راديو الاهرام

حديث الحرب: ما وراء "هرمجدون" العم بايدن!

15-10-2022 | 08:11

ما معنى أن ينعم العالم بالسلام؟
أي آدمي مجبول على الفطرة سيقول: إن السلام معناه أن تنعدم الحروب ويسود الوئام والإخاء، ومثل هذا المعنى الخالص النقي من شوائب النزاع والاقتتال لم يحدث على مر الأزمان أبدًا، طبقًا لإحصائية حديثة لعالم تاريخ أمريكي، سوى سنوات معدودة! ما يؤكد أن الحرب هي الأصل والسلام هو الاستثناء!
 
غير أن السلام المعاصر له معنى جديد ومختلف في أعراف الغرب الأمريكي.. إن الأساس الذي قامت عليه مملكة الرأسمالية المتوحشة يتكون في خامته الأولية على استبقاء حالة الحرب خارج حدودها؛ لأنها تقتات من الثمار الدامية النابتة على فروع شجرة الحرب، لهذا فإن السلام في عرف أمريكا معناه سلامها الشخصي في ظل نزاع عالمي دائم!
 
أكذوبة السلام الدائم!
اسأل أي مدرس تاريخ نابه هذا السؤال: أي عهد من عهود التاريخ خلا من الحروب؟ وانتظر الإجابة في صبر، لأن الإجابة ستعييه وتتعبه؛ إذ لا وجود لمثل هذا العهد منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل وإلى اليوم إلا نادرًا..

حينما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 انتقلنا لحقبة جديدة من الخطاب الإعلامي الإملائي، وبات الفكر المهيمن على كتابات المثقفين والصحفيين في بلدان المشرق العربي هو الفكر الانهزامي الذي يروج لبقاء الزعامة الأبدية للمحتل الذي اشترى منا سلامه بحربنا.
 
الأمر اختلف في الخطاب الإعلامي الذي يبثه الغرب اليوم.. الآن لا حديث إلا حديث الحرب، بل قل إنهم يعلنونها صراحةً أننا مقبلون على حرب النهاية! هكذا جاءت تصريحات بايدن في الأمم المتحدة.. فلماذا الآن؟ ولماذا لم تكن كل حروب الإبادة والمجازر التي ارتكبها غزاة مملكة الهنود الحمر حروب نهاية لحضارات ضاربة في القدم وبداية لحضارات أخرى جديدة؟! أليست هذه سنة البشر الماضية منذ آدم؟ أن تزول دول لتقام غيرها على أنقاضها!
 
صحيح أن الحرب الروسية الأوكرانية هي المانشيت الأوحد في العالم اليوم وأنها سوف تقود إلى حرب عالمية، ولكن دعونا نسأل مرة أخرى: متى لم تكن هناك حرب عالمية كبرى على مدار التاريخ الطويل؟ لقد قيل إننا على أعتاب حرب عالمية ثالثة على أساس أننا مررنا بحربين عالميتين فقط، وهذا كذب بواح.. فأين حروب الإسكندر المقدوني؟ وأين الحروب الصليبية منذ بطرس الناسك وحتى بوش الابن؟ وأين اكتساح هنيبعل للإمبراطورية الرومانية واجتياز جبال الألب حتى حدود روما؟ وأين غزو فارس للرومان واجتياح الرومان لفارس؟ وأين ملايين البشر الذين أبادهم جنكيز خان وسلالته؟ ولماذا نذهب بعيدًا وهذه أوروبا تجتاح الأمريكتين، ثم تستعبد إفريقيا، ثم تقسم العالم العربي إلى شراذم متناحرة؟ بل قل أين الاحتلال الصهيوني الذي جاء بمساندة كوكبية من سائر أعداء عالمنا العربي وظل قابعًا على أنفاسه يقتل ويدمر ويثير النزاعات والمؤامرات هنا وهناك؟ ثم تأتي أمريكا لتدعي أن العالم لم يمر سوى بحربين عالميتين فقط؟ إذا جاءت حرب عالمية أخرى جديدة فإنها ستكون حربًا عاشرة على أقل تقدير..
 
 لماذا يقتصر حديث الحرب على ما تراه أمريكا حربًا ضدها أو ضد حلفائها؟ بينما امتلأ التاريخ المعاصر بحروب لا تنتهي إلا لتبدأ، وكلها من صنع المارد الأمريكي الذي اعتاد الأكل على موائد الدمار والدم.
 
أمريكا والحرب العالمية العاشرة!
الخطاب السياسي والأكاديمي والثقافي والإعلامي وحتى الفلسفي في هذا العالم يجب أن يتغير.. هناك احتلال عالمي للعقول تزعمته الأنظمة الغربية منذ قنبلة هيروشيما وساد شرقًا وغربًا، وبات يصنع المؤسسات الإعلامية والكوادر الصحفية على عينه في قلب البلدان التي احتلها، ثم تركها ليراقبها من أعلى.
 
العالم في أغلبه محتل احتلالًا ثقافيًا فكريًا منذ أمد بعيد؛ حتى أن اللغة الأولى التي تم فرضها على سائر البلدان هي لغة شرطي العالم الأول، ولغة الاقتصاد العالمي هي لغة الدولار ثم اليورو..
 
لهذا نشهد في كتابات كثير من مثقفي بلداننا من يكتب في بلده لا عن بلده بل عن السيد الغربي الذي استطاع بقوته ومهارته أن يتزعم العالم، فباتت منطلقات الصحافة العربية تنشأ من هزيمة فكرية وثقافية وذلة ذاتية ورغبة محمومة للتبعية، والأدهى أنها تروج لمثل هذه الأفكار الانهزامية الذليلة داخل مجتمعات ذاهلة مشدوهة فاغرة الأفواه مسلوبة الوعي! والنتيجة أننا بتنا لا نكاد نصدق أن الحضارة الأمريكية، لا العالم، باتت على أعتاب بداية النهاية، بينما ربطت أمريكا وجودها بوجود الكوكب، كأن زوالها هو زوال العالم وبقاؤها بقاؤه!
 
الحرب القائمة لم تكن روسيا هي البادئة بها، بل إن أمريكا هي التي أعدت العدة لها، ثم استفزت خصمها الروسي للولوغ في خضم المعمعة، والآن تدعي أمريكا أن روسيا تهدد بالنووي، بينما الحقيقة أن أمريكا هي التي أوعزت للدب الروسي بهذه الفكرة الخبيثة، ثم حاصرتها في الزاوية حتى يصير البديل النووي هو بديلها الوحيد للخروج من الأزمة التي تسببت فيها أمريكا من الأصل! فلماذا تقود أمريكا العالم لهرمجدون المزعومة، بينما باتت هي نفسها الهدف الذي اجتمع عليه أعداؤها الثلاثة الكبار: الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟! أمر عجيب، كأنها تبحث عن زوالها وهلاكها وتحفر قبرها بنفسها!!
 
إذا توسعت الحرب وتحول التهديد النووي إلى واقع أليم فإن أوروبا ستكون أول الخاسرين لا كلهم، وسوف يأتي دور أمريكا في القائمة التي لن تنتهي بإلقاء قنبلة واحدة، بل ربما سلسلة من قنابل متتابعة من الجنوب والغرب والشرق حتى تصحو أمريكا على يوم تجد فيه نفسها وقد انتهت بلا رجعة! أما العالم فسوف يتضرر بالتأكيد ثم يعاد تشكيله من جديد، لكنه لن ينتهي بانتهاء دولة واحدة حتى لو كانت أمريكا.

ليست كل الحروب الأمريكية ذات نكهة واحدة.. فهناك نزاعات قبلية أثارتها أمريكا فى إقليمنا العربي، وصراعات سلطوية أثارتها فى إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وحروب هيمنة على شريطها الحدودى الجنوبى، وحرب صليبية قادها بوش الابن على أرض الفرات، وحروب أهلية أهاجتها أمريكا بأذنابها وأتباعها المزروعين هنا وهناك. نكهات دموية مختلفة على مائدة الحروب أمريكية الصنع. 

ورغم تعدد النكهات بين نكهة قبلية وسلطوية واقتصادية وعقائدية وعشائرية إلا أن المنبت الأصلى لكل هذه النزعات المتفرقة بذرة واحدة هى جوهر كل تلك الشرور وهى النرجسية والغطرسة التى تمتعت بها أمريكا منذ أخرست الجميع بقنبلة ألقتها على اليابان يوماً فخضع العالم خضوع خوف ورهبة. الغريب أن أمريكا تتستر خلف شعار زائف مضلل أنها بلاد الحرية والدعوة للسلام! أى حرية إلا حرية القهر، وأى سلام إلا سلام الحروب؟! إنه الصراع الأزلى بين ذات ترى نفسها الأسمى والأقوى فتضع نفسها قسراً على قمة العالم!
هذا الواقع الذى استمر وقتاً طويلاً يبدو أنه على وشك الزوال.. فأمريكا لم تعد كما كانت، بعد أن سقطت فريسة لوباء كورونا ثم للانقسام الداخلى بين حلفاء ترامب وبايدن وبعد الحرب الأخيرة التى جعلتها فى مواجهة مباشرة مع كل أعدائها الكبار والصغار.

