قبل أن نطلب من مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "COP27" الشهر المقبل بشرم الشيخ، حلولا واقعية ومنطقية، لابد من الاعتراف بوجود تناقضات وفجوات واسعة بين أطراف المسألة البيئية المناخية، هذه الفجوات من شأنها أن تهدر الجهود للتعاون والتنسيق بين كافة الأطراف العالمية والإقليمية والمحلية على حد سواء.
هذه التناقضات لابد من الاعتراف بها وعلاجها أولا، فهي تناقضات وفجوات بيئية بين كل من الدول الغنية والدول الفقيرة، تناقضات بين السياسات العامة للحكومات وبين شعوبهم، تناقضات بين المتسببين في التغيرات المناخية وهم الأقل تأثرًا، وبين الدول الأكثر تأثرًا الأقل إحداثًا لتلك التغيرات، فجوات حول عدم تحديد المتسبب الأكبر في الاحتباس الحراري، وبالتالي دفع الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، التناقضات بين الدول الصناعية، وهي وجهة الهجرات غير الشرعية، للقادمين من الدول المصدرة لهذه الهجرات وتضررت بسبب ما تنتجه الدول الصناعية الغنية، وهي وجهة هؤلاء المهاجرين، فقد كشفت هذه التناقضات عن خلل تتسع دائرته ونشأ بسبب هذه التناقضات أو غياب ما يعرف بـ"العدالة المناخية".
منذ عقد أول مؤتمر دولي للأطراف في مدينة ستوكهولم السويدية 1972، والذي انتزع الاعتراف الدولي بالبيئة، تأتي قضية "العدالة البيئية" اليوم، بعد 50 عامًا من المؤتمر الأول، لتطرح نفسها عنوانًا رئيسيًا أمام قمة الأطراف المرتقبة "COP27"، بعد العديد من التفاعلات المناخية والبيئية والإنسانية، لنصف سكان الكرة الأرضية تقريبًا، وتتصدر الأحداث، بسبب تعرض أمن سكان الكوكب، الغذائي والمائي والمكاني، للخطر.
ما هي العدالة المناخية.. هي ببساطة المساواة في رفع الظلم المناخي الواقع على الأشخاص والمجتمعات والدول المتضررة، فالطبيعة وتفاعلاتها، لا تنتقي منطقة دون غيرها، أو تختار أفرادًا بعينهم، أو توجه تحولاتها إلى شعوب دون أخرى، فالتغيرات المناخية تحدث تأثيرات على البشر والأنشطة والطبيعة بشكل متساوٍ لا يفرق بين الأغنياء والفقراء، أو النساء والرجال، بين من هم أكبر سنًا والشباب، ولذلك فإن مفهوم العدالة المناخية يتعامل مع تغير المناخ من خلال الإنسان وحقوقه واحتياجاته الطبيعية.
إلا أن الأكثر معاناة بسبب متغيرات المناخ هم الشعوب المهمشة والسكان البسطاء، فالكوارث الطبيعية واحدة، إلا أن الدول والشعوب الغنية لديها إمكانيات تمكنها أن تقليل حجم هذه المتغيرات وتتعافى منها سريعًا، أما الدول الفقيرة فإن هذه المتغيرات تتحول إلى كوارث تضاعف من أزماتها وتوسع حجم معاناتها على مدى زمني طويل، وهو ما يزيد الفجوة بين الشعوب والدول الغنية، وبين الدول والمجتمعات النامية والسبب هو الظلم المناخي.
وما يجسد حضور هذا الظلم، وغياب العدالة المناخية، هو ما تعرضت له باكستان مؤخرًا نتيجة الفيضانات والسيول بسبب التغير المناخي، فقد بلغت الخسائر في الأرواح نحو ألفي مواطن، وأخرى مادية قدرها البنك الدولي بحوالي 40 مليار دولار، فلا أحد يتحدث عما تعرضت له هذه الدولة التي تعد ضمن الدول النامية، أو حتى الإعلان عن إلزام المتسبب في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الدول والكيانات والشركات الكبرى المالكة لمحطات الطاقة وأنابيب البترول والكيانات النفطية المتسببة في الخلل المناخي المتسبب في الخسائر البشرية والمادية.
من المؤكد أن المفاوض المصري والعربي والإفريقي خلال "COP27"، يدركون ضرورة أن تلبي الدول الغنية المتسببة في إحداث التلوث الكربوني ومن ثم التغير المناخي بدفع التزاماتها، ولعل هؤلاء ينسقون جهودهم بالضغط التفاوضي، لكي تستجيب الدول الغنية لمتطلبات الدول النامية، للمساعدة في تقوية البنية التحتية الملائمة للسلامة والصحة العامة، وفي تيسير الحصول على التكنولوجيا المتقدمة للدول الفقيرة في مجالات الزراعة وإدارة المياه، والطاقة الجديدة والمتجددة، والتطبيقات الخضراء في المدن والإنشاءات والمشروعات الذكية، وتأمين المياه النظيفة والتربة الصالحة لهم.
وقد ركز العديد من نشطاء المناخ على غياب مفهوم "العدالة البيئية"، حيث شوه بعضهم لوحة الفنان العالمي "بابلو بيكاسو" الثمينة في متحف فيكتوريا الأسترالية، كما قام اثنان من نشطاء المناخ، بطمس لوحة للفنان الهولندي "فان جوخ" في المعرض المقام حاليًا بالعاصمة البريطانية لندن، ودافعا عن وجهة نظرهم، بأن الحياة أعلى قيمة من الفن، وتساءلوا: "هل أنتم تهتمون أكثر بحماية اللوحة من اهتمامكم بحماية الكوكب والإنسان"، والأسبوع الماضي، وصلت سفينة "Greenpeace"، إلى ميناء الإسكندرية ، تقل نشطاء المناخ من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتوصيل رسالة لمؤتمر المناخ "COP27"، شعارها: "معًا للعدالة المناخية".
والعدالة في المناخ، هي التقسيم العادل في الغرم والغنم بين كافة الأطراف، وهو ما يقود إلى ما يعرف بـ"الحياد المناخي"، وهو التحول إلى اقتصاد صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومعادلة تلك الانبعاثات، وقد بدأت الأمم المتحدة على أن تصبح محايدة مناخيًا في 2007، والاتجاه التنازلي في توليد الانبعاثات، وتنفيذ نظم الإدارة البيئية، للوصول إلى هدف الحياد المناخي بحلول 2050.
من المعروف والمؤكد أن التوسع في استخدام الطاقة النظيفة، وخفض انبعاثات الكربون، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، يمكن أن يحقق التوازن بين استحقاقات التنمية الاقتصادية، والأهداف البيئية، ونشر الحلول المستدامة للتحول الأخضر.. لعل مبدأ "العدالة البيئية" يسود، وأن تصبح حقيقة وواقعًا، لا وهمًا وشعارًا فقط.
[email protected]