لا شيء "يهدينا" دروسًا واقعية في النجاح "كتأمل" تفاصيل حياة الناجحين؛ لنكتشف "أسرار" النجاح في العمل والحياة الأسرية والصحة النفسية والعلاقات الإنسانية؛ فالنجاح "الحقيقي" يشمل أكبر ما يمكن منهم جميعًا.
ولدت مارجريت تاتشر في 13 أكتوبر 1925 وتوفيت في 8 أبريل 2013؛ وما بينهما عاشت حياة حافلة..
عملت أمها خياطة للنساء وامتلك أبوها محلًا للبقالة وكان عضوًا محليًا في حزب المحافظين، وكان تأثيره كبيرًا عليها؛ فقالت إن الفضل يرجع إليه في حياتها وتفكيرها..
تعرضت كثيرًا لمضايقات لنشأتها المتواضعة حتى وهي رئيسة للوزراء؛ "وربما" كان ذلك سببًا في حدتها أحيانا.
تنبهت مارجريت لأهمية التنشئة المبكرة فقالت: كانت قراءاتي في الفترة المبكرة من حياتي الحجر الأساسي الذي أوصلني لما أصبحت عليه؛ فحاولت تطبيق ما قرأته في الواقع قدر استطاعتي".
تفوقت بالدراسة واعتزت بتفوقها؛ كان عمرها 9 سنوات عندما فازت في مسابقة لقراءة الشعر بمدرستها؛ وعندما هنأتها المشرفة بالمدرسة وقالت لها: كنت محظوظة بهذا الفوز؛ ردت: لست محظوظة أبدًا بل كنت مستحقة وجديرة بهذا الإنجاز، وأضافت أنها تثق دومًا أنها إذا عملت بجد فإنها تستحق الفوز؛ ولعل هذا كان مفتاح شخصيتها.
فازت بمنحة للدراسة في أكسفورد وتخصصت في الكيمياء وترشحت لأول مرة في الانتخابات لعضوية البرلمان كأصغر مرشحة وعمرها 24 عامًا ولم تنجح، وواصلت نشاطها بالحزب حتى فازت لاحقًا بالعضوية وعمرها 34.
اهتمت كثيرا بأول خطاب لها بالبرلمان لثقتها بأن الانطباع "الأول" يدوم دائمًا؛ وقدمت بثقة خطابًا ناجحًا شاملًا في 27 دقيقة.
كانت قوية وحازمة وحريصة -وقتئذ- على إبقاء العلاقات جيدة مع من يخالفونها في الرأي.
تولت أكثر من وزراة قبل أن تنافس على قيادة حزب المحافظين وتفوز برئاسته، وكان عمرها 49 عامًا كأول سيدة تشغل هذا المنصب في بريطانيا وفي أوروبا.
كانت أول رئيسة وزراء لبريطانيا والأكثر بقاءً في السلطة، ونجت من محاولة اغتيال بقنبلة زرعها أحد عناصر الجيش الجمهوري الايرلندي عام 1984 وانفجرت أثناء حضورها مؤتمرًا للحزب، وأطلقت عليها الصحافة الروسية لقب السيدة الحديدية.
واجهت بصلابة إضراب عمال مناجم الفحم ولم تتراجع؛ رغم موت بعض المضربين وتجاهلت المظاهرات ضدها، وتراجع العمال بعد عام كامل من الإضراب ونفذت الإصلاحات الاقتصادية التي اقتنعت بها، وكانت أول سياسي يفوز بثلاثة انتخابات متتالية.
حاربت الشيوعية بضراوة حتى أثناء الحرب الباردة وضاعفت قوة بلدها النووية، وأصرت بقوة على الحرب مع الأرجنتين لاستعادة جزر فوكولاند التي أعلنت الأخيرة بسط سيادتها عليها، وأعادتها لبريطانيا.
تزوجت عام 1951 من دونيس تاتشر وكان يكبرها بعشرة أعوام وكان ضابطًا سابقًا ثم عمل كرجل أعمال وحملت اسم أسرته وانتقلت اجتماعيًا وماديًا لمستوي "أفضل" بكثير مما عاشته في أسرتها وأنجبت كارول ومارك؛ الذي تسبب لها بالمشاكل أثناء حكمها؛ حيث كثرت مخالفاته للقانون، وأصبح مادة للصحافة المعارضة لاستهدافها.
كانت علاقتها بابنها سيئة وبابنتها أفضل، ولكن ليست جيدة؛ فقالت ابنتها إنها كانت تنتظر لأشهر لتقضي وقتًا مع أمها وكان صعبًا الكلام اللطيف مع أم تتحدث دومًا عن أزمات العالم!!
وقالت عنها: "كانت "تلهث" دومًا ولا تعترف بالانتصار وعندما تلقي خطابًا ناجحًا أو يمتدح الناس قرارها كانت تعود لمنزلها ويستبد بها القلق وتقول: والآن؛ ماذا سنفعل لو نجحنا؟ ماذا سيحدث لنا في العام المقبل؟ وكان أبي ينهي ذلك القلق بالصراخ بها كفي يا أمرأة؛ انتصرت اليوم انتصارًا عظيمًا وما يشغل عقلك ماذا سيحصل بعد عام؟
كان زوجها يدعمها كثيرًا ويهدئها قبل إلقاء الخطابات حيث كانت ترتبك وترتعش يداها، ووصفته صحيفة الإندبندنت البريطانية بأنه أعظم زوج عرفه التاريخ.
وقالت عنه مارجريت: لم أكن لأفعل ما فعلته لولاه؛ كانت نصائحه حادة وانتقاداته وسخريته لاذعة، ولكنه كان حساسًا فيقول لي ذلك وحدنا وليس أمام الناس، ويجعلني أرى الأمور في إطارها الصحيح، وعندما أخطئ أو أخرج عن شعوري؛ يجعلني أستعيد توازني، وياله من رجل وزوج وصديق، صاحب السلطة وحيد ومنصب رئيس الوزراء لا يجعل صاحبه يجد حوله كثيرًا من الناس، وأنا دائمًا وحيدة.
خضعت تاتشر لدروس مكثفة في تعلم مواجهة الناس بجاذبية، وحسنت من تسريحتها ومن ملابسها بعد رئاسة الوزراء، ولكنها لم تتخلص من عنادها؛ ففي نوفمبر 1990 "اضطرت" للاستقالة بعد تخلي الحزب عنها؛ لأنها لم تستمع لنصيحة زوجها الذي طالبها بألا تعتمد كثيرًا على "وفاء" زملائها السابقين، وقد ساهمت بتعاملها الحاد معهم "وبدكتاتوريتها" التي دفعتها للقول: أنا مع الإجماع؛ الإجماع حول ما أريده!!
دفعت ثمن عنادها؛ "فلم" تتحكم به وتحكم هو بها وجعلها تخسر منصبها وتضيعه، وتضطر للاستقالة بحزن لم تستطع إخفاءه، ووصفها زملاؤها بالحزب "بمختلة العقل" لتعاليها عليهم وسوء تعاملها معهم، واتفقوا على التخلص منها ووصفت ذلك بأنه خيانة مع ابتسامة على الوجه.
تحدثت في مذكراتها عن شعورها بغدر حلفائها؛ فقالت شعرت يومئذ والأيام التي تلتها كأنني أسير في نومي ولا أعيش ما يجري وأحس به، وغلبتني عواطفي وفاضت عيناي بالدموع.
رأت أن الناس قديمًا كانوا يدخلون السياسة ليفعلوا شيئًا، أما الآن فهم يدخلونها ليصبحوا مهمين تتركز عليهم الأضواء حتى لو لم يغيروا أي شيء.
كانت مفاجأة للعالم إصابتها بالخرف عام 2008 ، وهي التي كانت تحفظ الأرقام الكثيرة وتقولها دون النظر للأوراق وعرفت بالعقل المنظم.