Close ad

عن سبتمبر والخوف والأمل

4-10-2022 | 17:50
الأهرام المسائي نقلاً عن

بالأمس؛ ربما منذ عام، سألني شخص عن خوف المجهول، والسنوات الماضية والآتية والأحلام، لا أتذكر الإجابة بصيغتها الدقيقة، لكنني أتذكر دائمًا قناعتي عن المجهول بصورتها الأدق، قناعة أن الحياة مزيج من التقلب، وأن حساباتنا للغد وما بعده، والماضي وما يعنيه، كل حساباتنا لن تكون دقيقة دائمًا شاء الخوف أم أبى.

أتذكر أنني أمضيت مسافات طويلة من الزمن خائفًا من أشياء تترسخ في قلبي برهبة، ألا يكتمل الطريق الذي أتمناه للنهاية، أو أن يأتي نهار مفاجئًا دون الذين أحبهم، أو تهزمني لحظات يصدمني فيها التوقع، ومع هذا حدث كثير من كل الذي أخشاه، أدركت بعد حين بقناعة كاملة أنه لا ثبات مطلق؛ لا طمأنينة مُطلقة، ولا خوف مُنجٍ، ولابد لنا من بعض هذا كله، فنخسر مرة وربما مرات، ونكسب أخرى، ننهزم مرة وننتصر أخرى، نخسر ونتقبل ولو بعد حين، أدركت منطق الحياة وميزان الزمن وتفاصيل الأيام التي تترسخ في قلوبنا لتبني بها قناعات جديدة، وآمال جديدة، وتسع أماكن أخرى للحظات اليأس والتعلم ومعاودة المسير.

وفي مشهد أوسع من دائرة العمر، قبل الآن بسنوات طويلة في السابع من سبتمبر كشفت الحياة لي رحابها، جذبتني بسذاجة لعمق اللامبالاة فيها، وبحكمة لأصدق تفاصيلها، مرت السنوات أحيانًا مرورًا سريعًا أمام أعيني، ومرة بأدق تفاصيل قلبي، ومرة كنت أشعر أنها تقف ثقيلة دون تحرك في ركن من روحي، وكُنت أجد أحيانًا تلخيص كُل العُمر في جملة عابرة لا يعيرها أحد اهتمامًا، أو في مشهد بفيلم ممل، وأحيانًا في نهايات القصص الحزينة، أو السعيدة، وعن الاهتمام بالتفاصيل كانت تزعجني بعض المشاهد التي تقع عليها عيني لتسقط سريعًا لأبعد ركن في قلبي سقوطًا حُرًا؛ سقوط هاوية من أعلى لترتطم بجدار القلب، وبنفس الصورة كانت تُدهشني؛ تُسعدني مشاهد أخرى تعانق روحي بمودة لتُذكرني بكم النِعم، وكم نحن بحاجة لهذا النوع من العِناق اللطيف والتذكر.

وإلحاقًا بتلك السنوات، منذ فترة أصبحت لا أحب كثيرًا الصخب والاحتفالات، لم أجد سببًا مُقنعًا لتفسير هذا الشعور، ربما يعود ذلك لما تُغيره السنوات في قناعات المنطق والشعور، المدهش أنني وجدت هذا الشعور مُلتصقًا بي أحيانًا في أعظم تنقلات الحياة، ناسيًا عندها أو متناسيًا الأمس وأنا أنظر للغد.

وبهذا التناقض لم أجد مرات عديدة تفسيرات مُقنعة لبعض الخسارات التي كانت تلاحقني دون أمل في الهروب، والمكاسب التي أتت دون أمل كامل في الوجود، أميل للعزلة والوحدة، أو أفضل المشي في شوارع مزدحمة مُتفحصًا حكايات الناس في دلائل وجوههم، وعندي إيمان أن الحياة بمُجمل تفاصيلها متناقضة ولا تحمل تفسيرات ثابتة ربما يزول بعض التعجب من هذا كله.

أتذكر أحيانًا بتاريخ عابر بجملة من أحدهم، أن السابع من سبتمبر هو يوم مولدي، أتذكر السقوط الحر للأحداث في قلبي، والنِعم التي تزيدني امتنانًا، النِعم العادية التي تعظم بوجودها، أحمد الله على كل ما مضى، على ما أعلمه وما أجهله، وتفاصيل النجاة، وأعود لشعوري العادي، وأحلامي التي تبدو عادية، وأمنياتي التي تعظم في قلبي، وامتناني العميق لكل التفاصيل، وحكمة الحياة الأصدق في السعي والأمل، وما تحمله حكاياتها من تعلم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
وائل نيل يكتب: المفاتيح التي فقدتها

المفاتيح هي أكثر الأشياء التي لا أؤتمن عليها، ولا أحفظ لها بقاءً مهما حاولت، وكم من باب كسرته بفعل ذلك مع كل مفتاح أفقده.

وائل نيل يكتب: عمر وفاتن .. وألزهايمر الذي لا يُنسى

كانت بداية معرفة عمر الشريف بفاتن حمامة بعد أن تعذر مشاركة شكري سرحان في بطولة فيلم صراع في الوادي ، ليحل عمر الشريف في أول ظهور له بديلاً عنه، وبعد مرور

وائل نيل يكتب: في ديسمبر لا تنتهي الأحلام

نسير في عرض الحياة وطولها، نتعثر يومًا ونمضي آخر، نضعف يومًا، ونقوى آخر، ندرك مع كل محطاتنا أن الحياة مراحل، تمامًا كما العمر، ولا شيء في تلك المراحل يبدو

وائل نيل يكتب: منعطفات العمر والأيام

لم تؤرقنا متاعب الهزائم بقدر ما أتعبتنا الصدمات، صدمات التخلي، والبقاء وحيدين عند نقطة الهزيمة، أن تلتفت فلا تجد أحدًا، أن يهرب الجميع حتى هذا الذي كنت

وائل نيل يكتب: مكاسب الرحلة

لم تكن النهاية دائمًا بالشكل الذي أريده، كم مرة وددت أشكال أخرى لنهايات أكثر منطقية، أكثر عدلاً، لم تكن النهايات بالشكل الذي توقعته لكنها علمتني أن بعض

وائل نيل يكتب: حكمة الوقت المناسب

الوقت المناسب.. مفهوم عصي على الفهم والتفسيرات المنطقية، نقف أمامه بمحاولات استيعاب، لماذا حدث هذا كله في ذلك الوقت تحديدًا؟ لماذا ظهرت أمامي تلك الجملة؟

عندما تفرق الثانية

اعتدت كثيرًا سماع "لن تفرق الثانية"، ولن تفرق الثانية فعلاً في كل أحداثنا العادية، لكنها ستفرق وتفرق جدًا في مواضع أخرى، تفرق لمن تركناه خلف حدود الاشتياق،

الأكثر قراءة