هل يكون تفجير جسر القرم الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم مرحلة جديدة في الحرب الروسية- الأوكرانية؟ إن التفجير الذي جرى بشاحنة مفخخة فوق الجسر الذي أنشأته روسيا، ليربطها بشبه الجزيرة التي ضمتها عام 2014، وأجرت فيها استفتاء، دفع فلاديمير بوتين إلى توقيع مرسوم يقضي بتشديد الإجراءات الأمنية للجسر كما أمر بتشكيل لجنة للتحقيق بعدما ألحق الانفجار أضرارًا جسيمة الذي يعد طريق الإمداد الرئيس للقوات الروسية التي تقاتل للسيطرة على الأراضي التي استعادتها أوكرانيا في الجنوب.
يعد الجسر أحد أهم رموز مرحلة توحيد الأرض الروسية، التي تهدف إلى ضم الأراضي التي تعتبرها روسيا جزءًا من أرضها التاريخية، والتي جرى التفريط فيها عند تفكك الاتحاد السوفييتي، وكانت جزءًا من روسيا قبل الاتحاد، ولكن لماذا جرى التفجير بشاحنة مفخخة وليس بضربة صاروخية أو جوية، وهذا أمر سهل عن استهداف منشأة ثابتة وضخمة تمتد على 19 كيلو مترًا؟
الاحتمالات المرجحة تدور حول احتمال رفض الولايات المتحدة استخدام صواريخها من طراز هيمارس، وتعرض أي طائرة تقترب من الجسر لصواريخ الدفاع الجوي الروسية، بالإضافة إلى أنه سيثبت بالدليل القاطع أن أوكرانيا استهدفت الجسر الحيوي، والذي تعتبره روسيا مدنيًا وداخل أراضي روسيا، مما سيخلق مشكلة سياسية واتهامات بالإرهاب، ولهذا لم تعلن أوكرانيا تبنيها للعملية رسميًا، وإن كان مستشار في الرئاسة قال إن العملية مجرد بداية لنسف الأهداف غير الشرعية.
ونسبت صحف ووكالات أنباء تصريحات لمسئولين أوكرانيين تشير إلى ضلوع أوكرانيا في عملية التفجير. فما أهمية الجسر، وهل يؤثر على العملية العسكرية؟ إن الجسر أحد أهم خطوط إمداد القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، خاصة مقاطعتي خيرسوت وزابوروجيا، لكنه ليس الطريق الوحيد بعد أن سيطرت القوات الروسية على مساحات واسعة تربط روسيا بمختلف المقاطعات الأربع التي ضمتها، كما أن الأضرار لم تكن خطيرة، وأعلنت روسيا بعد ساعات عن تسيير خط القطارات فوق الجسر وأحد خطوط السيارات والشاحنات، وأن الجزء المدمر سيعود للخدمة في غضون نهاية الشهر الجاري.
ومع ذلك فإن التفجير له دلالات مهمة، منها أن القوات الأوكرانية يمكنها أن تصيب منشآت بتلك الأهمية والحجم، والرمزية الكبيرة للجسر الذي جرى استهدافه بعد يوم واحد من الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس الروسي بوتين السبعين، بما يتضمنه من تحدٍ شخصي لحكم الرئيس بوتين، كما أن العملية جاءت بعد تحقيق القوات الأوكرانية تقدمًا في عدد من المقاطعات، أهمها خاركيف ودونيتسك وخيرسون، وسيطرت على مساحات منها، وكان للتراجع الروسي في تلك المقاطعات صداه سواء في أوكرانيا وحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة، ورأو فيه نصرًا مهمًا وهزيمة لروسيا، وأن أوكرانيا قادرة بمساعدة الغرب في دحر روسيا، وإجبارها على الانسحاب.
بينما كان الداخل الروسي ينتقد الأداء العسكري، والدفع بأعداد غير كافية للقتال لا يمكن أن تحقق نصرًا واضحًا، ولهذا جرت عملية التعبئة الجزئية للدفع بحوالي 300 ألف مقاتل، لتغيير مسار المعركة، وإعادة السيطرة على أراضي المقاطعات الأربع التي أصبحت جزءًا من روسيا بعد إجراءات الضم، ولهذا يسعى كل من الطرفين الروسي والأوكراني لتحقيق مكاسب سريعة، خاصة أن الشتاء قد اقترب، وبدأ هطول الأمطار، وسيكون القتال صعبًا في الأراضي المؤجلة، وإن كانت القوات الروسية معتادة على القتال في الجليد، لكن الأوحال التي تميز فصل الخريف مناخ سيء للطرفين.
لكن متى سترد روسيا على الضربة القوية الموجهة ضد جسر القرم؟ التوقعات تشير إلى أن الرد الروسي لن يكون عاجلًا، فمازالت قوات الاحتياط المستدعاة تستكمل استعداداتها، ولم تتخذ مواقعها على الجبهة، كما تنتظر روسيا ردود الدول الأوروبية حول استهداف الجسر، وهل ستصمت أم تدين أم تؤيد، بعدها من المتوقع أن توجه روسيا ضربات إلى البنية التحتية في أوكرانيا، مستغلة الضربة الموجهة إلى الجسر، والذي تعتبره عملًا إرهابيًا موجهًا للبنية التحتية، ومن قبله استهداف أنبوبي النفط "نود ستريم واحد واثنين"، اللذين كانا يمدان ألمانيا ودول أوروبية بالغاز الروسي، وتعرضا للنسف، كما أن أوروبا التي تتعرض لأزمة طاقة خانقة، وارتفاع كبير في معدل التضخم تريد الثأر من روسيا التي ترى أنها السبب فيما تتعرض له من أزمات، ولهذا سنجد كل الأطراف متحفزة لجولة أعنف من القتال والعمليات السرية والعلنية، ومزيد من الخسائر المادية والبشرية لكل الأطراف.