راديو الاهرام
9-10-2022 | 15:02

سيكون من الصعب الآن العثور على الحزام الأخضر المخصص لمدينة السادس من أكتوبر؛ سواء شمال الأحياء أو جنوبها، وربما غيرها من المدن الجديدة؛ حيث إن الفلسفة الأساسية كانت أو المفترض أن تظل هي إتاحة فرص استصلاح الأراضي الصحراوية المتاخمة للمدن الجديدة ومنها 6 أكتوبر، بحيث تتحول إلى رئة خضراء للسكان الحاليين أو المحتملين للمدينة.

 لم يعد هناك حزام أخضر إنما سلسلة من المباني المكتسحة للأخضر الذي كان من المفترض أن يؤدي دوره حسب التخطيط العمراني الذي تم وضعه عند البدء في تشييد مدينة 6 أكتوبر، وكل هذا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي..

وما إن أطل القرن الحالي برأسه إلا وبدأ البيع والشراء وداعبت المشترين أحلام الثراء وتاريخ "كردون المدن" الذي دمر الأراضي الزراعية القديمة أينما وجدت.

ورغم ذلك فإن فكرة الحزام الأخضر تظل صالحة، وتظل قابلة للتطبيق إذا ما قامت الحكومة بتوجيه المحليات والهيئات المسئولة عن التخطيط العمراني، بمد أماكن الأحزمة الخضراء، إعادتها إلى الوراء قليلًا، مثلما فعلنا في الطرق، لنحيط المدنية بأقواس من الطرق تمكن الناس من النزول إليها بيسر، فكانت البداية التي أعرفها مع طريق صلاح سالم الذي كان شبه مهجور في أعوامه الأولى، ثم الأوتوستراد، ثم الدائري، فالدائري الإقليمي، والأوسطي.

ومن حسنات هذه الطرق الدائرية وقف التمدد العشوائي للمباني التي تشكل أحزمة البؤس حول القاهرة والجيزة والقليوبية وغيرها.

وربما لم يدفع من أقاموا مبانيهم المشوهة فوق الأراضي الزراعية أي ثمن إلا أخيرًا، عندما أقرت الحكومة الحالية وهي تنهض بشبكة الطرق، أن جرائم البناء غير المرخص لا تسقط بالتقادم، وقامت الحكومة بتوسيع الطرق وهدم العقارات المخالفة بجرأة لم تحدث في الخمسين عامًا الأخيرة.
 
هذه العزيمة يمكن أن تُنقل بشكل ما إلى الأحزمة الخضراء والغابات الشجرية، فتقام خلف كل هذا الركام من الأسمنت والزحام، مع ضرورة تذكر الحدائق المجانية، حتى لو جرى إغلاقها، وحتى لو ُقدر للناس رؤية الأشجار والزهور من خلف الأسوار.
 
وربما نبهني شيخ العمارة والعمران الدكتور عادل إسماعيل الفقي بعد مقالي الأخير "حدائق الحكومة" إلى أن الحزام الأخضر عندما جرى التفكير فيه في مصر كانت مهمته الحفاظ على المدينة من الداخل وتزرع حوله الأشجار، وتنتج أراضيه المستصلحة الخضراوات والفاكهة التي تلزم المدينة الجديدة. 

وقال لي إن هذا التخطيط لم ينفذ، ولكن باعته الحكومة لكي يتحول إلى عمارات، وأضاف: أي مخطط لأي منطقة توجد به نسبة من الأراضي لتبقى حدائق وخضرة ورئة لتلك المناطق، وهذا من أسس التخطيط، وقد روعيت في المدن الجديدة.


هذه الحدائق ليست ملك المحليات وأجهزة المدن والإسكان لتتصرف فيها إنما هي منفعة عامة للمقيمين في المنطقة..
 
فعلًا.. إن المسطحات الخضراء ليست رفاهية إنما من أسس التخطيط العمراني، والغريب في الأمر أن مدينة 6 أكتوبر شُيدت على كثافة سكانية معينة لاستغلال مساحات البناء والمساحات الخضراء، وهو ما لم يراعيه أحد، ومن الواجب على الحكومة الوقوف ضد اللعب في الحزام الأخضر لأي مدينة جديدة في مصر خصوصًا المدن التي أقيمت وبدأت تكتظ بالسكان، وتأخذ امتدادات أفقية شاسعة، تؤدي في نهاية الأمر إلى الضغط على الطرق والمحاور المركزية ومحاور الخدمة وتضيق المساحات، وبشكل ما إعادة إنتاج المدن التي فررنا منها.

بينما تساءل صديقي الكاتب ضياء الحجري عن أزمة الحدائق العامة، وأهمية الحفاظ عليها، وإبلاغ الناس بأي تطوير قبل الشروع فيه: ألا ترى أنه من الغريب جدًا، أن أجمل حديقة في مصر، وربما أكبرها مساحة، وأكثرها زوارًا، وهي حديقة الأزهر، ليست مشروعًا حكوميًا، وإنما هي هدية من مؤسسة أغا خان الدولية للعمارة الإسلامية؟ ولكن الحجري يتأسف أكثر لغياب ثقافة الخضرة عن المواطنين أنفسهم: والمؤسف أكثر أنني رأيت مواطنين أعداء للخضرة، فكم من شجرة قطعها سكان؛ لأنها تحجب عنهم رؤية الشارع، وحتى عند تقليم الأشجار لا يشذبونها، وإنما يقطعون أفرعها بفؤوس وبطريقة همجية، يجب أولا أن تكون هناك ثقافة حب الطبيعة.

وربما أثار الحديث عن الخضرة والحدائق شجونًا لدى أصدقاء أحترم وأقدر آراءهم، وتشي بوجود داعمين لأفكار الخضرة والحدائق وأهميتها، ومنهم أستاذ القلب الشهير الدكتور محمد عمارة.

وقد كتب لي الصديق الإعلامي والصحفي طارق الشامي من نيويورك: أن المدن المصرية كلها تفتقر إلى الحدائق، بل إنني في طفولتي حزنت كثيرًا عندما استولى مستشفى الكلى للدكتور غنيم على حديقة شجرة الدر في المنصورة، والتي كانت حديقة غناء بأشجار تاريخية على النيل بمساحة واسعة، وكانت تعزف بها الفرق النحاسية الموسيقية التابعة للحكومة في الأعياد والمناسبات.. للأسف هذا منذ أيام السادات ومازالت الأفكار كما هي، شيء مؤسف حقيقة.

يدور الأمر إذن حول أهمية الحفاظ على الحدائق العامة، وأن يعلم الناس بأي أمر حكومي يتناول تطويرها، وبوضوح حتى تختفي مظنة البيع، وضرورة البدء في مشروع جديد للأحزمة الخضراء حول المدن، وأن توضع لها القوانين التي تبقي عليها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة