Close ad

جائزة دولية للاستدامة.. "2 - 2"

16-10-2022 | 14:28

تكتظ أجندة المبادرات والاقتراحات أمام "COP27" أوائل الشهر المقبل بشرم الشيخ، منها ما هو إقليمي ومنها الدولي، وبالطبع هناك مقترحات من مصر، ليس باعتبارها الدولة المضيفة، بل لأن العالم تعرف على أبجديات الطقس والطبيعة والمناخ، وأدرك أهميتها من خلال قدماء المصريين، أصحاب الرصيد البيئي والمناخي المعتبر مقارنة بكافة الدول والشعوب على الكوكب.
 
فقد وضع هؤلاء القدماء بصمتهم على البعد البيئي، الذي كان حاضرًا في حياتهم، ليشكل رمزًا وعنوانًا لحضارتهم، حتى ليكاد الاهتمام بالطبيعة واحترامها، يتواءم مع مبادئ العقيدة الدينية لديهم، فهناك تداخل بين العقيدة الدينية والزراعة، ويعود نجاح الحضارة المصرية القديمة، إلى قدرتها على التكيف مع ظروف الزراعة في وادي النيل، كما شكلت المفاهيم الثلاث وهي "العقيدة والبيئة والخلق" لتضع دستورًا للسلوك، وميثاقًا غليظًا لحماية البشر.
 
وبهدف دفع العمل المناخي والتنموي البيئي إلى الأمام في ظل التحديات المناخية، طرحنا الأسبوع الماضي، مبادرة "إطلاق جائزة عالمية للاستدامة" خلال المؤتمر المقبل، من منطلق حشد كافة الأفكار والمبادرات والاقتراحات لمواجهة التحديات المناخية، خاصة أن الاهتمام والتقدير والجوائز المحلية والعالمية تلبي كافة الأنشطة والمجالات والعلوم، باستثناء البيئة والمناخ، وهو المجال الأكثر تحديًا وخطورة.
 
ولعل الرصيد البيئي والإنساني الذي أسسته الحضارة المصرية القديمة، حيث وضعت مكانة "الطبيعة" في صدارة لوحها المحفوظ على جدران المعابد وأوراق الأشجار، وأتاحت ثوابت التوازن البيئي الطبيعي والتكامل والتنوع بين كائنات الكوكب ركنًا أساسيًا اعتمدت عليه، فقد وصلت إلينا من خلال إتاحة التنوع البيولوجي في أجل صورة في رموز من الطير والنبات والأشجار والحيوان، فضلًا عن نقطة المياه المقدسة لديهم، حيث تركزت حضارتهم على ضفاف نهر النيل، كما ترجمتها أعيادهم التي تحمل بعدًا بيئيًا، فكانت خصوبة التربة والأرض والشجر هي شعار للنماء ورمز للحياة، كما كان ورق البردي رمزًا لمصر السفلى، وأوراق اللوتس رمزًا لمصر العليا.
 
ولعل هذا الرصيد يشكل منطلقًا جاهزًا ووافيًا لمبادرة مصرية دولية لتجديد المقترح بإطلاق جائزة الاستدامة خلال مؤتمر المناخ، المرتقب، ونضيف لهذا الرصيد، أن بدايات الاستكشاف المنظم للنباتات يعود إلى فراعنة مصر القديمة، الذين أعادوا، في وقت مبكر، الأشجار والنباتات الغريبة في حملاتهم الخارجية، وقاموا بتوضيحها ورسمت على جدران معابدهم، وخاصة الملكة "حتشبسوت"، "حوالي 1500 قبل الميلاد"، والتي أرسلت سفن أسطولها، "مصر أول من صنع وقدم السفن والمراكب إلى العالم"، وهبطت هذه السفن في أرض "بونت" الساحل الشمالي الشرقي لإفريقيا، محملة بنباتات أعادها تحتمس الثاني من سوريا، ونحتت أشكالها على معبد الكرنك، وحملت هذه السفن، من مصر إلى إفريقيا وإليها من إفريقيا، العديد من أصناف النباتات والأشجار.  

وكان أصل محاصيل القمح والشعير والتمر جزءًا لا يتجزأ من كتاب التوحيد للمصريين القدماء، كما عكست اللوحات الفنية العديد لمشاهد الصيد والعروض، وكذلك التصاميم المعمارية للأعمدة، فالتطور للزراعة لم يحدث من فراغ.
 
أيضًا كان العرب، في القرن الأول الميلادي، أكثر تقدمًا من الأوروبيين، وخاصة في العلوم "الرياضيات وعلم الفلك"، والزراعة، وكان ابن سينا "980-1037"، طالبًا في علم النبات، وقد أصدر موسوعة قانونية طبية للنباتات حول الأعشاب، كانت مرجعًا للأطباء والصيادلة، وتحتوي على الكثير من المعلومات حول انتشار النباتات الجديدة.
 
الرصيد المصري والعربي في مجال الطبيعة والبيئة والعلوم والفلك والرياضيات والطب قديم، وكان كأنه هو التأريخ للتاريخ، واليوم حدث التزامن القدري بين مؤتمر المناخ في مصر "COP27"، يليه في العام التالي في "COP28" الإمارات، وهو تحد يفتح آفاق الفرص للدولتين وللعالم العربي، عبر فتح شراكات للاستثمارات الجديدة في القطاع الخاص، والبدء في ترجمة الوظائف الخضراء إلى واقع تطبيقي، ونقل التكنولوجيا وتوطينها في العالم العربي، وتقريب الفجوة بين البيئة والتنمية، وأيضًا الحفاظ على البيئة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، وهي قضايا حققت فيها كلتا الدولتان "مصر والإمارات" خطوات جادة وتقدم ملحوظ، يمكن أن تقود فيه الدولتان الكثير من المبادرات والمشروعات في نطاق المحيط العربي، وأيضًا الإفريقي.
 
ولعل إطلاق جائزة عالمية للاستدامة والمناخ تحمل اسم الملكة المصرية "حتشبسوت"، أو العالم العربي "ابن سينا"، يضيف إلى الاستدامة وإلى العمل المناخي على الكوكب، من الثراء العلمي والثقافي الكثير، قبل أن يضيف إلى مصر وإلى العالم العربي.  
 
أما مظلة الشراكة المصرية الإماراتية الفريدة، فإنها تستوعب كافة مجالات التعاون، ونتوقع في المجال البيئي والمناخي، أن تشهد هذه الشراكة صياغة جديدة متجددة لتكامل الأدوار بين دورتي مؤتمر المناخ  "COP27, COP28"، بين د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، وبين نظيرتها وزيرة التغير المناخي والبيئة في الإمارات مريم بنت محمد المهيري، باتخاذ مواقف جادة وبناءة، وأيضًا تنفيذية وليست إجرائية أو نظرية، في ملف التكيف والتمويل في العمل المناخي، والتركيز على الخطوات والبرامج والخطط الإجرائية والتنفيذية، فإذا كان "COP26" في جلاسجو العام الماضي، وضع الخطط والبرامج النظرية لملف المناخ، فإن "COP27" في مصر، العام الحالي، يعمل على ترجمة وتسييل هذه الخطط والبرامج إلى مراحل تنفيذية وإجرائية جادة على الأرض.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: