راديو الاهرام

سوق الكربون.. استثمارات عالمية واعدة

11-10-2022 | 19:29
سوق الكربون استثمارات عالمية واعدةأرشيفية
سوزى الجنيدى
الأهرام العربي نقلاً عن

مصر يجب أن تكون من أولى الدول الرائدة فى إقامة سوق لتداول الكربون

أحد الحلول بعد عدم وفاء الدول بالتزاماتها بدفع بليون دولار سنويا

هناك استعدادات مصرية ودراسات تتم فى وزارة المالية والوزارات الأخرى المعنية بحيث تستطيع الحصول على تمويل المشروعات صديقة للبيئة من الدول الصناعية

ارتفع حجم تعويضات الكربون المبيعة ضمن الأسواق الطوعية، إلى أكثر من مليار دولار لأول مرة فى عام 2021

تستعد مصر لإطلاق منصة تسويق الكربون، كتجارة دولية تمثل منحًا وحوافز مالية للشركات، مقابل خفض الانبعاثات للتشجيع على التوافق البيئى والمستدام، فى إطار الاستعداد لاستضافة مؤتمر المناخ cop 27، الذى يعد حدثًا تاريخيًا، سيسهم فى إحداث نقلة للقضايا البيئية فى مصر، وتستمد منصة تداول الكربون  آليات تمويلها من رسوم تسجيل الشهادات، باعتبارها سوقًا لعرضها، أما المشترى لتلك الشهادات، فهو عبارة عن شركة أو دولة تجاوزت الحد المسموح لها من الانبعاثات، ووجب عليها شراء شهادة بالخفض.

هناك دولً تقوم بشراء تلك الشهادات أيضًا، نظرًا لالتزامها بمعدلات دولية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى، إذ تعد المنصة سوقًا لجذب الشركات الأجنبية لشراء الشهادة بنسب الخفض المطلوبة.

وكان الدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتنمية المستدامة، المدير التنفيذى بصندوق النقد الدولى، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر COP27،  قد أكد أن مصر يجب أن تكون من أولى الدول الرائدة فى إقامة سوق لتداول الكربون، وأن تعمل بقوة على تطبيق تلك المنصة فى أسرع وقت.

وأضاف أنه من الممكن أن تتداول الشركات شهادات الكربون، حتى لو لم يتم إطلاق سوق رسمية للكربون للبيع أو للشراء، من خلال الأسواق الخارجية، متوقعًا أن تصبح مصر منصة عربية وإفريقية لتداول شهادات الكربون فى الفترة المقبلة، وذات ريادة فى الأسواق الناشئة فى هذا الشأن انتفاعًا بالتجارب الدولية الناجحة.

وتابع: إنه يجب زيادة الحصة التمويلية المخصصة لمشروعات التكيف، مقارنة بمخصصات مشروعات التخفيف، مضيفًا أن حجم مخصصات التخفيف تُمثل ٪80، مقارنة بـ ٪20 لتمويل مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، لتلبية تطلعات البلدان والمؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدنى، للمشاركة فى القضايا البيئية.

ويشير السفير وائل أبو المجد، ممثل وزير الخارجية سامح شكرى، الرئيس المعين لمؤتمر  cop 27، الذى سيعقد فى شرم الشيخ نوفمبر المقبل فى رده على سؤال «الأهرام العربى»: إن مؤتمر cop 27 ستعقد على هامشه قمة يرأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى، للرؤساء و الزعماء ورؤساء الوفود المشاركين فى مؤتمر cop 27، والذى سيشارك فيه 30 ألفا منهم  (بجانب الوفود الرسمية)، آلاف المشاركين من ممثلى المنظمات غبر الحكومية.

وحول ضعف التمويل، يؤكد أن هناك تقصيرا شديدا فى مسألة التمويل من الدول الكبرى، حيث تم فى عام 2009، الاستقرار على جمع مائة بليون دولار سنويا،  للإسهام فى التكيف والتأقلم وتمويل المشروعات والأبحاث لخفض الانبعاثات الحرارية، لكن لم يتم الالتزام بهذا فى أية سنة من السنوات منذ ذلك الحين

وأضاف أن هناك ثلاثة أسباب حاليا، ربما كان لها تأثيرها، وهى كوفيد 19 والحرب الروسية - الأوكرانية، والتوتر فى العلاقات الأمريكية - الصينية، وكلتا الدولتين مطلوب منهما التعاون فى ملف الحد من الانبعاثات

وحول ما إذا  كان سوق الكربون، وتمويل مشروعات صديقة للبيئة فى الدول الفقيرة يعد مسارا مساعدا، خصوصا أن الدول الصناعية  فشلت فى تنفيذ تعهداتها بدفع مائة بليون دولار، للمساعدة فى خفض الانبعاثات.

وقال السفير وائل أبو المجد: إن التمويل الذى يتم حاليا من الدول الكبرى يفتقر إلى العدالة بالكامل لأنه أولا غير كافٍ، وموجه إلى الخفض والتخفيف من الانبعاثات، على حساب هدف التكيف مع الوضع الحالى، وهو أمر سيسبب فى خسائر وأضرار كبيرة،  وللأسف، فإن التمويل قائم على إعطاء قروض وليس المنح، وبالتالى فالدول غير الصناعية تحصل على قروض لسداد فاتورة أخطاء لم ترتكبها، بل ارتكبتها الدول الصناعية التى تعطى القروض وتستفيد منها.

ويشير إلى أن سوق الكربون، يعتبر أحد الحلول، وتم بحثه فى المادة 6 فى مؤتمر coop 26، فى جلاسجو ببريطانيا.

وعن دخول مصر إلى سوق الكربون، أشار إلى أن هناك استعدادات مصرية ودراسات تتم فى وزارة المالية، والوزارات الأخرى المعنية، بحيث تستطيع الدخول فى سوق الكربون، وبالتالى الحصول على تمويل المشروعات صديقة للبيئة من الدول الصناعية تنفيذا لفكرة سوق الكربون.

كيف تعمل سوق الكربون؟

وتعد سوق الكربون إحدى المصطلحات التى ظهرت حديثا، وبرغم أنها أصبحت مصطلحا شائعا، فإن البعض يعتبره مضللا لنظام تجارى يمكن من خلاله للبلدان شراء أو بيع، وحدات من انبعاثات الاحتباس الحرارى، فى محاولة للالتزام بالحدود المسموح بها للانبعاثات، وذلك بموجب بروتوكول كيوتو أو اتفاقيات أخرى، ويُعزى اعتماد هذا المصطلح إلى حقيقة أن ثانى أكسيد الكربون، هو غاز الاحتباس الحرارى السائد، ويتمّ قياس انبعاثات الغازات الأخرى، بوحدات تسمى مكافآت ثانى أكسيد الكربون، وبالتالى فإن إحدى الدول الصناعية التى لديها مشاريع تؤدى لانبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون، أكثر من الحدود والحصة المفروضة يمكنها تمويل مشروعات صديقة للبيئة فى دولة أخرى غير صناعية، وليس لديها حجم كبير من انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون، فى مقابل شراء جزء من حصتها من الانبعاثات للغاز، أو يمكنها جدولة ديون تلك الدولة لديها، خصوصاً أن سوق الكربون يمكن أن يصل إلى 50 مليار دولار تقريبا.

ويرى البعض، أن سوق الكربون مهمة (خصوصا مع عدم قدرة الدول الصناعية على الوفاء بدفع بليون دولار سنويا، التى تم التعهد بها منذ عام 2009 ولم يتم الوفاء به أية سنة)، وبالتالى فسوق الكربون يمكن أن تكون مسارا موازيا، لحصول الدول غير الصناعية المتضررة من الانبعاث الحرارى والتغير المناخى، على فوائد من خلال تمويل مشروعات بها،  بينما يرفض البعض الآخر، فكرة سوق الكربون لأنه فى النهاية ستظل الانبعاثات لثانى أكسيد الكربون، موجودة دون تقليل نسبتها على المستوى العالمى

بينما يرى فريق ثالث، أنه يمكن استخدام فكرة سوق الكربون بطريقة مختلفة، فبدلا من تمويل الدول الصناعية لمشروعات يمكنها إزالة ديون أو إعادة جدولتها لدول متضررة، فى مقابل شراء جزء من حصتها من  الانبعاثات، بجانب نقل تكنولوجيا تساعدها فى مجال البيئة، والتكيف مع التغير المناخى، وهى فكرة بدأت تجد رواجا حاليا.

وتتيح أسواق الكربون، خيارا للتعويض عن تكاليف التحول عن استخدام الوقود الأحفورى، والاتجاه نحو التحوّل إلى اقتصاد أخضر.

وتساعد أسواق الكربون على تعبئة الموارد، وتقليص التكاليف بما يتيح للبلدان والشركات المجال لتسهيل التحول، إلى اقتصاد منخفض الكربون، وتشير التقديرات إلى أن تداول أرصدة الكربون قد يخفض تكلفة تنفيذ المساهمات الوطنية فى مكافحة تغير المناخ، بأكثر من النصف - بما يصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030. وبمرور الوقت، من المتوقع أن تصبح أسواق الكربون زائدة على الحاجة مع وصول كل بلد بصافى الانبعاثات إلى الصفر، وتلاشى الحاجة إلى تداول حقوق الانبعاثات.

وسيصبح بمقدور البلدان بموجب المادة 6، من اتفاق باريس التعاون بطرق مختلفة لتحقيق أهدافها المناخية، ويمكن أن يكون العامل الأساسى للنجاح فى خفض الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، هو البنية التحتية الرقمية التى تكفل أمن البيانات التى تم التحقق منها، وأن يجرى حساب التخفيضات وتتبعها على وجه الدقة.

تتألَّف هذه البنية التحتية الرقمية من أنظمة للرصد والإبلاغ والتحقق، مع ربط بيانات انبعاثات الغازات الدفيئة، ووحدات خفضها بالسجلات الوطنية أو الدولية. ويُمكِن أن تقدم التكنولوجيات الجديدة سريعة التطور - مثل تكنولوجيا البلوك تشين - مزيدا من المساعدة لتحقيق الشفافية، وضمان أن أرصدة الكربون، لا يمكن أن يطالب بها إلا بلدٌ واحد: إما البلد الذى تفادى انبعاثات غازات الدفيئة أو أزالها، أو البلد الذى اشتراها فى شكل رصيد كربونى من أجل استخدامات مختلفة.

بدايات اكتشاف التغير المناخى

لكن قبل أن نتطرق لتفاصيل سوق الكربون، علينا أن نفهم بدايات  اكتشاف التغير المناخى وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، بسبب انبعاثات الغازات التى يسببها بشكل كبير الاعتماد على الوقود الأحفورى، مثل النفط والفحم وبدرجة اقل  الغاز الطبيعى، ففى عام 1980 ظهرت دعاوى التغير المناخى على المستوى الدولى، حيث قدم العالم  جيمس هانسين  فى 22 يونيو 1988، شهادته فى الكونجرس الأمريكى، ليؤكد أن درجة حرارة الكرة الأرضية، ترتفع بسبب الانبعاثات الحرارية، لكن لم يتحرك أحد وقتها، وبعدها فى 1992 عقدت قمة الأرض فى ريو دى جانيرو بالبرازيل، حيث تم التوصل لثلاث اتفاقيات، وافقت عليها كل الدول لمعادلة تركيز الغازات، للتأكد أنها لا تخرج الانبعاثات الضارة بالمناخ، وفى عام 1997، تم عقد قمة كيتو باليابان، التى بدأت فى وضع هذا  الهدف للتنفيذ، لكن الولايات المتحدة رفضت الاعتراف أو التنفيذ، وفى قمة كوبنهاجن 2009 تم التأكيد على أن الوقت يمر بسرعة، ولابد من تقليل الانبعاثات، واستغرق الأمر سنوات أخرى قبل أن تتفق الدول فى مؤتمر cop 21،  فى باريس 2015،  على ضرورة العمل لخفض درجة حرارة الأرض، أقل من 2 درجة مئوية أو 1 ونصف درجة مئوية، لكن اتفاقية باريس للأسف لم تتطرق بشكل قوى إلى المسئولية التاريخية للدول الصناعية، ولهذا اعتبرها البعض غير عملية، وتحدثت الاتفاقية فقط عن التأقلم والحد من آثار التغير المناخى، والتمويل ولم تتطرق إلى  ضرورة  المنع للانبعاثات الحرارية والجدول الزمنى لذلك.

سوق الكربون 

والجدير بالذكر أن  عددا متزايدا من البلدان، يريد المشاركة فى أسواق الكربون للوفاء بأهدافها المتعلقة بتغير المناخ، وقد أصبح الأردن أول بلد نام يقيم بنية تحتية رقمية متكاملة، لتتبع تخفيضات الانبعاثات العالمية الغازات الدفيئة والاتجار فيها.

على مدى عقود، كان يُنظر إلى أسواق الكربون على أنها جزء من الحل لمشكلة تغير المناخ، وكان يهيمن عليها فى الغالب القطاع الخاص، لكن هذا الوضع سيتغير قريبا، فأكثر من ثلثى البلدان، تعتزم استخدام أسواق الكربون للوفاء بمساهماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ فى إطار اتفاق باريس، وتعكف بلدان مثل شيلى والبرازيل وغانا، وسنغافورة وفانواتو بالفعل على إقامة بنية تحتية رقمية متكاملة، على أحدث طراز لدعم مشاركتها فى أسواق الكربون الدولية.

تتطور بسرعة هذه الحلول الرقمية المبتكرة، مع اقتراب سوق الكربون الدولية الجديدة من أن تصبح حقيقة واقعة. وكان المندوبون فى الاجتماع العالمى بشأن تغير المناخ 2021 (مؤتمر الأطراف السادس والعشرون) فى جلاسجو، قد وافقوا على المادة 6 من اتفاق باريس والخاصة بالقواعد المُنظِّمة لأسواق الكربون الدولية، وأطلقت هذه الموافقة إشارة البدء لقيام سوق، يُمكِن فيها للبلدان تداول أرصدة الكربون التى تتولَّد عن تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة أو إزالتها من الغلاف الجوى - مثلا عن طريق التحول من استخدام الوقود الأحفورى إلى الطاقة المتجددة، أو بزيادة مخزونات الكربون أو حفظها فى المنظومات البيئية مثل الغابات.

بلدان شراكة التجهيز  لسوق الكربون

ويتعين الآن على أكبر الجهات المسببة للتلوث فيها، الإبلاغ عن انبعاثاتها ودفع 23 دولارا، للطن المترى الواحد من التلوث الكربونى، مما يخلق حافزا للحد من انبعاثاتها من غازات الدفيئة.

كما تعمل بلدان أخرى، على تمهيد الطريق لأدوات جديدة للسوق مستقبلا يمكن أن تحد بشكل فاعل، من تكلفة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، وقد التقت  هذه البلدان أخيراً  بصفتها أعضاء فى شراكة تجهيز الأسواق، وهى تحالف يتكون من أكثر من 30 من البلدان المتقدمة والبلدان النامية التى بدأت تعمل معا فى عام 2010.

وتتكون هذه الشراكة من نحو 12 مساهما مشاركا، من بينها أستراليا واليابان و16 بلداً من من بينها الصين وشيلى، وتعكف البلدان المنفذة على وضع مقترحات من أجل الحصول على تمويل فى شكل منح. وتختلف الأساليب من بلد إلى آخر، لكن العنصر المشترك هو استخدام أدوات فاعلة من حيث التكلفة، تستند إلى السوق لخفض انبعاثات الكربون وبناء البنية التحتية للتجهيز، والاستعداد لتحقيق ذلك.

الشراكة من أجل التوصل لحلول لمشاكل المناخ

توفر شراكة تجهيز الأسواق منبرا للبلدان لتبادل الخبرات، واستكشاف وتطبيق أساليب مبتكرة للتخفيف من آثار غازات الاحتباس الحرارى، بعيدا عن توتر المفاوضات الدولية، المرتبطة باتفاقية  الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ.

وهناك إدراك متزايد بالحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، وإذا لم تقم الجهات المسئولة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، باتخاذ إجراء، فإن درجة حرارة العالم يمكن أن ترتفع بحلول نهاية القرن 4 درجات مئوية، عما كانت عليه فى بداية الثورة الصناعية، وستؤدى تأثيرات ذلك على الزراعة والأمن المائى، وارتفاع مستوى سطح البحر إلى عواقب وخيمة على المجتمعات فى جميع أنحاء العالم.

ويعتبر العلماء أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، هو الحد الأقصى الذى يمكن معه توفير السلامة، وهو ما يتجه إليه العالم إذا التزمت البلدان بتعهداتها بشأن خفض انبعاثاتها الحالية. وسيعتمد تحقيق ذلك على الإجراءات التى تتخذها بلدان، مثل البلدان الأعضاء فى شراكة تجهيز الأسواق والإجراءات التى ستتخذها البلدان التى ستنجح فى أن تحذو حذوها.

لماذا ظهرت أسواق الكربون؟

يأتى الاتجاه المتزايد نحو أسواق الكربون عامة، مع سعى الدول والشركات إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربونى، من أجل تفادى أسوأ تداعيات جراء تغيّر المناخ.

وفرضت دول عديدة آليات لتسعير الكربون، لإجبار الشركات والقطاعات على خفض الانبعاثات، فإنها مجبرة على دفع ثمن التداعيات السلبية التى تفرضها على البيئة. ومع السعى إلى خفض الانبعاثات، ظهرت عقبات فى الطريق نحو الطاقة النظيفة؛ فهناك قطاعات كثيفة الكربون، مثل التعدين والصناعات المختلفة التى يصعب القضاء على انبعاثاتها، بمعنى أوضح هناك انبعاثات لا مفر منها ولا يمكن كهربتها - أو تحويلها إلى كهرباء نظيفة.

وهنا جاءت فكرة تجارة الكربون، إذ تستطيع شركة ما التعويض عن كل طن من الانبعاثات التى تتسبب فيها، من خلال المساهمة فى مشروع منخفض الكربون، أو عن طريق دفع مقابل مادى، يوازى سعر طن الكربون.

واتسعت هذه الفكرة إلى أسواق تربط المؤسسات، والشركات التى تولد انبعاثات الكربون بالكيانات التى لديها فائض فى الحد من الكربون، أو تطور مشروعات صديقة للبيئة.

نشأة أسواق الكربون

بدأت فكرة أسواق الكربون عام 1997، عندما وقّعت 180 دولة بروتوكول كيوتو، مع إمكان الدول الأكثر ثراءً تقليل انبعاثاتها من خلال الدفع مقابل تطوير مشروعات منخفضة الكربون فى الدول الفقيرة، وهذا بهدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، بين عامى 2008 و2012 بنحو ٪5 دون مستويات عام 1990.

واتضح أن هذا الهدف كان طموحًا مبالغًا فيه، فى عالم أدمن الوقود الأحفورى، خصوصا مع انسحاب الولايات المتحدة، من بروتوكول كيوتو عام 2001 وتبعتها دول أخرى لاحقًا.

 وبرغم فشل الدول حتى الآن فى إنشاء سوق عالمية لتجارة الكربون، برغم التأكيد على ذلك فى المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ، فإن الاتحاد الأوروبى كان أول من يتخذ خطوة على الطريق الصحيح فى هذا المجال، من خلال إنشاء نظام لتداول الانبعاثات عام 2005، ليغطى حاليًا أكثر من ٪40 من إجمالى انبعاثات المنطقة.

وحتى إبريل 2020، كان هناك 23 نظامًا لتجارة الكربون فى العديد من الدول، مثل: كازاخستان وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيوزيلندا وسويسرا وكندا، تغطى ٪9 من الانبعاثات العالمية، بحسب وكالة الطاقة الدولية. وبصفة عامة، يوجد أكثر من 60 برنامجا خاصا بتجارة الكربون على المستويات المحلية والوطنية، 

الفرق بين الأسواق الطوعية والإلزامية

فى أسواق الكربون الإلزامية، تكون الشركات ملزمة بشراء أرصدة الكربون عندما تزيد انبعاثاتها على حد معين، من خلال تصاريح تُصدر من الحكومات، كما هى الحال فى نظام تداول الانبعاثات الأوروبى.

كما يمكن للشركات الأقل إطلاقًا للانبعاثات من الحد المسموح به بيع تصاريحها الإضافية، لكيانات أخرى تصدر انبعاثات كثيرة، وهذا يُجنب الأخيرة عقوبات تفرضها الحكومة، بموجب نظام تداول الانبعاثات.

أما أسواق الكربون الطوعية، فإنها كما يوحى اسمها تكون اختيارية، وتسمح للشركات التى تخطط للحياد الكربونى، ولا تندرج تحت أنظمة تداول الانبعاثات الوطنية بأن تحقق أهداف خفض الانبعاثات، سواء من خلال تجنب الانبعاثات على طريق زراعة الأشجار مثلًا، أو إزالة هذه الانبعاثات من خلال استخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.

وتتيح أسواق الكربون الطوعية خفض الانبعاثات على طول سلسلة القيمة، فى حين تغطى الأسواق الإلزامية الانبعاثات المباشرة فقط ،وبرغم ذلك، فإنه لا تزال الأسواق الطوعية تغطى أقل من ٪1 من إجمالى الانبعاثات عالميًا، مقارنة بـ٪20 للأسواق الإلزامية.

سعر الكربون

أكد صندوق النقد أخيرا، ضرورة وجود نظام دولى لتسعير الكربون، وتحديد حد أدنى للسعر عند 75 دولارًا للطن بحلول 2030، إذ توفر عملية تداول الكربون ما يقرب من 250 مليار دولار سنويا، من تكلفة معالجة الأضرار البيئية.

فى أسواق الكربون الإلزامية، يختلف سعر الكربون حسب نظام تداول الانبعاثات فى الدولة، فأسعار الكربون فى أوروبا تختلف عن الصين وكندا على سبيل المثال.

 ويدعو صندوق النقد الدولى، إلى وضع سعر عالمى للكربون من أجل مساهمة أكبر فى خفض الانبعاثات، مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة كل دولة.

وحسب صندوق النقد، فإن الحد الأدنى لسعر الكربون يجب أن يبلغ 75 دولارًا للطن للاقتصادات المتقدمة بحلول 2030، و50 دولارًا لاقتصادات الأسواق الناشئة ذات الدخل المرتفع مثل الصين، و25 دولارًا للدول ذات الدخل المنخفض مثل الهند.

وأخيرا، وصل سعر الكربون فى أوروبا إلى أكثر من 90 يورو للطن (100.8 دولار.

 وفى هذا النوع، وبرغم أن السعر يتحرك بناءً على العرض والطلب، فإنه يمكن للحكومة أن ترفع أو تخفض متوسط أسعار الكربون، على الأسواق الطوعية التى تبتعد عن تدخلات الأسعار.

 وفى كندا، تهدف الحكومة إلى رفع سعر الكربون إلى 170 دولارًا كنديًا (136 دولارًا أمريكيا) بحلول نهاية العقد الجارى.

وفى الأسواق الطوعية، يبلغ متوسط سعر تعويضات الكربون المتداولة حاليًا 5 دولارات للطن تقريبًا، بحسب وود ماكنزى.

ويحدد سعر تعويضات الكربون فى هذه الأسواق غير الإلزامية، حسب فئة المشروعات وجودتها فى خفض الانبعاثات، إذ تُعد مشروعات الغابات واستخدام الأراضى، والطاقة المتجددة الفئات الأكثر شيوعًا للتعويض، مع تداول مشروعات استخدام الأراضى، بأسعار أعلى 5 مرات من الطاقة المتجددة، بحسب بنك الاستثمار الهولندى آى إن جى.

توقعات باستمرار الزخم

ارتفع حجم تعويضات الكربون المبيعة ضمن الأسواق الطوعية، إلى أكثر من مليار دولار لأول مرة فى عام 2021.

ويمكن أن يزيد الطلب على تعويضات الكربون 15 مرة، أو أكثر بحلول عام 2030، ونحو 100 مرة منتصف القرن الحالى.

وبصفة عامة، يمكن أن تزيد قيمة سوق ائتمانات الكربون على 50 مليار دولار فى عام 2030. ومع ذلك، من غير المرجح أن تحل الأسواق الإلزامية محل نظيراتها الطوعية، بل سيستمر الاثنان فى النمو معًا، وسيشهد كلاهما زيادات كبيرة فى الأسعار والنطاق، بحسب شركة الأبحاث.

وقد عرض الاقتصادى راجورام راجان، الأستاذ بجامعة شيكاجو، ومحافظ البنك المركزى الهندى الأسبق، مقترحاً جديراً بأن يكون محل تطبيق لتقليل الانبعاثات، من خلال ضرائب ونظم للتحفيز لخفض الكربون، وذلك بإلزام كل دولة تتجاوز المتوسط العالمى - البالغ نحو 5 أطنان للفرد- بأن تسهم فى صندوق حوافز عالمى بمقدار فائضها من الانبعاثات الذى يزيد على المتوسط العالمى للفرد مضروباً فى عدد الأفراد، وفى القيمة الاسمية للحافز، فلتكن مثلاً دولاراً للطن.

وفى هذه الحالة ستدفع الولايات المتحدة التى يبلغ متوسط نصيب الفرد فيها 3 أمثال المتوسط العالمى حوالى 3.6 مليار دولار سنوياً، وتحصل الدول التى يقل فيها نصيب الفرد عن المتوسط العالمى تعويضاً، ووفقاً لهذا المثال ستحصل دولة مثل أوغندا على نحو 200 مليون، باعتبار سعر الطن - وفقاً للمثال - دولاراً واحداً، وستحصل على مضاعفات هذا الرقم مع تعديل السعر المتفق عليه لطن الكربون.

وهذا سيعين الدول الإفريقية على التعامل مع تحديات المناخ والتكيف معها، ويمكن البدء فى هذا الصندوق، وربطه بسوق الكربون، وتطويره فى إفريقيا، ثم التوسع فيه عالميا.

كلمات البحث