تعرف المنظمات الدولية الزراعة الذكية مناخيًّا بأنها نهج لإعداد الإجراءات اللازمة لتحويل النظم الزراعية إلى دعم الأمن الغذائي في ظلّ تغيرات المناخ.
موضوعات مقترحة
وذلك لتحقيق زيادة الإنتاجية بشكل مستدام، والتكيُّف مع تغيُّر المناخ والصمود في وجهه، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تنتجها ممارسات الزراعة.
كما يرى البنك الدولي، أن نهج الزراعة المتوافقة مع المناخ هو نهج متكامل لإدارة الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك للحد من مخاطر تغيُّر المناخ، لذا استهدف 52% من تمويل البنك الدولي للزراعة الممارسات التي تسعى إلى التخفيف من آثار التغيُّرات المناخية والتكيُّف معها.
وفي دراسة حالة أجرتها منظمة الاغذية والزراعة "فاو" في عام 2021 حول الزراعة الذكية مناخيًّا، قالت إن الموارد الزراعية في مصر تتعرض لتهديد مستمر؛ بسبب تغيُّر المناخ إذ سيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تقليل المساحة المزروعة حول نهر النيل، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة وتزداد الفجوة بين الموارد المائية المتوافرة والاحتياجات الفعلية.
يقول الدكتور محمد علي فهيم رئيس مركز معلومات تغير المناخ، إنه في الوقت الذي يشعر فيه المزارعون بالقلق من انخفاض انتاجهم الزراعي من المحاصيل المزروعة وعدم مناسبة الطرق التقليدية التي اعتادوا عليها مع الظروف المستجدة بسبب التغيرات المناخية، هذا بالإضافة إلى احتمالات زيادة التكلفة أو الخسارة فى اليراد الكلي فى نهاية الموسم ، حيث يعمل مركز البحوث الزراعية على تعريفهم بالأصناف الجديدة، من خلال زراعتها بـ"حقول إرشادية" ومقارنة إنتاجية الأصناف القديمة بالجديدة، وإقامة الندوات التعريفية في أيام الحصاد، ودعوة المزارعين والمرشدين الزراعيين إلى تقييم جودة المحصول ومميزاته، إضافةً إلى استخدام قنوات الإعلام الزراعي في تعزيز نشر هذا التوجه.
أثار التغيرات المناخية
ويضيف رئيس مركز تغير المناخ، أنه وفي خلال السنوات القليلة الماضية؛ بات العالم وعلى رأسهم مصر، يبحثون عن وسائل تحد من أثار التغيرات المناخية، وخاصة أثارها على القطاع الزراعي، الذي أصبح قطاعًا حيويًا لتأمين الأمن الغذائي العالمي، حين ظهر مصطلح “الزراعة الذكية مناخيًا” عام 2015، على يد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة وبشراكة مع وزارة الزراعة، لمساعدة صغار المزارعين على إتباع الممارسات الذكية مناخيًّا.
الزراعة الذكية مناخيًا
ويتابع فهيم، أنه في نوفمبر القادم ستستضيف مصر أهم مؤتمر عالمي، وهو مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ “COP27″، والذي سيتم التأكيد خلاله أن الزراعة الذكية مناخيًا ليست مجرد إجراءات يتم اتخاذها؛ وإنما هي منهج يتم العمل به لمساعدة المزارعين للوصول إلى أفضل إنتاج، حيث يتم تحذير المزارعين في حال وجود تغيرات مفاجأة في المناخ أو حدوث موجات حارة، وتحذيرهم من أمراض معينة وكيفية التعامل معها وذلك من خلال عدة وسائل منها إرسال رسائل قصيرة، وكذلك محاولة الوصول إلى أفضل الأصناف وأقصرها عمرًا والتي تتحمل ظروف مناخية مختلفة وقاسية.
ويرى "فهيم"، أن الأصناف النباتية للمحاصيل الحقلية المستنبطة مؤخرًا مثل القمح والشعير والذرة والقطن والأرز أصبحت موجهةً بشكل أساسي إلى التكيُّف المناخي، وإضافةً إلى توفيرها للوقت والمياه، فهي أحيانًا تتيح للنبات أن تمر مراحله الحرجة في الإخصاب والنمو بعيدًا عن ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاض الحرارة او غيرها ، على سبيل المثال قديمًا كانت أصناف القمح تمكث في الارض لأكثر من 180 يوماً وتستمر حتى نهاية شهر يونيو ولو استمرت هذه الاصناف حالياً وتعرضت لموجات الحرارة العالية التي قد تحدث شهر ابريل واحيانا في نهاية مارس وتعرضت مرحلة "الطور اللبني أو العجيني" لهذه الظروف من ارتفاع الحرارة فسوف تتأثر بشدة وتقل إنتاجيته، لكن الآن يمكن تلافي هذه المشكلة بسبب ان كل اصناف القمح املنزرعة اصناف مبكرة النضج لا تتجاوز 155 يوم.
الدكتور محمد فهيم
زراعة القمح والتقلبات المناخية
وفي السياق ذاته، يقول الدكتور أحمد حامد القناوي الباحث في النظم البيئية والحيوية بمركز البحوث الزراعية، أن الزراعة الذكية مناخيًا تركز على الإجراءات والممارسات زراعية التي يقوم بها المزارع أو المؤسسات المعنية بالدولة وذلك في اطار ما تتعرض له المناطق الزراعية من جراء التقلبات المناخية ، لأنها ظروف متغيرة وليست ثابتة، فمثلا مواعيد زراعة القمح تعتبر مواعيد ثابتة، فالقمح معروف أنه يتم زراعته في بداية شهر نوفمبر، ولكن عند حدوث موجات شديدة الحرارة في بعض السنوات أو أن هناك توقعات بحدوث صيف مبكر فإن الدولة تقوم بتحريك مواعيد الزراعة سواء بالتقديم أو التأخير على حسب الحالة المناخية، فيسمي هذا الإجراء بأنه “إجراء ذكي مناخيًا” أي أنه يتحرك بذكاء على حسب حالة المناخ.
أهم القطاعات المعنية بالتغير المناخي
وتابع القناوي، الزراعة الذكية مناخيًا هي أحد إجراءات التكيف مع تغيرات المناخ فكل دولة في العالم يناسبها خيار أو خيارين أو أكثر من خيارات التكيف على حسب حدة مظاهر التغير المناخي، وقطاع الزراعة من أهم القطاعات المعنية بالتغير المناخي.
وأوضح القناوي، أنه ضمن إجراءات البنية التحتية للزراعة الذكية مناخيًا وجود نظام قوي للإنذار المبكر، ومركز معلومات تغير المناخ التابع لوزارة الزراعة لديه وحدة مهمة للإنذار المبكر، وهناك جهات كثيرة اقترحت دعم هذه الجهة لأن مخرجاتها هي الجزء الأساسي في الزراعة الذكية مناخيًا. كما يزوّد المركز الفلاحين ببعض التوصيات الذكية مناخيًّا، على سبيل المثال إذا كان هناك توقع بزيادة كمية الأمطار خلال أيام معدودة، فالمطلوب هنا التوقف عن الري، وصرف المياه من أسفل النباتات حتى لا تتشبع التربة وتصاب بالاختناق، وإذا كانت هناك رياح محمَّلة بالأتربة في منطقة تزرع البصل مثلًا، فيمكن رش النباتات كوقاية؛ لأن الأتربة تصنع جروحًا دقيقةً في النبات وتكون مدخلًا لإصابتها بالأمراض، نا نسمي هذه الممارسات ذكية مناخيًّا؛ لأنها استعدت مسبقًا ولم تنتظر حدوث المشكلة، وفي الوقت ذاته هي ممارسات طبيعية يمارسها الفلاح عادةً ولا تمثل تكلفةً إضافية، نفعل ذلك منذ عشرات السنين، لكننا صنفناها وغيرها من الممارسات تحت هذا المصطلح حديثًا".
الدكتور أحمد حامد القناوي