حزب الخضر الألمانى بزعامة «أنالينا بيربوك» يرسم السياسة الألمانية والأوروبية
موضوعات مقترحة
التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية باتت أقوى دعاية لهذه الأحزاب
وصول الديمقراطيين والرئيس جوزيف بايدن للحكم شكل دعما لها فى العالم
الشباب الأوروبى يضع ثقته فى «أحزاب الخضر» التى تتمتع بانضباط أجندتها المناخية
إنجليس إمسيس من لاتفيا هو أول زعيم لحزب الخضر يصل لمنصب رئيس الوزراء عام 2004
80 حزبا أخضر حول العالم.. تهتم بقضايا شعبية مثل الطاقة والأمن الغذائى وتآكل الجزر
حتى وقت قريب، كان الانتماء للأحزاب التى تدافع عن البيئة «أحزاب الخضر»، سواء فى أوروبا أم غيرها، بمثابة نوع من « الرفاهية السياسية «، لكن مع تأكد الشعوب أن قضايا المناخ والحفاظ على الكوكب تتعلق ليس فقط بمستقل الشعوب، بل بوجودها، بدأ الجميع فى كل دول العالم، يعطى آذاناً صاغية للأحزاب التى تدعو للحفاظ على البيئة، التى يطلق عليها «الأحزاب الخضراء»، وخلال العامين الأخيرين، نجحت أحزاب الخضر فى الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد فى الانتخابات، التى شهدتها أوروبا على سبيل المثال، وهو ما جعلها ليس فقط شريكا فاعلا فى صياغة السياسات الوطنية والأوروبية، بل ومشارك فى الحكومات والوزارات.
كادت أنالينا بيربوك مرشحة حزب الخضر الألمانى لمنصب المستشارية، أن تصبح مستشارة لألمانيا فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى سبتمبر 2021، لكنها تشارك اليوم باعتبارها الكتلة البرلمانية الثانية فى الحكومة الألمانية، وتتولى منصب وزيرة الخارجية، بعد أن حصل الحزب على الكتلة الثالثة فى البرلمان الألماني، بعد الحزب الاتحادى الاشتراكى بقيادة المستشار أولاف شولتز، والحزب الاتحادى الديمقراطي، وكانت مشاركة حزب الخضر الألمانى فيما يسمى بـ»تحالف إشارة المرور»، الذى يضم بجانب الخضر حزب المستشار أولاف شولتز والحزب الديمقراطى الحر، هو السبب النهائى فى إقصاء الحزب الاتحادى الديمقراطي، الذى كانت تتزعمه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل عن منصب المستشارية، وما ترتب على هذا من تغيرات هائلة فى السياسة الأوروبية.
كل هذا كان نتيجة حصول حزب الخضر الألمانى على عدد من المقاعد غير مسبوق فى التاريخ الألماني، بعد أن حصل على 118 معقدا، البالغ عدد مقاعده 735 ، وهو ما يؤكد أن أحزاب الخضر التى كانت تأتى فى المرتبة الأخيرة بين الأحزاب السياسية، باتت تأخذ الناخبين والمقاعد البرلمانية من أحزاب عريقة سواء فى اليمين أم اليسار، وذلك لأول مرة منذ أن حقق الخضر قفزة أكبر عام 1998، عندما أصبحوا أعضاء فى الائتلاف مع الحزب الديمقراطى الاجتماعى يسار الوسط، وأصبح زعيمهم، يوشكا فيشر، نائب المستشار ووزير الخارجية، فالتغيرات المناخية التى بات يلمسها كل سكان العالم، أصبحت أكبر داعم وأقوى دعاية لأحزاب الخضر فى جميع أنحاء العالم، وهذه النتائج التى شاهدها العالم فى ألمانيا، تذكر بنفس الصورة فى دول مثل اليونان والسويد وفرنسا وإيطاليا، التى حصلت فيها أحزاب الخضر على عدد من المقاعد غير مسبوق فى تاريخ هذه الدول، وتاريخ هذه الأحزاب منذ تأسيسها وانفصالها عن الأحزاب اليسارية فى بداية النصف الثانى من القرن العشرين.
