يعاني الاقتصاد من عدة مشكلات أساسية من أهمها على الإطلاق قضية الدعم؛ لأنها قضية متشعبة، وترتبط بكثير من المشكلات، وهذا يرتبط بمفهوم الدعم وهو: الفرق بين السعر المحلي والسعر العالمي للخدمات والسلع والطاقة وخلافه، وفي ضوء هذا نجد نوعين من الدعم؛ الأول هو الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطن من خلال دعم أسعار الطاقة والكهرباء والماء وخلافه، والنوع الثاني من الدعم هو ما يقدمه المواطن للحكومة من عمل أو منتجات زراعية وخلافه؛ ومن هنا مشكلة الدعم مزدوجة؛ أي لها جانبان ويجب أن يسير الإصلاح في الجانبين معًا.
وإذا بدأنا بدعم الحكومة للسلع والخدمات، فيمكن رفع الدعم فورًا عن كل من:
أولًا: الأجانب المقيمون في مصر وعددهم تجاوز العشرة ملايين، ومعظمهم من المقتدرين واستهلاكهم للكهرباء مثلا وخلافه ضعف الطبقة المتوسطة؛ أي أن استهلاكهم قد يصل لنحو 20% من جملة الاستهلاك بوجه عام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الرقم القومي، كما حدث من قبل في كارت البنزين الذي لم يفعل بعد.
ثانيًا: الاستهلاك التجاري والمؤسسات الحكومية؛ لأن الاستهلاك التجاري لا يبيع منتجاته مدعمة، ثم هناك كثير من الإسراف في بعض المؤسسات الحكومية؛ حيث نشاهد بعض المدارس مضاءة أربع وعشرين ساعة وغيرها، ويجب أن يكون هناك ثواب وعقاب للمسئولين عن متابعة هذه الخدمات، وربط ذلك ببنود الحوافز.
ثالثًا: الاستهلاك الترفي والكبير فمثلا بنزين 95 مدعم وسعره الآن بمصر أقل من 11 جنيهًا في حين أن سعره العالمي نحو 2 دولار أي نحو 39 جنيهًا، ويستهلكه أصحاب السيارات الفارهة، وليس هناك أي مبرر لدعمه؛ بل يجب أن نرفع سعره إلى نحو 50 جنيهًا لدعم سعر الكيروسين مثلًا، وينطبق المبدأ على المجالات الأخرى، فكل الدول الرأسمالية الحكومة لا تدعم أسعار الخدمات، ولكنها تفرض سعرًا أعلى من التكلفة على أصحاب الاستهلاك الوفير أو الترفي لدعم أصحاب الاستهلاك المحدود من خلال تكافل مجتمعي، المقتدر يدعم محدودي الدخل؛ فمثلًا الكهرباء يمكن دعم الاستهلاك الذي يقل عن 400 ك ت بنحو 60%، ثم من 401 ك ت إلى 500 ك ت يدعم بـ50%، وهكذا بشكل تصاعدي، ثم الاستهلاك الوفير 1300؛ مثلا من يملك فيلا وأجهزة تكييف كثيرة يرفع السعر عن التكلفة 10%، وما بعده 20%.
وهكذا يستمر التصاعد إلى ما لا نهاية؛ بهدف تحقيق التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، ثم الحد من الاستهلاك الكبير، وينطبق هذا على الماء والغاز وكل شيء، وهنا يجب الإشارة إلى خطورة ارتفاع سعر المياه؛ لأن بعض الفقراء اضطروا للعودة إلى استخدام الطلمبة لسحب المياه الجوفية الملوثة؛ بسبب ارتفاع أسعار المياه؛ مما قد يؤدي لمشكلات صحية أكثر تكلفة وخطورة من دعم المياه، وخاصة للاستهلاك الصغير وفي القرى والنجوع والعشوائيات.
النوع الثاني من الدعم هو دعم المواطن للدولة؛ ونبدأ بالفلاح: مثال وحيد يلخص القضية هو سؤال قدمته النائبة سميرة الجزار عضو لجنة الموازنة بمجلس النواب للحكومة عن انخفاض سعر شراء الحكومة للقمح من الفلاح المصري بسعر 885 جنيهًا للأردب هذا العام، في حين تدفع 1380 جنيهًا للمستورد الأقل جودة؛ أي أن حكومتنا تدفع للقمح المستورد الأقل جودة 55% زيادة على المصري، وهذا مجرد مثال يتكرر للأسف كثيرًا مع الفلاح المصري؛ ويعني أن الحكومة تدعم الفلاح الأجنبي، بل إن معظم دول العالم تشتري المنتج المحلي أعلى من المستورد؛ حتى لو وصلت زيادة سعر المحلي إلى 30% أو أكثر؛ لأنه ببساطة أفضل اقتصاديًا لعدة أسباب؛ منها أن المصري يدفع له بالعملة المحلية، ثم إن ذلك يشجع الفلاح المصري على زيادة الإنتاج، وإعطاء اهتمام أكبر بالزراعة التي يهجرها البعض لتراجع مكاسبها وعدم الاهتمام بها، وهي قضية اقتصادية واجتماعية في المقام الأول؛ لأن رفع السعر للفلاح سيؤدي إلى زيادة الإنتاج، وتحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي، ويساهم إلى حد كبير في حل المشكلات الاقتصادية، وخاصة بعد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقف بعض فرص الاستيراد؛ مما يعطي أهمية أكبر لضرورة الاعتماد على الذات لأقصى درجة ممكنة، وهي قضية مهمة يجب التركيز عليها في المؤتمر الاقتصادي، وأهمية عودة دور فعال للجمعيات الزراعية، ووزارة التجارة؛ سواء في إمداد الفلاح بالبذور والتقاوي أو الشراء مباشرة من الفلاح، وبيع منتجاته في الجمعيات التعاونية؛ مما يعود نفعًا على الفلاح والمواطن، بدلًا من ترك الفلاح وحيدًا أمام سيطرة بعض تجار الجملة.
قضية المرتبات والمعاشات الفجوة كبيرة جدًا بين الأجور والمعاشات في معظم دول العالم، وبينها في مصر؛ مما يعني أن كثيرًا من الموظفين وأصحاب المعاشات يدعمون الدولة، ومطلوب خطة موازية لرفع هذا الدعم أيضًا، وهذا موضوعنا القادم إن شاء الله.