"حين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد.. فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يومًا مصدر بهجتك" (جبران خليل جبران).
يدور معنى الحزن في اللغة حول ألم النفس وتوجعها، وهو انفعال غير محمود، والحزن إما أن يكون على أمر مضى أو على أمر مستقبل لم يتمكن الإنسان من تحقيقه بعد، وهناك بعض المصطلحات المقاربة للحزن منها: الهم والغم والأسف والكآبة والكرب، وكل منها يتضمن معنى خاصًا زائدًا على الحزن.
والحزن ينقسم إلى قسمين: القسم الأول يتعلق بأمور الدنيا كحزن الإنسان على وفاة أو فراق شخص عزيز لديه أو ضياع مصلحة له، والقسم الآخر يتعلق بأمور الآخرة كحزن المرء على اقترافه الذنوب والتقصير في الطاعات.
أما أصعب أنواع الحزن فهو "الحزن الصامت" الذي يظل يجهد القلب حتى يكسره، وتختلف الأسباب ولكن الحزن واحد؛ سواء كان هذا الحزن من شخص قريب أو شخص جمعت بينكما صداقة أو ما شابه، ولكن في النهاية قد خاب ظنك به، وأسكن قلبك حزنًا يقل أو يزيد حسب درجة ارتباطك به، فكلما ازدادت المعزة والعشم؛ زاد الحزن والألم؛ حيث إنك دائمًا تتوقع رد فعل معين تجاه موقف فعلته، ولكن سرعان ما تُفاجأ بالواقع، وهو أن الأمر ليس كما توقعته بالمرة، فكلما زاد سقف توقعاتك وعشمك لردود أفعال الآخرين زاد الحزن في قلبك.
والحزن له مراحل عدة - حسب نموذج كيوبلر – ويبدأ من مرحلة الإنكار (مرحلة عدم التصديق)، ثم مرحلة الغضب، مرورًا بمرحلة المساومة، وصولًا إلى مرحلة الاكتئاب، وانتهاءً بمرحلة التقبل.
وتختلف مراحل الحزن؛ حيث إنها تتسم بطابع فردي، فتختلف من شخص إلى آخر، فنجد أن أي إنسان يتعلق إحساسه بشخص يرفض فقدان من يحب، ويصبح في مرحلة الصدمة، وينتقل إلى مرحلة أخرى وهي الإحساس بالفراغ بعد فقدان محبوبه، ويبحث عن الأشياء التي تذكره به، ويسعد بإحياء الذكريات مرة أخرى.
وينتقل إلى مرحلة ثالثة، ويشعر بفقدان الأمل وينطوي على نفسه، ويحاول تدريجيًا أن يعود إلى إيقاعات الحياة اليومية ويتغلب على حزنه، وفي كل مرحلة من تلك المراحل تمر علينا لحظات نشعر فيها بـ"الحزن الصامت" الداخلي، فلا نستطيع أن نتحدث مع أحد، ونكتفي بالحوار الذاتي الذي يمكن أن ينعكس علينا وعلى أفكارنا وسلوكياتنا إما بالإيجاب أو بالسلب.
ولكن علينا أن نتخلص من ذلك الحزن الداخلي؛ فهو يضعف جهاز المناعة، فيقوم الجسم بإفراز هرمون الكورتيزول والأدرينالين بنسب أعلى من الطبيعي، وهذا يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة السكر في الدم، مما ينعكس على صحتنا، وتزيد نسبة الأمراض النفس فسيولوجية.
حين يحزن القلب يميل العقل إلى التفكير السلبي، ويعزز كل الأفكار السلبية التي ينتج عنها كل الاحتمالات السلبية في المستقبل، وهي العدو الأول للشعور بـ"الحزن الصامت".
ويمكننا تخطي "الحزن الصامت" بممارسة التأمل الواعي عن طريق الحواس، والتفكير بشكل إيجابي بأن نتوقف عن الحوار الذاتي السلبي الذي يجعلك ترى العالم الخارجي بشكل سلبي، وبهذه الطريقة تشعر بالارتياح والهدوء؛ لأنك عندما تتحدث بشكل إيجابي مع ذاتك يقوم المخ بجلب الأفكار الإيجابية التي تنعكس على سلوكياتنا ويسمى ذلك بقوة التفكير.
ويمكننا الاستفادة من الحزن؛ وذلك بالتصالح مع المواقف المختلفة، والمضي إلى الأمام، وذلك بقدرتك على التكيف وتقبل المواقف بشكل إيجابي وبتقوية العقيدة والإيمان، وقال الله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ).
وحتى تستطيع أن تقاوم الحزن لابد أن تردد دائمًا عند دخول الأحزان والهموم: (قدر الله وما شاء فعل)، والإكثار من الاستغفار وليس باللسان فحسب، ولكن بالقلب، وأكثر من الدعاء والأمل في الله واليقين به، حتى يزول الهم والغم من داخلنا، والجأ إلى الله وأغلق ملف الماضي الحزين ولا تفكر في المستقبل فهو بيد الله وحده؛ حتى يرزقك الله تعالى قوة اليقين.
وأختتم مقالي بأنه عليك أن تكون على يقين بأن الماضي - مهما كان - فهو "علم" والحاضر "عمل" والمستقبل "أمل"، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند الكرب: (اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ)، وإذا وقفت أمامك الهموم والأحزان فعليك بقراءة آخر سورة هود؛ حيث يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، صدق الله العظيم.
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة