انتشرت في الفترة الأخيرة مقولة (المعاملة بالمثل)، ومع الوقت أصبحت للأسف ظاهرة، وصفة يتصف بها بعض البشر ويتنافسون على تطبيقها في المواقف والأحداث التي يمرون بها؛ سواء على المستوى الإنساني والاجتماعي أو العملي، وهذه الظاهرة ضد أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا الشرقية.. وأيضًا ضد كل الأديان السماوية التي نادت وحثت على حسن الخلق والمعاملة الطيبة والتسامح والحب والغفران والتماس الأعذار، وعدم رد الإساءة بالإساءة لكي ينمو ويزدهر المجتمع في جو من الصفاء والسلام النفسي.
المعاملة ليست بالمثل.. لو كل فرد من أفراد المجتمع رد الإساءة بالإساءة، لانتشرت الفوضى والفساد وانهارت الأخلاق والإنسانيات بين البشر، فكيف نستطيع أن نتعايش، ويحدث تجانس وانسجام وتعاون وخلق روح طيبة؛ سواء في العمل أو بين الأفراد من خلال العلاقات الإنسانية.. أين التسامح والمحبة والتعاون؟ أين روح سيدنا عيسى عليه أفضل الصلاة والسلام، حين حثنا على المحبة والإحسان إلى أعدائنا؛ حينما قال: "أحبوا أعداءكم" وأحسنوا إليهم واغفروا لهم أخطاءهم؛ بل بالعكس اطلبوا لهم المغفرة والرحمة من الله سبحانه وتعالى؟ أين كلام سيدنا محمد عندما دعا إلى التسامح والمعاملة الطيبة والأخلاق الحسنة، ومساعدة الضعيف، وقضاء حوائج الناس؟ أين نحن من هؤلاء؟ لماذا طغت المصالح، وانتشر الفساد، وكثرت القسوة، وزاد الحقد والكراهية في المجتمع؟ هل تناسينا أم نسينا بالفعل صفاتنا الإنسانية التي خلقنا بها ومن أجلها الله تعالى؟ خلقنا لنعمر في الأرض، وننشر السلام والمحبة والطمأنينة، ونتسارع إلى فعل الخيرات وجبر الخواطر، وإعطاء المحتاج.. ماذا حدث؟! ولماذا وصلنا إلى هذا؟! المعاملة ليست بالمثل.. والبقاء ليس للأقوى، المعاملة بالإحسان والتراضي والحب والتغافل.
يقول الله سبحانه وتعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، [الرحمن: 60] (ولَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: الآية 34].
كلها آيات تدعو وتحث وتؤكد أن المعاملة ليست بالمثل؛ بل بالعكس بكل حبٍ وتراضٍ وتسامح وليس هذا فحسب؛ ولكن ربنا سبحانه وتعالى وعدنا بأن إحساننا والتغافل عن الأذى سوف يُردُ من رب الكون بكل خير للطرف المتسامح.. ما أعظمك وأكرمك رب العالمين.
وإذا راجعنا أنفسنا مرة أخرى وتحلينا بالصبر والتسامح والمحبة وتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى، والاستماع جيدًا إلى وصايا الرسل، سوف تتغير أحوالنا إلى الأفضل، ويعم الخير وينتشر السلام والاستقرار النفسي بين أفراد المجتمع ويسود الحب والتعاون والصدق والمحبة التي خلقنا الله عليها وهي أصل فطرتنا.
بداية جديدة....