين في تفعيل هذه المبادرة، وتحويل منظومة الري القديمة بأراضيهم إلى ري حديث مطور، وهو ما يحتاج وبشكل عاجل إلى خطة عاجلة لتكثيف خطة الإنجاز لهذا المشروع القومي العام، تتضمن محاورها ضرورة تخصيص جهة واحدة مستقلة تشرف على إدارة هذا الملف، وتواجهة البطء الناتج من الروتين وتداخل الإجراءات، وهو ما يخلق حالة من المرونة في عمليات التنفيذ، ويحقق المكاشفة في حجم الإنجاز لهذا المشروع خاصة مع مرور أكثر من عامين على إقراره والتوجيه بسرعة تنفيذه.
وبلا شك، فإن مشروع تطوير الري الحقلي فرصة كبيرة لدعم إستراتيجية الدولة للنهوض بالقطاع الزراعي، وسد احتياجاتنا من المنتجات الغذائية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها العالم، كما يساهم هذا المشروع العملاق في توفير قرابة الـ 4 مليارات متر مكعب من المياه والتي يمكن أن تساهم في سد مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في مصر، كما أن استخدام نظم الري الحديث يعمل على زيادة معدلات الإنتاج من 25% إلى 30%، خاصة وأن الدراسات البحثية العالمية، أكدت أن الإسراف في ري الحاصلات الزراعية يساهم في تراجع الإنتاج الزراعي مقارنة بالمحاصيل التي يتم ريها بنظم حديثة، إضافة إلى أن أهمية تعميم هذه المنظومة الحديثة في توفير مقررات سمادية بما يقرب من 50% تقريبًا .
بطء إجراءات تنفيذ مبادرة تحديث نظم الري يراها العديد من الخبراء والاقتصاديين بزوايا مختلفة .. فالدكتور أحمد فوزي دياب الخبير المائي بالأمم المتحدة، قال إن منظومة تطوير الري في مصر تسير وفق محورين أساسيين، المحور الأول ممثل في تأهيل الترع والمصارف وقد تبنت الدولة في هذا الصدد مشروع قومي لتطوير وتأهيل الترع ومصارف الري، المحور الثاني تحديث نظم الري القديمة وتحويلها من ري بالغمر إلى ري بالتنقيط، مشيرًا أن هناك عدد من العوامل الرئيسية التي يتحدد وفقًا لها إمكانية تحديث نظم الري، تتعلق بطبيعة التربة والمياه في كل منطقة والتي يتم من خلالها تحديد نوعية الأنظمة الخاصة بالري الحديث.
وتابع: في محافظات شمال الدلتا على رأسها كفر الشيخ ودمياط والبحيرة والشرقية وهي ما تعرف باسم محافظات زمام الأرز والبالغ مساحتها ما يقرب من 500 ألف فدان تقريبًا، وهي مساحات تصنف ضمن الأراضي الزراعية القديمة التي لا تنجح فيها محاولات تحويلها من نظام ري بالغمر إلى ري بالتنقيط وهذه لأسباب كثيرة، مشيرا إلى أن محصول الأرز يحتاج إلى مياه بالغمر ولا يمكن الاعتماد على أنظمة الري بالتنقيط فيه، لكن في نفس الوقت يمكن أن يتحول من ري بالغمر البطيء إلى ري بالغمر سريع، يقلل من استخدامات المياه ويؤدي نفس النتيجة بل يساهم في زيادة إنتاجية المحصول، وهو ما أكدته العديد من الأبحاث والدراسات العلمية الكبرى، مشيرًا أن هناك أنواع من التربة تزيد فيها نسبة الملوحة أيضًا، وتحتاج بالطبع إلى غسيل مستمر لإزالة الرواسب الملحية، وإتاحة الفرصة للمحاصيل لتحقيق أعلى إنتاجية.
وأوضح أن الأراضي الزراعية القديمة في مصر وسط وشمال الدلتا والبالغ مساحتها ما يقرب من 6 ملايين فدان، تحتاج إلى تبني مشروع قومي عاجل وهو مشروع «التسوية بالليزر» للمساحات، حيث يساهم هذا المشروع في تقليل نسبة الفاقد مياه الري، ويحقق التجانس في كميات المياه على مستوى الحقول، كما يدعم المشروع القومي لتطوير وتحديث نظم الري الذي تبنته الدولة مؤخرًا، ويحقق العائد المناسب للمزارعين، باعتباره يساهم في زيادة إنتاجية المحاصيل، موضحًا أن وجود حوافز مجزية للمزارعين يساهم في نجاح المشروع خاصة مع زيادة تكلفة مدخلات الإنتاج بسبب العديد من التحديات والظروف الاقتصادية، وكذلك التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، وقد تسببت ظاهرة زيادة تكلفة الإنتاج الزراعي في تراجع القيمة التسويقية للأراضي على مستوى محافظات مصر.
وأشار الخبير المائي بالأمم المتحدة، أن هناك ما يقرب من 50 دولة حول العالم بدأت برامج تطوير نظم الري بالقطاع الزراعي بأنظمة مختلفة، تتماشي كل منها وفقًا لطبيعة كل بلد والظروف البيئية والاقتصادية لها، وقد نجحت العديد منها في تعميم هذه التجربة على رأسها المكسيك، والتي حققت نجاحات كبيرة من مشروع تحديث نظم الري واستطاعت في فترة وجيزة وتوفير كميات كبيرة من المياه المهدرة، لافتا إلى أن ثمة حزمة مقومات رئيسية يمكن من خلالها تحديد مصير نجاح برامج التحديث لنظم الري، منها طبيعة التربة في كل بلد، الظروف والمتغيرات المناخية، طبيعة ونوعية المياه ودرجات الملوحة بها، وأخيرًا طبيعة التراكيب الثقافية للمزارعين أنفسهم.
واستكمل قائلًا: «أهمية التوسع في تطبيق مشروع تحديث نظم الري بالأراضي القديمة يقلل أيضًا من الأمراض التي تواجه التربة، كما يوفر كميات من المياه تقدر وفقًا لدراسات علمية بنحو 20% مقارنة بالطرق التقليدية، لكن في نفس الوقت نجاح هذه الجهود تحتاج إلى المزيد من الإجراءات الإضافية، على رأسها تأهيل المزارعين على تقبل هذا المشروع، وتدريبهم على المنظومة الجديدة، إضافة إلى تدخل الدولة في توفير الدعم المناسب من إجمالي قيمة التكلفة لتشجيع المزارع على الارتقاء بمحصوله خاصة مع المزارعات الصغيرة والحيازات الضعيفة، موضحًا أن المساحات الكبيرة التي تتراوح من 1000 فدان يمكن تحويلها إلى أنظمة ري ذكي قائم على أحدث التقنيات الذكية التي تتحكم في كميات المياه، وتدار عن بعد بنظام «السنسور»، وهو نظام حديث معمول به عالميًا حقق عائدًا اقتصادي كبير، سواء من حيث توفير كميات المياه، أو من حيث زيادة إنتاجية المياه .
وأشار الدكتور أحمد فوزي، إلى أن الهدف من مبادرة تحديث نظم الري الرئاسية هو رفع كفاءة الإنتاج الزراعي، والحفاظ على المخزون المائي للبلاد في ظل التغيرات المناخية التي تواجه العالم، والتي أثرت بالطبع على كميات المياه، وغيرت ملامح الخريطة الزراعية في مصر، وهنا يقع على عاتق وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي العديد من الجهود الإضافية لإنجاز المهمة، باعتبارها الجهة المنوط بها تفعيل وتطبيق هذه المنظومة الحديثة في أنظمة الري في مصر، على رأسها التنسيق مع وزارة الري والموارد البيئية لتحويل المساقي والمصارف إلى مواسير، وضع سياسات زراعية جديدة تتماشي مع التغيرات المناخية الطارئة، دمج منظومة «البيفوت» ضمن مبادرة تحديث نظم الري خاصة على الأراضي والمساحات التي تتراوح بين 50 و150 فدانا، وهي تجربة ري حديثة، وناجحة حققت بالعديد من الدول جول العالم عوائدة اقتصادية كبيرة، ونجحت في توفير كميات كبيرة من المياه .
أما الدكتور شعبان سالم، رئيس قطاع الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة فأكد أن القطاع الاقتصادي بالوزارة يقوم بالعديد من الدراسات المطلوبة بشأن الجدوي الاقتصادية من تجارب تطوير الري الحديث التي تم تطبيقها وفق المبادرة الرئاسية بعدد من محافظات الجمهورية، كان على رأسها تجاربة حقلية في محافظة كفر الشيخ والتي حققت عائدًا اقتصاديا بلغ حوالي 25% في حجم الإنتاجية ووفرت في كميات المياه، كما أن وزارة الزراعة تبدأ قبل تعميم هذه التجارب إجراءات مسح شامل للأراضي المستهدفة وذلك لقياس كفاءة وملوحة التربة، وذلك عن طريق فريق بحثي من معهد بحوث الأراضي والمياه لتحديد نوعية المنظومة التي يتم تطبيقها في كل منطقة، وقياس التراكيب الفيزيائية للتربة ومدى احتفاظها بكميات المياه، ونوعية الأمراض التي يمكن تحديدها، مضيفًا أن دعم القطاع الزراعي بمنظومة ري مطوره يحقق عائدا اقتصاديا كبيرا لقطاع مهم يمثل ما يقرب من 80% كاحتياجات مصر من الأمن الغذائي.
وأوضح الدكتور سالم، أن بطء خطوات إنجاز أعمال مبادرة تحديث الري في مصر يرجع لأسباب بحثية واقتصادية عديدة، كما أن الجهات المعنية بتفعيل المنظومة ممثلة في وزارتي الزراعة والري تستهدف تطبيق المبادرة في على زراعات أشجار الفاكهة بوسط وشمال الدلتا كمرحلة أولى، لعرض جدواها الاقتصادية والتحديات التي تواجه إجراءات التنفيذ، خاصة وأن المغامرة بأمن مصر الزراعي غير مسموحة، لذا تلجأ الأجهزة المنفذة للمشروع إلى تطبيق نماذج تجريبية لهذه المبادرة لمعرفة آثارها وجدواها، حيث يقوم بمتابعة وتحديد هذه التجارب الهيئة العامة للجهاز التنفيذى لمشروعات تحسين الأراضى بوزارة الزراعة، مؤكدًا أن وزارة الزراعة تشرف على تجربة قائمة في بني سويف، في حين أن وزارة الري تشرف على تجربة في محافظة القليوبية، وهي مهمة مشتركة بين جهتين معنيتين بإدارة ملف المياه والأراضي في مصر.
واستطرد قائلًا إن الدولة حددت مدد إقراض للمزارعين لتطوير أنظمة الري بأراضيهم لحوالي 10 سنوات بفائدة مدعمة، كما أن وزارة الزراعة تقدم كافة أشكال الدعم الفني للمزارعين في كافة المناطق، إضافة إلى إنها تسعى لتفعيل نظام الدورة الزراعية، وتحديد نوعية المحاصيل الزراعية في كل منطقة، خاصة وأن مسألة تحديد التراكيب المحصولية مهمة تحقق التكامل مع منظومة تحديث الري، خاصة مع التطور الذي طرأ على ملف استنباط أصناف تقاوي جديدة موفرة للمياه على رأسها القمح والذرة والأرز، مشيرًا أن تحديث نظم الري يوفر المياه ويلغي نظام «المناوبة» بالأراضي القديمة في وسط وشمال الدلتا.
وفي السياق نفسه، قال الدكتور سعيد حامد الخبير الزراعي، إن الحكومة وجهت بالعديد من الإجراءات المهمة لتنفيذ خطة ترشيد استخدامات المياه منذ الإعلان عن مبادرة تحديث نظم الري التي وجه بها الرئيس، المحور الأول تضمن التحول من الري بالغمر إلى الري الحديث، المحور الثاني التسوية بالليزر وتعميم تجارب الزراعة على مصاطب لبعض المحاصيل منها القمح والأرز والذرة، استنباط أصناف قصيرة الأجل وموفرة للمياه وتحقق الإنتاجية المطلوبة من المحاصيل، كما تتحمل أيضًا الظروف المناخية الطارئة، تطبيق تجارب على زراعات البساتين بالأراضي القديمة، التوسع في أنظمة معالجة مياه الصرف، واستخدامها في ري المحاصيل الزراعية، وتحديد نظم الري بالتنقيط على المحاصيل البستانية، والري بالرش على المحاصيل الأخرى، إضافة إلى مواجهة الزراعات المخالفة بشكل حاسم في الأراضي الجديدة التي تروي الزراعات بنظام الغمر.
وأشار حامد، أن التكلفة العالية لعدد من الإجراءات التي تنفذها الدولة في هذا الملف، أحد أهم التحديات التي تواجه التوسع في منظومة تحديث الري في مصر، على سبيل المثال ارتفاع تكلفة أنظمة المعالجة وأجهزة الري الذكية، وأنظمة التحلية في ظل التغيرات الاقتصادية الأخيرة التي يشهدها العالم، والتي ساهمت في زيادة أسعار الخامات، إضافة إلى تداخل الإجراءات بين الوزارات المسئولة بشأن مراجعة وتطبيق تجارب الري الحديث، الأمر الذي يتطلب التعامل مع هذا الملف بنظام الشباك الواحد، يكون مسئول عن التمويل ومتابعة أعمال التنفيذ، وتولى مهمة تدريب وتأهيل المزارعين على المنظومة الجديدة، والأهم القدرة على تغيير ثقافته من إصراره على ري زراعاته بالغمر، إلى إيمانه بأهمية تطبيق أنظمة الري الحديث في أرضه.