يخسر الكثيرون لعدم اتقان مهارات الردع ويعرضون أنفسهم لتراجع الثقة بالنفس ولإضاعة الحقوق والبعض "يسجن" نفسه في إطار الضحية..
نبدأ برفض السماح لأحد بوضعنا بموضع الاتهام؛ فلا ندافع ونتذكر أن الفرق الرياضية التي تدافع عن نفسها تخسر، ولا نتسرع بالرد، وكما قيل؛ "لا نستطيع تهدئة العاصفة ولكن نستطيع تهدئة أنفسنا"، ولا نهاجم ونحن غاضبين؛ فسنقول كلامًا سنندم عليه أو سنضطر للاعتذار عنه لاحقًا.
ولا نطلب مساعدة عندما نتعرض لما "نراه" هجومًا أو انتقاصًا منا، فلا نتلفت طلبا لتأييد بعض الحاضرين؛ فهذا خطأ شائع، فلدينا القدرة الكافية على الرد، ولنتذكر الحدة والصوت العالي يخصمان، والحزم والهدوء يعطيان مظهر الثقة بالنفس..
المفأجأ نصف مهزوم وليس مهزومًا كاملًا؛ فقد نفاجأ بسخافات أو إساءات ممن لم نتوقعها منهم؛ فمن الطبيعي الارتباك -لبعض- الوقت؛ كمن يسير ويفاجأ بحجر كبير فترتبك خطواته وحتى لو سقط فسرعان ما يستعيد توازنه وينهض لينفض الغبار عن نفسه ويداوي جرحه إن حدث..
ليس من الذكاء وقتئذ الرثاء للنفس أو "التركيز" على من وضع هذا الحجر بهذا المكان والتحسر على سوء التخطيط؛ فمن "الأولويات" الانتباه للنهوض وللتخلص من أضرار الارتطام بالأرض، ثم التفكير "لاحقا" في كيفية الانتباه أكثر لمنع تكرار ذلك.
يضعف البعض نفسه "ويخصم" من قدراته على امتلاك مهارات الردع بالربط الخاطيئ جدا بينها وبين الطيبة أو اللطف في التعامل، وأحيانا الحرص "بمبالغة" في رسم صورة من يتمتع بالشعبية الجميلة بين الناس؛ ويتناسون أنهم "يحرضون" الآخرين على سوء التعامل معهم؛ ممن يجسدون المقولة الذكية؛ "من أمن العقاب أساء الأدب"، ويجب ردعهم أولا بأول..
الردع هو المنع والإيقاف؛ وفي القانون يستخدم العقوبة للردع لمنع ارتكاب الجرائم، وكما تستخدم الدول القوة المسلحة لردع الدول الأخرى من الاقتراب من حدودها؛ يجب أن نظهر القوة النفسية وأننا غير مستباحين للآخرين؛ فنرفض أي إساءة للحفاظ على الكرامة ولمنع تطورها للأسوأ أيضا؛
فردع المسيء يمنعه من التكرار و"يوقف" من يفكر بتقليده من الإساءة فإذا وجد التساهل أيا كان السبب تجرأ على النيل منا والعكس صحيح..
يتوهم كثيرون أن الردع يكون بالكلام الكثير وأحيانا بإلقاء المحاضرات الطويلة، وقد تصل لعتاب وكلمات من قبيل؛ لماذا تفعل بي ذلك؟ ولم أتوقعه، والجميع يرفضونه، وكيف نسيت مواقفي السابقة معك؟ وما شابه ذلك..
نرى أنه ليس ردعًا بأي حال من الأحوال؛ ويبدو وكأن من يفعله "يتوسل" لمن يضايقه ليتراجع، ونؤكد أن الردع يكون بأقل قدر من الكلمات مع اتخاذ القرارات المناسبة وبصوت هادئ وبلا أي عتاب؛ فالعتاب بهذا الوقت يقلل من الردع كثيرا، وننبه لأهمية أن يتناسب مع الموقف؛ فمن يمزح بأسلوب غير مقبول يجب ردعه بلا إهانات وليس مقاطعته أو إنهاء التعامل معه، ومن -يتعمد- تكرار الإساءة يتم ردعه بأسلوب أقوى مع وضعه بمكان ومكانة أقل في التعاملات.
وإن اعترض؛ فلنخبره بالمثل الأمريكي "من لا يستطيع تحمل العقاب، لا يرتكب الجريمة"،
ونمنع التراجع بعد الردع والتعامل وكأن شئيا لم يكن والتسرع بالتعامل بلطف حتى مع اعتذار المخطئ، وهذا ليس تعنتًا؛ بل إغلاق لأبواب التكرار، يجب أن يكون الردع قويًا عند وقوع الخطأ أمام الآخرين بعد التأكد من تعمده، ولابد أن يكون سريعا؛ فالتأجيل يقلل منه كثيرا.
مهم وضع حدود في التعامل مع الناس وعدم السماح بأية تجاوزات مهما بدت بسيطة فالسماح بها سيحرض على ارتكاب الأكثر، وعندما يتضاعف الانزعاج فسنثور بشدة وسنبدو متعنتين أو نتخلص من مضايقات من أمور أخرى.
الردع لا يعني العدوانية لإغلاق أبواب التعدي كما يفعل البعض، ولا التعامل بتحفز وتصيد أي أمور "عادية" وتحويلها لإساءة متعمدة أو للحساسية الزائدة التي "ترهق" صاحبها نفسيًا وتفسد علاقاته، ونذكر بأهمية إيقاف أي إساءة حتى لو تيقنا أنها غير متعمدة؛ فحتى القتل الخطأ يعاقب عليه القانون، ولا يقل أحد كلمات مثل؛ ألا تعرف من أنا؟ أو هل تجهل منصبي المرموق أو فضل عائلتي؟ فكل ذلك يقلل منا.
لنركز فقط على سبب الإزعاج "وتأكيد" رفضنا له وعدم السماح بتكراره، وإذا حاول الجدال أو "الإدعاء" بأنه كان يمزح أو لا يقصد؛ فلنرفض بحزم ولا نكثر من الكلام ولا نقبل بالجدال "ولا" نسمح له باستدراجنا له وننهي اللقاء في رسالة واضحة بالجدية في موفقنا.
نستطيع ردع من يحاول التطفل علينا ومعرفة أسرارنا بعدم الرد وبلا كلمات مثل؛ لا يحق لك التدخل أو لا نسمح لك؛ حتى لا نصنع عداوات والأفضل "الاكتفاء" بتغيير موضوع الحديث "بهدوء" وستقل محالات التطفل كثيرًا.
لنتقن مهارات الردع؛ فلنثق بأنفسنا وبأحقيتنا بأن يعاملنا الجميع باحترام وبأن التنازل عن أية حقوق معنوية أو مادية لا تمت بصلة للتسامح بل سلبية تؤذينا وأنها "كشرارة" النار إن لم نطفئها فستنتشر وتزيد بعيدًا عن سيطرتنا وتدمر كل شيء -لا قدر الله بالطبع- ولن تنطفئ من تلقاء نفسها.
ويمكننا التدرب على ذلك قبل اللقاءات التي "نتوقع" حدوث إساءات بها؛ فنستعد نفسيًا ونقوم باعداد ردود على ما نتوقعه، ولا نقل لا نستطيع ردع من يضايقنا أبدا؛ فسضعف أنفسنا؛ ولنقل نستطيع بإذن الرحمن وسنتدرب ونكافئ أنفسنا عندما ننجح وإذا لم ننجح فلن نقول: فشلنا؛ وسنقول: سنفوز في المرة القادمة