من يراجع نتائج انتخابات البرلمان الأوروبى التى شارك فيها نحو 500 مليون ناخب فى مايو ويونيو 2019، يتأكد له أن «أحزاب الخضر» فى طريقها لإنهاء الثنائية الحادة التى حكمت السياسة الأوروبية خلال النصف قرن الأخير، وهى ثنائية أحزاب اليسار مقابل الأحزاب الشعبوية والمتطرفة، وقد حصلت أحزاب الخضر على 75 مقعداً بنسبة حوالى ٪10 من إجمالى مقاعد البرلمان الأوروبى مقابل 51 مقعداً فى انتخابات 2014، حيث حقق الخضر نجاحات فى جميع العواصم الأوروبية، وقد كانت أعلى نتائج حققها الخضر فى ألمانيا وأيرلندا وفرنسا، ففى ألمانيا حصل حزب الخضر على أكثر من ٪20 من أصوات الناخبين الألمان للبرلمان الأوروبي، أى حوالى 22 مقعداً، حيث هزم لأول مرة الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى تحول الكثير من الناخبين عنه لصالح الخضر، خصوصا الشباب من اليسار الديمقراطي، كما شهد حزب الخضر طفرة فى أيرلندا، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار عدم وجوده فى البرلمان الأوروبي، منذ أكثر من عقدين من الزمان، بعد أن حصل على مقعدين من 11 مقعدا لأيرلندا فى البرلمان الأوروبي، وكذلك فى بريطانيا، فبرغم سيطرة موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد على جدول الأعمال، فقد حصل الخضر على 11 مقعداً، وفى فرنسا حصد 12 مقعداً برلمانيا، كما حصل الخضر على مقعدين أو ثلاثة فى غالبية العواصم الأوروبية الأخرى، الأمر الذى أدى لوصف هذا النجاح الساحق « بالموجة الخضراء»، وبهذا أصبح الخضر قوة كبيرة سواء على المستوى الوطنى أم فى المؤسسات الأوروبية.
ما أسباب صعود الخضر؟
هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى صعود أحزاب الخضر فى أوروبا، منها زيادة نسبة المشاركة فى انتخابات البرلمان الأوروبي، التى وصلت إلى نسبة ٪51 من الناخبين المؤهلين للتصويت فى عام 2019، وتشير هذه النسبة إلى عودة اهتمام الناخبين الشباب بالبرلمان الأوروبي، الذى ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه من الدرجة الثانية، وتم اعتباره فى جميع أنحاء القارة، بأنه أقل أهمية من السياسة الوطنية، واستفادت أحزاب الخضر من إخفاق الأحزاب التقليدية، سواء كانت يمين الوسط أم يسار الوسط، لأول مرة منذ 40 عاماً، وذلك لصالح أحزاب أصغر وأكثر شغفاً كالخضر، بعد أن حصل حزب الشعب الأوروبي، الذى يمثل المحافظين، على 182 مقعدا فى البرلمان الأوروبى ليحافظ على موقعه كأكبر كتلة فيه، لكنه خسر 42 مقعدا، فيما حل تحالف الاشتراكيين والديمقراطيين فى المرتبة الثانية بـ153 مقعدا، لكنه خسر بدوره 43 مقعداً.
كما نجحت حملات أحزاب الخضر المستمرة لرفع وعى المواطن الأوروبى بالتحديات الكبرى التى تواجه القارة الأوروبية، والتى ظهرت بشكل ملحوظ فى الفترة حول قضايا البيئة والتغير المناخى والاحتباس الحراري، والتى يضعها حزب الخضر فى قائمة أولوياته، ويسعى لتركيز اهتمام أوروبا عليها فى الفترة المقبلة، كما استفادت أحزاب الخضر من الخوف من صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث يخشى الشباب الأوروبى من هيمنة الأحزاب القومية المناهضة لأوروبا، وهو ما دفعهم إلى المشاركة والتصويت لصالح أحزاب الخضر، لما تقدمه من رؤى جديدة حول البيئة التى تؤثر بالسلب على أوروبا والعالم، ويأتى تأثير أحزاب الخضر فى أوروبا والعالم من اتحادهم وانضباطهم، والتزامهم بمنهجية الحزب المشتركة، وذلك على عكس الأحزاب الشعبوية المناهضة لأوروبا، ولذلك سوف يكون نفوذ الخضر أقوى فى الفترة المقبلة، سواء عبر الضغط على الأحزاب الكبرى من أجل إعطائها تأييدها فى مقابل دعم أجندة الخضر الأساسية، أم من خلال توظيف الرأى العام المؤيد لها للضغط على بقية الأحزاب.
الولايات المتحدة ودعم الخضر
فى الولايات المتحدة، كافحت الأحزاب الخضراء الأمريكية على المستوى الوطني: لم يتم انتخاب أى عضو فى حزب الخضر لأى مكتب فيدرالي، وكان أفضل أداء لها فى الانتخابات الرئاسية، هو 2.7 % من الأصوات الشعبية فى العام 2000. ومع ذلك، فقد مارسوا النفوذ بطرق أخرى، اعتباراً من عام 2020، أسس الخضر 117 مكتبا منتخبا محلياً على مستوى البلاد، وكانوا من أوائل الداعين لصفقة خضراء جديدة، والتى أصبحت شائعة بين الديمقراطيين، تعبيراً عن النفوذ الصاعد للخضر على الدوائر السياسية المهمة فى الولايات المتحدة، تم دمج الاقتراح جزئياً فى خطط الرئيس جو بايدن لسياسات البنية التحتية والزراعة والطاقة للحد من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
وشكل فوز الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن فى انتخابات نوفمبر 2020، وسيطرة الديمقراطيين على الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، بداية «الموجة الخضراء» فى العالم، حيث يعمل الجناح الليبرالى فى الحزب الديمقراطى الأمريكي، على الأجندة الخضراء على مدار آخر 50 عاما، لكن فى ظل النخبة السياسية الجديدة فى الحزب الديمقراطى الأمريكى، أصبحت قضايا البيئة، تحتل مكانة كبيرة فى السياسات الأمريكية، حيث عادت الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ التى جرى توقيعها عام 2015 وخرج منها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، كما أوقف الرئيس بايدن عددا من مشروعات استخراج البترول بحجة أنها تتسبب فى الاحتباس الحراري، وهذا هو السبب الأكبر فى ارتفاع أسعار الطاقة فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة لأول مرة فى تاريخها تقر ما سمى بميزانية «البنية الاجتماعية» وهى بنحو 1.8 تريليون دولار، وغالبية أهدافها تتعلق بالبيئة والحفاظ على الكوكب، وكل هذا كان له صداه فى العالم، ليس فقط فى تقدم أحزاب الخضر والأجندة الخضراء على أحزاب عريقة فى ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا، بل بتبنى دول مثل الصين والهند واليابان لأجندات خضراء غير مسبوقة.
زخم وتأثير
للأحزاب الخضراء جذورها، ضمن موجة الحركات الاجتماعية، التى عارضت المجتمعات الصناعية، ابتداء من منتصف القرن الماضي، بعد أن انفصل «اليسار الجديد» والحركات الطلابية فى عام 1968، وشهدت فترة أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بدايات دخول الأحزاب الخضراء إلى السياسة الانتخابية، حيث تم تشكيل الأحزاب الخضراء الأولى فى أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة فى عام 1972، وكان حزب الشعب البريطانى هو الأول فى أوروبا، والذى تأسس على أجندة تحذر من الانهيار البيئى الوشيك (A Blueprint for Survival- مخطط من أجل البقاء)، والذى تم توقيعه من قبل عشرات العلماء البريطانيين البارزين.
ومنذ تظاهرات 1968 الشهيرة، حتى نهاية السبعينيات لم يكن للخضر أى تفاعلات مع الانتخابات البرلمانية، إلى أن خاض خضر ألمانيا الغربية الانتخابات فى 1980، وهنا انتقل الخضر من ساحة الاحتجاج إلى التنظيمات السياسية الفاعلة التى تضم كوادر قادرة على التأثير فى الناخبين وفى النخبة على السواء، لكنها ظلت خلال العقود الماضية فاعلة وقوية فى بعض الدول، لكنها ضعيفة فى دول أخرى، لكن تولى أول رئيس وزراء من الخضر فى أوروبا، كان بداية التأكيد على قدرة الخضر على الوصول للحكم وتحمل المسئولية الوطنية فى كل القضايا وليس الملفات البيئة وحدها، بعد أن أصبح إنجليس إمسيس من لاتفيا، أول رئيس وزراء من حزب الخضر فى عام 2004، ودخل الخضر الحكومات فى بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وأماكن أخرى بحلول عام 2021، ومع استمرار الأحزاب الرئيسية فى فقدان شعبيتها وتزايد دور تغير المناخ كمصدر قلق للناخبين للأوروبيين، شاركت الأحزاب الخضراء فى الحكومات الوطنية، فى كل من النمسا وبلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورج والسويد.
وتعبر «أحزاب الخضر» عن حراك اجتماعي، يسعى لإعادة تشكيل الحضارة البشرية، وفقاً لمنظومة مستدامة موجة من قبل البشر، وتضم شعارات خاصة بالاحتباس الحرارى والتلوث وتحقيق صناعة متوافقة مع البيئة، ويوجد حوالى 80 حزبا أخضر حول العالم.
الأحزاب الخضراء والنظام الدولى الجديد
يضع الصعود الهائل للتيار الأخضر فى أوروبا وحول العالم القضايا المناخية والبيئية فى الصدارة، الأمر الذى يسهم فى مزيد من الزخم والقوة للقضايا المناخية على الساحة الدولية، وخير دليل على هذا أن قضايا المناخ هى المنافس الأول للحرب الروسية - الأوكرانية على أجندة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى انتهت الثلاثاء الماضي.