Close ad

رياضة البولو.. عادات وتقاليد

16-10-2022 | 16:30
الأهرام المسائي نقلاً عن
يحمل المهاجر ذكرياته في صدره ويرحل. الشوارع، الميادين، أفران الخبز، ملابس الاحتفالات، وطقوس الكرنفالات، الصور والضجيج والروائح. يجترها في أوقات الحنين. يعاينها فترة مخافة أن تسقط تفصيلة واحدة في زحام الشتات وصراعات البحث عن الذات.

بعد انتهاء تدريبات الفروسية والقتال الشاقة، وبحثًا عن ساعة لترويح النفوس تُزكَم فيها الأنوف بتراب الوطن، كانت لعبة (البولو) واحدة من تلك الألعاب التي حملها المماليك في صدورهم. تذكرهم بمراتع الطفولة في الوطن البعيد، فتوة الصبا والجَلَد في بيئة خشنة التضاريس، قاسية المناخ. الخيول الفتية المكتنزة بالعضل، والتي لم يكن لشاعر بحجم امرؤ القيس أن يتوانى عن منحها بيت شعر خاص بها يخلدها إلى جانب بديع وصفه لفرسه، (مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا/ كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ).

تكمُن صعوبة البولو في اللعب من على جسم كبير متحرك (الحصان)، وضرب جسم صغير متحرك (الكرة)، برأس عصا أشبه بالمطرقة (الصولجان).

يتحتم على الفارس التحكم والسيطرة في الفرس بيد واحدة وتفادي منافسيه والوصول للكرة من أقصر مسافة، شرط عدم قطع الطريق على منافسه، والتسديد نحو المرمي باليد الأخرى. يحتاج اللاعب إلى مهارة عالية للتحكم في حصانه مع القدرة على بذل مجهود بدني كبير والتحلي بلياقة عالية.

 تعتمد مهارة الفارس في المباراة على مستوى التناغم والتفاهم بينه وبين الحصان، يربط بينهما لغة مشتركة تعتمد على حركة جسم الفارس، وما يرسله لفرسه من إشارات أدواتها شد اللجام وإرخائه، وأحيانًا الضغط خفيفًا بساقه على بطن الحصان. من ثم، يجب على الحصان أن يتمتع بقدر كبير من السرعة والقدرة على التحمل وخفة الحركة والقدرة على المناورة.

انتشرت اللعبة من آسيا الوسطي إلى ما حولها، ولعبها الرجال والنساء –في ذلك الوقت- على حد سواء. وإن اقتصرت على الطبقة الحاكمة وطبقة النبلاء. يتواجد بالملعب اثنا عشر حصانًا، أربعة لكل فريق، ومثلهم للحكام.

تترك الخيول بصماتها على نجيل الملعب الأخضر. تتناثر قطع النجيل والحفر تحت وقع سنابك الخيل. بين الشوطين -وريثما يحصل اللاعبون والخيول على قسط من الراحة يتناولون فيه بعض المشروبات ويراجعون خطط اللعب- يدعو معلق المباراة الجماهير للنزول للملعب للتجول بين جنباته وتبادل الأحاديث الخفيفة والآراء حول المباراة وأداء اللاعبين وكذلك سد الحُفر بأقدامهم.

مع امتداد مستعمراتهم في الأركان الأربع للكرة الأرضية، تعرف البريطانيون على اللعبة ونقلوها إلى أوروبا، ثم عدلوا في قواعدها وأنشأوا لها نواد خاصة حافظت على استمرارها بين الإنجليز حتى يومنا هذا.

شَرُفتُ خلال الأيام القليلة الماضية بتلقي دعوة لحضور مباراة بين الجيش البريطاني للبولو، وفريق (كينجز بولو) المصري، في إطار بطولة تقام سنويًا بمصر المحروسة.

تجربة مختلفة وأجواء بدت غريبة وشيقة في آن. بذل فيها المذيع الإنجليزي جهدًا كبيرًا في وصف المباراة والتعليق عليها، كان نبض المباراة لي ولأمثالي الذين لا يعرفون قواعدها ولا التمييز بين ضربة صعبة متقنة أحرزت هدفًا وأخرى أخفقت في إصابة الكرة. صنع المذيع العجوز بتفاعله جوًا خفيفًا لطيفًا، تنقل بين المتفرجين وبأسئلة قصيرة مباشرة وتعقيبات اتسمت بخفة الظل، استحق الثناء والتقدير. رغم تقدمه في السن، لم يكف لسانه عن التعليق ولا فمه عن التدخين.

من على صهوة جياد المماليك عرف العالم رياضة البولو.

يكمن جمال ثقافات الشعوب في اختلافها وتفاعلها مع البيئة المحيطة بها، في تجسيدها عادات وتقاليد الشعوب. ربما تختلف وجهات نظرنا حول بعض تلك التقاليد، لكنها لا تمنعنا من احترامها.
 
 
  •  
  •  
  •  
  •  

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: