الله سبحانه وتعالى لم يترك مسألة إلا وتناولها في كتابه الكريم حتى يشعر البعض وهو يقرأ كتاب الله بأنه يتحدث عن أحوالنا ويتناول مشاكلنا ولا يكتفي بعرضها بل يعطي لنا الحل، فكأن القرآن الكريم بمثابة تشريع لنا يصلُح لكل زمان ومكان، فالله سبحانه وتعالى ذَكّرّ في مُحكم آياته أن لكل نبي عدوًا، "قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ"، هذا حال الأنبياء! ماذا عنّا نحن؟! فالبعض منّا يشعر بأن له أعداء، ولكن لا يعلم البعض بأن هؤلاء الأعداء لهم حكمة، بل أحيانًا يكونون سببًا لكل شيء جميل حدث لنا حتى ولو في ظاهر الأمر جلبوا لنا المشقة والتعب، فالإنسان من دون خصومات، من دون معارضات، من دون عقبات من دون عوائق ومشاكل لا يرقى، أي لا يسعى، لا يظهر فضله، لا يصبح قويًا نفسيًا يستطيع مواجهة المستقبل بأحداثه، فالإنسان بالعدو يجتهد، يظهر صِدقه، يظهر ثباته، يقيم الحُجة على من عاداه، يستمر في طريقه للوصول لهدفه، فوجود العدو مهم في حياة كلِ منّا فالعدو يجعلك حريصًا على ضبط أمورك، والمثابرة لتحقيق حلمك.
لو تأملنا الحكمة وراء كل شيء أزعجنا وضايقنا في حياتنا لارتحنا كثيرًا ولِما حزنا وتضايقنا وشعرنا بالأسى يومًا ما! فطبيعة الحياة حلبة صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بالصراع يرتقى المؤمن ويصبح أكثر قوة وثباتًا، طبيعة الحياة دار ابتلاء، دار تكليف، الله عز وجل دائمًا وأبدًا يوظف الشر للخير المطلق، فالظلم شر كما نعلم جميعًا، ينتقم الله به ثم ينتقم منه، وذلك واضح في قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا"، فليس هناك شر مُطلق، كما أنه ليس هناك عدل مُطلق، بل هناك شر وعدل نسبي، الشر النسبي في نفوس أصحاب الشر، لكن شرهم يوظف للخير بإذن الله، كما قال الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، فحادثة الْإِفْكِ لم تحدث مصادفة، بل أراد الله أن تصبح بمثابة تشريع ودستور، فقد يحارب إنسان آخر عن طريق مقاومته أي تجنبه، وأحيانًا إنسان يحارب آخر عن طريق تشويه سمعته للنيل منه، فحادثة الإفك درس لكل امرأة عفيفة حاول أحدهم النيل من سمعتها أن تتخذ ستنا عائشة قدوة لها، كما قرأت عن سيدنا موسى ومناجاته لله سبحانه وتعالى فقال: "يا رب لا تُبقِ لي عدوًا"، قال الله تعالى لسيدنا موسى: "يا موسى هذه ليست لي، ليست لله عزَّ وجل، فهناك أعداءٌ لله عزَّ وجل!، فينبغي على كل إنسان أن يتأقلم على ذلك حتى يستريح، فلا يوجد إنسان إلا وله أعداء، فإذا كان الله معك يسخر لك العدو ليخدمك، أي يصبح عدوك في خدمتك، وإذا كان عليك أقرب إنسان يتهجم عليك!، فكل حدث سلبي بحياتك هو في الحقيقة خير، ولكن حكمته لم تظهر لك بعد، فكل شخص تصادفه بحياتك ليس صدفة بل قدر، ولسبب وجزء من خطة الله الرائعة لحياتك، فلا تجعل ألم فراق أحدهم يُنسيك حكمة الله في لقائه.