الرقمنة والنفس البشرية

18-10-2022 | 10:31

أصبحت الثورة المعلوماتية تؤثر على النفس البشرية؛ مثل تأثيرها على العقل البشري، فينعكس علينا في سلوكياتنا مع ذاتنا وفي علاقاتنا مع الآخرين.

وأصبح هوس الميديا، وقضاء ساعات طويلة أمام كل مواقع التواصل الاجتماعي - التي أثرت على الأسرة العربية بالسلب - في جميع المجتمعات.
 
السموم الرقمية خطفت أولادنا من طفولتهم البريئة، وأصبحت تأكل الطفولة بقضاء أوقات غير محدودة على الإنترنت، وأصبحوا يعيشون في عالم افتراضي بعيد عن الواقع، زاد من انخفاض قدراتهم العقلية؛ نتيجة مشاهدة البرامج التي تحمل مضامين سلبية وأفكارًا عدوانية لأطفالنا عبر الأفلام الكرتونية من جهة والألعاب الإلكترونية من جهة أخرى؛ التي أفرزت جيلًا عدوانيًا يعاني التوحد الافتراضي، وعدم التركيز وضعف الانتباه والفرط الحركي وفقدان ملكات التفكير الإبداعي والتعبير الوجداني؛ بالإضافة إلى التأثيرات الخطيرة على الصحة الجسمانية مثل ضعف النظر وانحناء الظهر وأمراض الضغط والسكر علاوة على السمنة.
 
وقد خلقت الرقمنة جيلًا من أبنائنا المراهقين يعانون هوس السيلفي، وقد أثبتت دراسة أمريكية أن الشباب الذين يفرطون في الصور السيلفي يعانون من الشعور بتدني الذات.
 
وزادت مواقع التواصل الاجتماعي من اختراق الخصوصية، كما زادت من الحقد والكراهية؛ نتيجة المقارنة المستمرة، والشعور بعدم الرضا النفسي، فإن النفس البشرية أمارة بالسوء.
 
وأصبحنا نخفي حقيقة أنفسنا في مواقع التواصل الاجتماعي، فمع طوفان المعلومات تغيب المعرفة، وفي ظل كثافة المعرفة تغيب الحكمة، والحكمة هي غاية العلم والإنسان.
 
أما الأسرة العربية فقد فقدت الترابط والحوار الأسري وأصبحت لا تجتمع مع بعضها، وضعفت العلاقة بين الزوج وزوجته، وكل منهما يعيش في عالم بمفرده، ويخلق لنفسه حياة مستقلة، وزادت الخيانة الإلكترونية؛ التي يظن العديد من البشر أنها ليست خيانة حقيقية.
 
وتكمن خطورة الرقمنة على النفس البشرية في أنها أصابت الأشخاص الأسوياء بالعزلة وعدم القدرة على مواجهة الحياة الاجتماعية العادية.
 
واقترن الاستخدام المفرط للوسائط الرقمية بأعراض الاكتئاب، على الرغم من أنه في بعض الأحيان قد يحسن من الحالة المزاجية.
 
وفي عام ٢٠١٨ أشارت إحدى منصات التواصل الاجتماعي إلى أن الإفراط في استخدام تلك المنصات يزيد من الأمراض النفسية ومحاولات الانتحار والفكر الانتحاري، على الرغم من وجود إيجابيات كثيرة للرقمنة، فهي تعتبر سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يكون قاتلًا، ويمكن أن يكون مفيدًا، وهذا يتوقف علينا في كيفية استخدامه. 
 
لابد من وقفة حاسمة مع أنفسنا نعيد فيها حساباتنا مع أنفسنا؛ حتى نتغلب على سلبيات الرقمنة، وليبدأ كل أب وكل أم بأنفسهم، ولابد من تخصيص عدد محدد من الساعات للإنترنت، ويجب علينا تخصيص وقت لممارسة الهوايات والرياضة؛ فهي تساعد على التقليل من سلبيات استخدام الإنترنت.
 
ولابد من وضع قيود على أطفالنا، عند دخولهم على الإنترنت؛ وذلك عن طريق ربط حساباتهم بحساباتنا، ومتابعتهم عند دخولهم على المواقع أو الألعاب الإلكترونية.
 
وهناك بعض الدول المتقدمة التي تولي أهمية كبرى بالمؤسسات المختصة بالصحة النفسية، وتقوم بنشر طرق علاج إدمان الإنترنت، وكيفية التعامل السليم معه، وكيفية اكتشاف هذا النوع من الإدمان النفسي، والذي يكون من الصعب أن يبرأ منه، والذي ينعكس على سلوكياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.
 
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة