Close ad

ترويض المناخ من «شرق المتوسط»

5-10-2022 | 13:05
الأهرام العربي نقلاً عن

قبل خمسة آلاف عام كانت الحضارة هنا، ثم طارت إلى هناك، وها هي تستعد للعودة.

كان المناخ سببًا عميقًا لهذا الطيران، والمناخ والبشر ملاكمان دائمان في حلبة الملاكمة، مرة يهدأ في مكان ويثور في آخر، يضبط البشر ساعاتهم على عقارب ساعته، انتصروا عليه أحيانًا، لكنه كان قد تغلب عليهم دائمًا، فهو مسئول عن حركة البشر، زمانًا ومكانًا، بحثًا عن الأمان.

ترويض الطبيعة لعبة البشر الدائمة، لكن هذا الترويض اختل نتيجة العبث في الغازات، والإفراط في الطاقة التقليدية، وولادة الثورات الصناعية المتلاحقة، وها هم البشر يسابقون الوقت لاستخدام طاقة طبيعية تأتى من المناخ وتعود إليه.

وللتاريخ  سجل محفور لا يمحوه الوقت، والتاريخ يسجل أن للمناخ دورات،  يدور حول نفسه كل بضع سنوات، تصل إلى الخمسة آلاف سنة فى الغالب الأعم.

وللتاريخ مفارقات، فحين يلتقي البشر المعاصرون في مدينة شرم الشيخ المصرية، ابنة البحر والصحراء، ربيبة الأراضي المقدسة، بتجلياتها الدينية والإنسانية، هذا يعني أن المناخ يحل ضيفًا مرحبًا به فى أراضيه، التي استكان فيها قبل عشرة آلاف سنة، وتشكلت فيها حضارات «شرق المتوسط».

من هنا بدأ الإنسان يخرج من الكهوف إلى بناء المدن، في مصر القديمة، وبلاد الهلال الخصيب، تلك الأراضي التي تشبه القوس، وتضم العراق وبلاد الشام، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وفي الأخيرة عرف الناس القمح والشعير، وفي كل المنطقة تم ترويض الحيوان والنهر والحجر، وبنيت المدن والأبراج والمعابد، وسنت القوانين.

إنها دورة مناخية جديدة، تعود إلى أهلها، أهلها القادرون على معرفة أسرارها، لا يخلو الشعر العربي من وصف للطبيعة وتقلباتها المباغتة، ولا تخلو صحائف أي مؤرخ عربي من وصف علاقة المناخ بالناس، وتأثيره في طبائعهم، وفي سلوكهم الاجتماعي، ولا في أزيائهم، ولا في شكل عمارتهم.

دورة عنيفة، جفاف في مناطق، وسيول وأمطار في مناطق أخرى، أنهار تصمت، وبحار تفيض، محيطات تسكت ومحيطات تتكلم، عواصف تسكن وأخرى تهب، جليد يتراكم وآخر يذوب.

للطبيعة أحكام صارمة، ترفض العبث بها، والبشر أساءوا إلى هذه الأحكام، فالتقدم والثورات الصناعية المتلاحقة، جعلت الثور المناخي ينطح الحضارة الحديثة بقرنيه، وهو كما كان شأنه في العصور القديمة المسئول الأول، ضمن أشياء أخرى، عن إشعال الحروب، وانهيار العمران، هذا حينما كان العمران خيمة وكوخا ومنزلا من الطوب اللبن أو الحجر، فما بالنا إذا ما كان العمران الآن من بنايات وأبراج متعددة الطوابق تخترق عنان السماء، تتشابك مع كل عناصر الحداثة، وتختلط بالأسلحة الذكية، فإن حرب المناخ الراهنة إذا ما جرت، فإنها لا تبقي ولا تذر.

إن البشر الآن في مواجهة مفتوحة مع عنفوان المناخ، ولا بد أن ينتصروا في معركة الترويض إنه قدر بلاد الشمس، وليس في الأمر أى مصادفة، أن تنادي مصر فيأتي إليها الناس من كل فج عميق، حيث بدأت حضارات شرق المتوسط.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة