وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
تمر بنا الأيام والسنون، وتأتي ذكرى مولدك العطرة يا حبيبي يا رسول الله، وُلِدت في يوم الإثنين، من شهر ربيع الأول، في عام الفيل، وازدانت بك الدنيا وتزينت، فكنت نورًا وسراجًا منيرًا أضاء الطريق للثقلين ولجميع المخلوقات.
ولقد مدح رسولنا الكريم محمد "صلوات الله وسلامه عليه" الكثير من الشعراء والصحابة والمتصوفة؛ ومنهم كعب بن زهير بن أبي سُلمى، الشاعر ابن الشاعر، حتى إن أباه زهير بن أبي سُلمى صاحب إحدى المعلقات السبع التي كتبت بماء الذهب على أستار الكعبة قبل مجيء الإسلام.
وكان كعب بن زهير قبل إسلامه من ضمن الشعراء الذين هجوا الإسلام والمسلمين فأهدر رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه" دمهم، ولكن كعب بن زهير قد تاب وأسلم، وكتب قصيدة عظيمة في مدح النبي الكريم وأسماها "بانت سعاد"، وذهب متخفيًا إلى رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه" حتى يخبره بتوبته وإسلامه، ويقرأ عليه قصيدته "بانت سعاد"، والتي يبدأها بالغزل - كما كان يفعل الشعراء وقتها - وقال في مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
ثم وجه اعتذاره وندمه إلى رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه" طالبًا منه العفو قائلًا:
نُبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
ثم أخذ يمدح رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بأجمل الأوصاف قائلًا:
إن الرسول لنور يُستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
وقد اشتهرت قصيدة مدح الرسول "صلى الله عليه وسلم" هذه في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة"؛ وذلك لأن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عندما سمع القصيدة أعجب بها كثيرًا، وأهدى كعب بن زهير بردته؛ لتكون وسامًا له على قصيدته التي أصبحت من أشهر القصائد التي أنشدت في مدح رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
أما في عصرنا الحديث، فلم أجد أجمل ولا أروع ولا أبدع مما كتبه أحمد شوقي، في مدح رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، التي بدأت بها هذا المقال، والتي قال فيها أيضًا:
أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدرىِ
بمدحكَ بَيْدَ أنّ ليَ انتسابا
وما عَرِفَ البلاغة ذو بيانٍ
إذا لـم يتخــذكَ لــــه كتابا
مدحتُ المالكِينَ فزدتُ قدرا
وحين مدحتُكَ اقتَدتُ السحابا
وما للمسلمين سواكَ حصنٌ
إذا ما الضّرُ مسّهُمُ ونابــــا
وتفرد شوقي بتناوله فكر الحبيب محمد "صلى الله عليه وسلم" ومواقفه وحياته من خلال منظور إسلامي واسع.
كما أن شوقي لم يمدح نبينا الكريم فحسب، بل مدح عقيدته وفكره وسلوكه "صلى الله عليه وسلم".
وقال الشيخ الشعراوي عن شوقي: "لا تقولوا شوقي رحمه الله، ولكن قولوا شوقي رضي الله عنه، فلم يمدح النبي "صلوات الله وسلامه عليه" أحدٌ من الناس بمثلما مدحه به شوقى.
وخير ما أختتم به هذا المقال هو ما قاله شوقي في مدح حبيبنا وشفيعنا يوم الدين، حيث قال:
إِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ
هَـذانِ فـى الـدُنيا هُما الرُحَماءُ
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (صدق الله العظيم).