راديو الاهرام

البحث العلمي طوق النجاة لتخفيف حدة التغيرات المناخية

26-10-2022 | 11:18
البحث العلمي طوق النجاة لتخفيف حدة التغيرات المناخيةالبحث العلمى طوق النجاة لتخفيف حدة التغيرات المناخية
سحر فاوى
بوابة الأهرام الزراعي نقلاً عن

تستضيف مصر الشهر القادم مؤتمر المناخ  COP 27، حيث تعتبر التغيرات المناخية من أهم التحديات التى تواجه العالم بسبب ارتفاع نسب الانبعاثات، وزيادة درجات الحرارة، وتعد مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية، رغم أنها من أقل الدول إسهاماً فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى.. كيف سنتأثر بهذه التغيرات، وماذا يجب أن نفعله للتقليل من حدتها؟.

 كان موضوع الحلقة النقاشية التى نظمها مجلسا بحوث الزراعة والغذاء، وبحوث الثروة الحيوانية والسمكية بأكاديمية البحث العلمى، للتعرف على مستقبل الإنتاج الزراعى والحيوانى فى ظل التغيرات المناخية.

يقول الدكتورعادل البلتاجى وزير الزراعة الأسبق، أن التغيرات المناخية ستؤدى لعجزفى الإنتاج يتراوح من 20 إلى 40 %، وأن شمال إفريقيا ستكون من ضمن المناطق الأكثر تضرراً، ويشير إلى أن الزيادة فى درجات الحرارة ستؤدى لنقص المحصول بنسبة 25 إلى 50 %، وأنه متوقع أن تصل الزيادة السكانية على مستوى العالم لـ 10 مليارنسمة عام 2050 وهذه الزيادة ستحتاج لزيادة فى إنتاج الغذاء تصل لـ 70 %.

كما أشار إلى ارتفاع مسوب مياه البحر من 15 إلى 20 سم، وأنه فى حالة وصول المنسوب لـ 50 سم، فمن المتوقع هجرة 3 ملايين نسمة من كل الشواطى المصرية، و6 ملايين نسمة لو زاد المنسوب لمتر، بالإضافة لارتفاع نسبة الأراضى الزراعية مرتفعة الملوحة.

لذلك يجب توجيه الخطط البحثية للتخفيف من تأثير تغير المناخ، وتوفير المعلومات والبيانات وإيجاد سيناريوهات للمواجهة والمحافظة على الموارد الأرضية، وتحديث نظم الزراعة والرى، والأقلمة بتغيير الأصناف لتتحمل ارتفاع درجات الحرارة والأمراض المتوقع ظهورها، وزيادة الإنتاجية وتشجيع الاتجاه للتصدير والحصول على أعلى عائد اقتصادى.

الثروة البشرية

وأكد د. البلتاجى على الدور الهام للشباب، وضرورة استغلال هذه الثروة البشرية، مشيراً إلى أن الشباب قد يمثل "فرصة أو كارثة"، فإما أن نعلمه ونوجهه لتحمل المسئولية، أو نتركه للضياع، خاصة وأن معدلات الهجرة المتوقعة -الناتجة عن التغيرات المناخية -عام 2050 ستصل لـ 200 مليون نسمة، وفى تقارير أخرى ستصل لمليار و200 مليون نسمة، نتيجة للتمزق السياسى والاجتماعى.

وقال البلتاجى:" ليس هناك وقت لنضيعه لابد من الإنفاق على العلم "واستخدام التكنولوجيات، والوسائل العلمية الحديثة، والعودة لإرسال البعثات والاحتكاك بالعالم والتفاعل معه، والاستفادة من خبراته، حتى لا تحدث مشاكل فى إنتاج الغذاء.

حوكمة المياه

ويضع الدكتور أيمن أبو حديد وزيرالزراعة الأسبق، صورة للخطط التى يجب الاعتماد عليها مستقبلاً فى ظل تحديات التغيرات المناخية، التى يرتبط معظمها بالزراعة، حيث سنحتاج التعامل مع نقص الماء، والتصحر، وتملح الأراضى، والتى تعتبر عقبات أمام إنتاج الغذاء وبكميات مناسبة، حتى لا تحدث أزمة لا يمكن حلها إلا عن طريق التجارة.

وأضاف أننا نحتاج أيضاً التعامل مع حوكمة المياه بشكل واضح، وعدم وجود ازدواجية، وتضارب للاختصاصات بين وزارتى الزراعة والرى.

وضرورة تغيير قانون الجمعيات التعاونية للسماح لها بالاستثمار التجارى، وأيضاً تغيير قانون الزراعة ليراعى التغيرات المناخية والظروف الاقتصادية.

وقال: فى مصر ستتناقص إنتاجية معظم المحاصيل من 11 إلى 51 %، وأن التغيرات المناخية سبب فى زيادة استهلاك المياه بنسبة من 2 إلى 16%، أى سنعانى نقصاً فى الإنتاجية وزيادة فى استهلاك المياه لنفس المحصول.

وأشار إلى أن التوسع فى استصلاح الأراضى الجارى حالياً؛ تحسباً لغرق أراضى الدلتا أو تملحها وخروجها من النشاط الزراعى، حيث ستكون لدينا زراعة بديلة تعتمد على مياه هامشية.

وأضاف أن تحلية مياه البحر، والآبار الجوفية المالحة مع وجود الطاقة الشمسية، قد تكون مصدراً كافياً للزراعة فى المستقبل، بالإضافة لجهود الحفاظ على الأراضى القديمة، وحماية المناطق غير المحمية من طغيان المياه.

وأشار إلى أهمية تحسين الرى الحقلى عن طريق الزراعة المحمية للخضراوات، وذكر أننا نزرع 450 ألف فدان طماطم سنوياً فى الحقل المكشوف، والمتر المكعب يعطى 4 كجم طماطم، فى حين أن المتر المكعب فى الزراعة المحمية يمكن أن يعطى 54 كجم، باستخدام نظام الهيدروبونيك، أى يمكن اختصار المساحة باستخدام الصوب لـ 50 ألف فدان بنفس كمية المياه، وبالتالى توفير 400 ألف فدان لزراعات أخرى، وكذلك إنتاج الأعلاف الذى يستهلك كميات كبيرة من المياه، ويمكن أن نستبدل جزءاً منها باستنبات البذور، وإنتاج الأعلاف الخضراء فى الصوب، وبالتالى تقليل مساحة البرسيم، وزراعة الفول والعدس بدلاً منه لمنع تدهور للتربة.

 وبالتالى يمكن أن نستفيد من المشروع القومى للصوب، واستخدام نظام الهيدروبونيك بدلاً من الزراعة فى الأرض، فى إنتاج كميات كبيرة من الغذاء من مساحة محدودة، على أن نترك إدارته للقطاع الخاص ولا نحمله بأعباء مالية كبيرة، والبحث عن أسواق للتصدير، وتغيير التشريعات للعودة للدورة الزراعية.

ويضيف يجب أن نستفيد من التميز المناخى لمصر، بزراعة بعض المحاصيل التصديرية طوال العام، مثل الخرشوف والهليون.

ودعا إلى تغطية المساقى والمراوى، الذى يمكن أن يوفر 10% من مساحة الأرض، وتصل لـ 500 ألف فدان، حيث إن المساحة الزراعية 14 مليون فدان من 3.3 مليون هكتار (5.5 مليون فدان) أى هنزود كفاءة المياه من 45 إلى 85 % وتوفير 13 مليار م3 سنوياً.

النظم الخبيرة

وقال الدكتور عبد الغنى الجندى عميد كلية الزراعات الصحراوية - جامعة الملك سلمان: لا مفر من إدخال نظم المعلومات، والنظم الخبيرة فى جميع أنشطة الزراعة (الزراعة الرقمية )، والدولة حالياً تتبنى هذا المفهوم، ويطبق على مستوى الشركات الكبيرة، ويجب أن تطبق على الـ 4 ملايين فدان، وإقامة المجتمعات الزراعية والصناعية (المشروعات المتكاملة)، التى تضمن تحريك الكتلة السكانية من الدلتا، واستقطاب الشباب - المحرك الأساسى للتنمية، ويخدم جهود مواجهة التغيرات المناخية؛ ويضيف: إننا مقبلون على نقص فى إنتاجية المحاصيل وزيادة فى الاستهلاك المائى، وبالتالى فإن تطوير الرى سيقلل استهلاك المياه، ويضمن حصول النبات على احتياجاته الفعلية، وبالتالى زيادة الإنتاجية مع أصناف قصيرة العمر وغير شرهة للماء.

إعادة تنظيم

وأوضح الدكتور محسن شكرى أستاذ تغذية الحيوان - المركز القومى للبحوث، أن النشاط الزراعى، والغابات يساهم فقط بنسبة 24 % من انبعثات غازات الاختباس الحرارى، وأن الدول النامية مجتمعة بما فيها مصر تساهم بجزء ضئيل من هذه النسبة من خلال النشاط الزراعى.

وأكد على أن مصر ليست لديها ميزة نسبية فى إنتاج اللحوم الحمراء، لعدم وجود الموارد العلفية، والمراعى، ومصادر غذاء الحيوان، لذلك يجب إعادة تنظيم سلة البروتين الحيوانى، وأن توجه الأولوية لإنتاج اللبن، ثم يأتى إنتاج اللحوم كمصدر ثانوى من تربية حيوانات اللبن، لأن إنتاج اللبن أقل تكلفة واستهلاكاً للمياه، وأقل فى انبعاث غاز الميثان من إنتاج اللحوم، وإذا كان لابد من إنتاج اللحوم يكون بتكلفتها الحقيقية، واستيراد عجول للذبح، أو لحوم مجمدة، لكن استيراد العجول الصغيرة وتسمينها غير ذى جدوى اقتصادية.

واستعرض الدكتور محسن شكرى محاور الاستراتيجية المقترحة من مجلس بحوث الثروة الحيوانية والسمكية –بأكاديمية البحث العلمى- لمواجهة تأثير التغيرات المناخية على الثروة الحيوانية، وتشمل الحد من انبعاثات غازات الدفيئة لمواجهة تأثير التغيرات المناخية، والأقلمة للتخفيف من آثارها، والحوكمة والتمويل (الإدارة الواعية والرشيدة والمدركة لآثار التغيرات المناخية)، تعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعى لمكافحة تغير المناخ.

النباتات الملحية

وتحدث الدكتور صبحى محمد عبد السلام وكيل كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية، عن بعض الممارسات والتوجهات التى يمكن تطبيقها للتخفيف من حدة التغيرات المناخية، وأوضح أن الإنتاج الحيوانى يساهم بنسبة 0.6 % من انبعاثات غازات الدفينة، وقارة إفريقيا تساهم بنسبة 3% من الانبعاثات على مستوى العالم.

ويؤيد فى ظل الظروف الحالية استخدام الشعير المستنبت، ونظم الزراعة المائية كأحد الحلول لمشكلة الغذاء فى ظل التغيرات المناخية، وقال: إن هناك تجارب ناجحة لاستخدام النباتات الملحية فى إنتاج الأعلاف، ويعتبر البونيكام من المحاصيل الواعدة، التى يمكن أن تحل مشكلة الأعلاف، لأنه يتحمل الملوحة والجفاف، ومتعدد الحشات، كذلك زراعة الكينوا الذى حقق نجاحاً، وتمت زراعته فى أراضى هامشية وملحية، وأيضاً التوسع فى زراعة الجوجوبا فى سيوة والوادى الجديد.

وأشار إلى أحد الوسائل للتكيف مع التغيرات المناخية، وهى إدارة المخلفات الحيوانية، واستخدام وحدات البيوجاز والطاقة الجديدة والمتجددة، وطالب الدولة بتبنى هذه التكنولوجيات لأهميتها.

كذلك تعتبر مزارع الإنتاج الحيوانى الذكية، هى أحد التوجهات المستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية وتعظيم الإنتاجية، وتقليل العمالة، وأيضاً التوجه لتربية سلالات الحيوانات عالية الإنتاج، وأقل انبعاثاً لغازات الدفينة.

الأقلمة والتكيف

ويرى الدكتور أشرف جودة أستاذ تغذية الأسماك -المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد أن التغيرات المناخية ستكون أكثر صعوبة على الثروة السمكية مقارنة بمصادر الإنتاج الحيوانى الأخرى.

ويقول: لدينا أمل أن الاستزراع السمكى يغطى احتياجاتنا من مصادر البروتين، ولكن هناك تحديات تنتظرنا تتمثل فى زيادة الإنتاج دون التأثيرعلى البيئة، وفى ظل تغيرات مناخية متوقعة تتطلب الأقلمة والتكيف معها.

وقال: إن المصايد لن تزيد حتى عام 2050 ، وبالتالى ليس أمامنا إلا الاستزراع السمكى، الذى يتنافس مع الدواجن والمواشى فى استخدامات الأراضى، أو الاتجاه للاستزراع فى مياه البحار.

ومن المتوقع بحلول عام 2100، زيادة درجة الحرارة 4 م مما سيؤدى لتغيير فى ديناميكية الأسماك، وبالتالى سنضطر لتعديل السلالات وراثياً، وتغيير النظم لتوائم التغيرات المناخية.

جانب مشرق

أما الدكتور محمد فتحى عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية الأسبق، فيرى أن الثروة السمكية قد تكون الجانب المشرق فى قضية التغيرات المناخية؛ فقد تظهر مساحات مائية جديدة، وبالتالى مصايد جديدة، وزيادة فى هجرات الأسماك، وبالتالى قد تكون منطقتنا مناسبة لاستقبال أنواع جديدة من الأسماك، ولكن يجب أن نستعد بسلالات جديدة تتحمل الظروف البيئية، وتوقع باستبدال أسماكنا التى تعيش على المياه العذبة بأخرى تتحمل الملوحة.

البحث العلمى

ويشير د. صلاح الدين مصيلحى رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، أن البحث العلمى هو الأساس لإخراجنا من هذه المشاكل، وأن استراتيجية الدولة يجب أن تتغير لتواجه هذه التحديات.

وأضاف أن الثروة السمكية لديها عدة تحديات، منها أن أكثر من 90 % من الإنتاج قائم على الاستزراع العذب، ولدينا تحدى كبير لاستدامة هذا القطاع، فى ظل التغيرات المناخية، كما أن 90 % من مشروعات الاستزراع  السمكى تتم فى الدلتا التى قد تحدث لها مشاكل كثيرة مستقبلاً، لذلك نحتاج إدخال تكنولوجيات جديدة، لتستطيع الأسماك التكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة.

المزارع المغلقة

ويوضح الدكتور فريد إستينو- أستاذ الدواجن بزراعة القاهرة -أن التغيرات المناخية ستغير فى سلوكيات الدواجن أيضاً وتزيد من نسب النفوق، كما أنه سيكون هناك تأثير فسيولوجى يتمثل فى نقص المناعة، وبالتالى زيادة الإنفاق على مقاومة الأمراض، مما يزيد التكلفة.

ويعتبر الدجاج أقل المصادرالحيوانية انبعاثا لغازالميثان وبقية الغازات الأخرى، إلا أنه يتأثر بشكل واضح بالانبعاثات الحرارية والتغيرات المناخية المحيطة والمسببة للإجهاد الحرارى.

ويرى أنه لتخفيف حدة التغيرات المناخية، يجب التحول السريع إلى النظام المغلق لحماية الطيور من الإجهاد الحرارى، وتوفير القروض الميسرة لتنفيذ هذا التحول، ومنح فترات سماح مناسبة لهذه المشروعات، لحين بدء تشغيلها وتحقيق عائد منها، حتى يمكن تغطية تكلفتها الأولية المرتفعة.

 ويجب إعادة تنظيم الدورة الزراعية، لمواجهة العجز فى الإنتاج المحلى من الأعلاف، الذى سيزداد مع الجفاف بنحو 20 – 30 %، إضافة إلى زيادة الكمية المطلوبة خلال السنوات القادمة بنسبة 70% تقريباً عن المستهلك حالياً لمواجهة الزيادة السكانية المرتقبة، كما يجب إيجاد بدائل للذرة الصفراء الذى يمثل منفرداً نحو 45 – 50 % من تكلفة وحدة المنتج، وتوجيه البحث العلمى لإيجاد الهجن وأصناف الذرة عالية الإنتاج، وكيفية الإكثار منها وتوزيعها على المزارعين للمساهمة فى التوسع الرأسى لخفض التكلفة والحد من الاستيراد، وكذلك الحال بالنسبة لفول الصويا.

كلمات البحث