هذه الحرب هي الحرب الوحيدة بين جميع الحروب السابقة التي دخلتها أمريكا بهدف مختلف؛ إذ كان هدفها ومازال هو القضاء المبرم على أعدائها المنافسين لها على زعامة العالم، روسيا والصين، فى السابق اكتفت أمريكا بتهديدهما أو التلويح بحرب باردة أو تخويفهما بحروب مصغرة على حدودهما، أما الآن فباتت المواجهة ساخنة ومباشرة ولا مناص من هزيمة أحد الطرفين أو كليهما.

إننا إذا استقرأنا التاريخ فلسوف يفاجئنا بحقائق صادمة أبرزها أن الحرب العالمية الثانية أفضت إلى زوال الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس برغم كونها فى الحلف المنتصر! فماذا لو فازت أمريكا فى الحرب القائمة بينها وبين روسيا على الأراضي الأوروبية؟ أليس من الراجح أن تُستنزف قواها الاقتصادية والعسكرية فى حربها طويلة الأمد حتى تخرج منها وقد تراجع ترتيبها العالمي إلى الذيل؟
 
ولادة السلام من قلب المعمعة

أمريكا وربيبتها المدللة إسرائيل كانتا دائمًا فى القلب من أي صراع أو أزمة ألمت بالعالم عموما والشرق الأوسط خصوصا..

فالشعوب مهيضة الجناح وخرائط الدول الصغيرة الممزقة كانت دائمًا هي مسارح الحروب للقوى العالمية ذات التوجهات الاستعمارية بمنطق الاستعمار الحديث الذي يتم بالريموت كونترول من أبعد نقطة خارج المسرح! فالذين يتلقون الضربات بصدورهم بدلاً من أمريكا هم عملاؤها وأنصارها وحلفاؤها، بينما تدير هي الأمر خارج حدودها، حتى في حرب اليوم بين الناتو وروسيا بعيدًا جدًا عن الحدود الأمريكية لم يبدُ أنه يزعج أمريكا كثيرًا ما دامت حدودها الجغرافية لم تُنتهك، فماذا بعد أن دخلت كوريا الشمالية فى أتون الحرب، وباتت حدود أمريكا الغربية مهددة؟ بل ماذا بعد أن عادت روسيا تهدد كل حدود أمريكا بغواصات نووية مخبأة وأسلحة تُنقل إلى الحدود الجنوبية لأمريكا في كوبا وأمريكا الجنوبية؟ بل ماذا عما فى الداخل الأمريكي نفسه من نواة صراع يبزغ بين النسيج الأمريكي ذاته: بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبين البيض والزنوج، وبين الباحثين عن الماء والفاقدين له، وبين أنصار بايدن وأنصار ترامب، وبين السي آي إيه وأجهزة المخابرات المعادية التي تعبث في العقل الإليكتروني لأمريكا؟!

الحرب الأخيرة حرب مكشوفة ليس بها أنصاف حلول، وهي حرب طويلة سوف يستمر أمدها حتى لو ألقيت في منتصف الرقعة قنبلة أو عدة قنابل نووية لن تنهي الحرب وإنما ستلهبها وترفع درجة سخونتها. 

فإلام ستؤدي مثل تلك المعركة المهلكة؟ هل يمكن أن تنتهي نهاية سعيدة أو شبه سعيدة؟ هل يمكن أن يتحقق من خلالها العدل المفقود بين دول ترى نفسها أنصاف آلهة ودول سحقتها الأزمات وأهلكتها المؤامرات؟ وهل يمكن أن تنبت شجرة السلام من قلب الجحيم المتأجج؟

فى ظني أن السبب الرئيسي الذي جعل كفة الظلم في العالم ترجح، هو التحالف الصهيوني الأنجلوساكسوني، فإذا أفضت الحرب إلى خلخلة هذا التحالف حدَّ السقوط ، فلسوف ينعم العالم بسلام، مهما كان سلامًا مؤقتًا كما هو شأن السلام على مر التاريخ. 

                                                  [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة