Close ad

عتبات الوهم والأحزان

11-10-2022 | 15:18
الأهرام المسائي نقلاً عن

حين تكون حزينًا، أنت لا تقول ذلك غالبًا بطريقة مباشرة: أنا حزين، لكنك تُعبر عنه بألف تعبير آخر، وشكل آخر، تحاول أن تجد أسبابًا ظاهرة غير تلك المخفية، تدعي مثلاً بأن الشاي ينقصه أو يزيد فيه بعض السكر، أو أن الصوت العادي أعلى من المعتاد، تغضب من كلمات عادية وأفعال عادية، وتُرهقك أشياء عابرة، وتلك ربما مأساة أخرى تُضاف لحزنك الأساسي.

ونحن لا نبوح دائمًا بأشد الأشياء أذى في قلوبنا، بل نتفاداها؛ نحاول أن نتفاداها، غالبًا نُفضل المضي في الطريق بأحزاننا ومتاعبنا بكتمان حتى أول تعثر، فنكتب كثيرًا، وببساطة نمحو كل ما كتبناه، نُخفي جاهدين أكثر لحظات شعورنا صدقًا، نحتفظ بأكثر ما نحب، وأسوأ ما نمر به، لنا فقط، تتعبنا التفاصيل وندعي بأننا حتى لم ننتبه لها، نركض في اتجاهات خاطئة ونردد طوال الطريق "ربما"، مُحملين بما مضى في الطريق، ومخاوف الآتي، يمتلئ قلبك بالأحزان وتبدو كأكثر البشر سعادة، تخاف؛ وتخاف أيضًا من أن تظهر كل التناقضات الراسخة في قلبك.

وربما أنه أصعب من متاعبك هو مقاومتها، أن تبقى دائمًا صامدًا أمامهًا؛ صامدًا حتى في التظاهر، ولو كان يسيرًا لفعل الجميع، لتمكنا دائمًا من عدم المبالاة، والتخطي، أن نطوي كل شيء في قلوبنا وندعي، نراوغ أمام كل الأشياء الواضحة، أمام كل ما فقدناه أو تمنيناه، ربما أنه أصعب من متاعبك هو مقاومتها لسنوات تبدو دقائقها أمام عينيك كأعوام منفردة، وكل موقف يبدو فيها لغيرك عابرًا وهو يقع على قلبك كحدث متكامل من الأذى.

لكننا وعند مرور كامل الدائرة في قلوبنا، بأن نعيشها أو ننتصر عليها منذ البداية أو بعدها، تصنعنا التفاصيل البسيطة؛ فلا ننساها ولا ننسى دروسها، كالنهوض بعد سقوط غير متوقع، أو الصبر أمام المتاعب المتتالية وقسوة الأيام، فتعلمنا الليالي الحزينة أكثر من السعيدة، ونُدرك حجم قوتنا عند نقاط التجاوز، نُدرك تدريجيًا أن التعثر بكل أشكاله جزء من الرحلة ومسيرة العمر والأيام، وأنه لن يمضي كل شيء دائمًا كما نريد، ونجد فائدة ما في هذا كله.

تُدرك لاحقًا أنك لم تكن في ضرورة لكثير مما عشته، للصدامات التي خضتها، والصدمات التي كُنت أحيانًا جزءًا من حدوثها، أنك كنت مُخطئًا في كثير من حسابات ما مضى، ودوافع الحزن وتفاصيله، وأنه ببساطة كان بالإمكان تفادي كثير من الخسائر في حياتك، وأسباب الأسى ومراحله والرهانات الخاسرة، نُدرك حكمة ما بعد النهايات، وما نخرج به من وعي، أن عتبات قليلة كان تفاديها يُمكن أن يختصر مسافات طويلة من الحزن، وأن بعض الأشياء الراسخة في قلوبنا كحقائق كانت فقط مجموعة من الأوهام أدركناها فيما بعد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
وائل نيل يكتب: المفاتيح التي فقدتها

المفاتيح هي أكثر الأشياء التي لا أؤتمن عليها، ولا أحفظ لها بقاءً مهما حاولت، وكم من باب كسرته بفعل ذلك مع كل مفتاح أفقده.

وائل نيل يكتب: عمر وفاتن .. وألزهايمر الذي لا يُنسى

كانت بداية معرفة عمر الشريف بفاتن حمامة بعد أن تعذر مشاركة شكري سرحان في بطولة فيلم صراع في الوادي ، ليحل عمر الشريف في أول ظهور له بديلاً عنه، وبعد مرور

وائل نيل يكتب: في ديسمبر لا تنتهي الأحلام

نسير في عرض الحياة وطولها، نتعثر يومًا ونمضي آخر، نضعف يومًا، ونقوى آخر، ندرك مع كل محطاتنا أن الحياة مراحل، تمامًا كما العمر، ولا شيء في تلك المراحل يبدو

وائل نيل يكتب: منعطفات العمر والأيام

لم تؤرقنا متاعب الهزائم بقدر ما أتعبتنا الصدمات، صدمات التخلي، والبقاء وحيدين عند نقطة الهزيمة، أن تلتفت فلا تجد أحدًا، أن يهرب الجميع حتى هذا الذي كنت

وائل نيل يكتب: مكاسب الرحلة

لم تكن النهاية دائمًا بالشكل الذي أريده، كم مرة وددت أشكال أخرى لنهايات أكثر منطقية، أكثر عدلاً، لم تكن النهايات بالشكل الذي توقعته لكنها علمتني أن بعض

وائل نيل يكتب: حكمة الوقت المناسب

الوقت المناسب.. مفهوم عصي على الفهم والتفسيرات المنطقية، نقف أمامه بمحاولات استيعاب، لماذا حدث هذا كله في ذلك الوقت تحديدًا؟ لماذا ظهرت أمامي تلك الجملة؟

عندما تفرق الثانية

اعتدت كثيرًا سماع "لن تفرق الثانية"، ولن تفرق الثانية فعلاً في كل أحداثنا العادية، لكنها ستفرق وتفرق جدًا في مواضع أخرى، تفرق لمن تركناه خلف حدود الاشتياق،