Close ad

الإصلاح بين المصالح والصالح

13-10-2022 | 16:15
الأهرام المسائي نقلاً عن

تحدثت كثيراً عن الإصلاح؛ سواء الاقتصادي أو المؤسسي، وناديت في العديد والعديد من المقالات بضرورة تحقق الإصلاح المؤسسي كشرط رئيسي إذا ما أردنا حقاً جني ثمار الإصلاح الاقتصادي.

لكن لماذا يصبح الإصلاح المؤسسي ضرورة مقترنة للإصلاح الاقتصادي؟ فالسبب يكمن في تبعيات الإصلاح الاقتصادي ذاته، فالإصلاح الاقتصادي وبمنتهى البساطة يعني تحقق حرية الأسواق على نطاق العرض والطلب للسلع والخدمات ويمتد بالتالي إلى حرية التجارة والصناعة والاستثمار، ليتحول دور الحكومة إلى الدور الرقابي والرقابي فقط بموجب التوجه نحو الإصلاح الاقتصادي، بمعنى أن يبدأ الانسحاب التدريجي للحكومة من كافة الأنشطة الاقتصادية التي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بها، مع التشجيع والإحلال التدريجي للقطاع الخاص في مختلف قطاعات الاقتصاد، وهو الامر الذي قد يقابل بمقاومة على كافة الأصعدة، لنجد أن خط المقاومة الأول يأتي من بعض أصحاب المصالح في عدد من الكيانات الحكومية للدول النامية، والرافضين ولو بصورة مستترة لتلك الإجراءات التحويلية حماية لمصالحهم.

وعلى جانب آخر بتحقق الإصلاح الاقتصادي ستكون الأسواق معرضة لسيطرة بعض أصحاب المصالح من المحتكرين الراغبين في تعظيم أرباحهم، وهو الامر الذي سيعرض بعض الفئات المجتمعية للمعاناة من حدة وقسوة الحياة المعيشية، ليتطلب الامر تحقق تكافؤ الفرص بين الفئات المجتمعية، والمقترنة بالجدية في تطبيق القواعد الرقابية المنوطة بالمهام الحكومية، لتقابل تلك الخطوة تحديداً بمقاومة مضاعفة، لتأتي المقاومة الأولى من الأطر المؤسسية الحكومية القائمة في الدول النامية، والتي ترفض التخلي عن مصالحها القائمة لتكون محاولات تسويف تحقق الإصلاح المؤسسي وعرقلته، ومن ثم التخاذل التدريجي في ترسيخ فكر العدالة وتطبيق الرقابة السوقية، في محاولات مستميتة للإبقاء على الوضع الراهن بشتى الطرق ودون مراعاة للصالح العام، وعلى جانب آخر يساند بصورة مستترة هذا التوجه بعض أصحاب المصالح من القطاع الخاص والذين يحققون المكاسب المبالغ فيها ببقاء الوضع على ما هو عليه وضعف الدور الرقابي وغياب منظور تكافؤ الفرص بين الطبقات المجتمعية، لتتحول خطوات تطبيق الإصلاح المؤسسي إلى خطوات ثقيلة تتحرك ببطء ممنهج، ودون التفات من أي من الأطراف إلى مراعاة الصالح العام، فكل ما يتم البحث عنه هو تحقق المصالح والابتعاد قدر المستطاع عن تحقيق الإصلاح المؤسسي.

وأحد أهم المصطلحات الشائعة والمتكررة بوضوح، والتي ترسخ من آليات الفساد المؤسسي ومناهجه المستترة، ومن ثم تبعدنا عن الإصلاح بشقيه المؤسسي والاقتصادي، حينما يتم اقتراح مؤسسي أو تطالب بتغيير ما يمكن أن يحقق فائدة مؤسسية، هو مصطلح "فلان يزعل أو فلانة تزعل"، فتلك الجملة تبعدنا كل البعدعن مجرد فكرة الإصلاح، لينتقل الإصلاح المؤسسي بتلك الجملة إلى خانة الشعارات، وتتحول الكيانات الحكومية بموجب تلك الجملة ٍإلى عزب خاصة تبتعد عن فكر المؤسسات، إرساءفحينما تسمع تلك الجملة، فعليك أن تتأكد من أن هذا الشخص قد أعطى الأولوية لكفة المصالح الشخصية كي تتغلب بسهولة على الصالح العام، ودون النظر إلى آية فوائد مجتمعية محتملة أو الأبعاد الاقتصادية المنتظرة نتيجة تلك الإصلاحات المؤسسية المقترحة.

فتلك الجملة بمفردها "فلان يزعل أو فلانة تزعل" كفيلة بهدم كافة القواعد المؤسسية ومن ثم الإصلاحات الاقتصادية، والغريب في الأمر أن تلك الجملة تصدر من أكثر الشخصيات علماً ودراية بعواقب الفشل المؤسسي، فلا يوجد دولة متقدمة تسير بذلك المبدأ،ألا وهو مبدأ "الخواطر"، لتتحول خطوة الإصلاح المؤسسي بموجب تلك الجملة إلى العثرة الكبرى أمام تحقق نجاح البرامج الاقتصادية التي قد تنتهجها الدول النامية، وذلك نتيجة البحث عن المصالح الشخصية منفردة والتي قد يشترك فيها فرد أو قد تكون مصالح شخصية متشابكة لمجموعة من الأفراد، لتظهر بصورة صريحة أو مستترة في صورة العرقلة المؤسسية والتي تستهدف التباطؤ المؤسسي، ومن ثم الخوف من تحقق الشفافية والعدالة المجتمعية.

لتستمر الدول النامية في فشلها المؤسسي والاقتصادي، والمتمثل في ازدياد غالبية شعوبها فقراً، ويزداد إحكام القلة المسيطرة على بقاء الوضع على ما هو عليه تمسكاً بمصالحهم، والظاهر للعامة هو عدم نجاح البرامج الاقتصادية الإصلاحية، لكن الواقع هو الفساد المؤسسي المتوغل، وتكاتف أصحاب المصالح من أجل الابتعاد عن تطبيق الإصلاح المؤسسي، حفاظاً على مصالحهم الشخصية، ودون اكتراث بالصالح العام، والذي يتحقق بتحقق وترسيخ تكافؤ الفرص ومن ثم العدالة المجتمعية، ليجني الجميع ثمار الإصلاح الاقتصادي.

* خبيرة اقتصادية 

[email protected] 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: