راديو الاهرام

المجتمع الدولي والمنظمات الأممية.. على المحك !

27-9-2022 | 16:17
الأهرام المسائي نقلاً عن

عالم اليوم لا يعترف بغير القوة أيا كان شكلها وكانت طبيعتها.. عالم اليوم يصنع الأزمات ويجتهد فقط في كيفية إدارتها وليس حلها.. عالم اليوم أسقط طواعية كل المبادئ والقيم والمثل التي تشدق بها عقودًا كثيرة.. عالم اليوم خصوصًا الكبار فيه تحركهم مصالحهم، وبصورة أدق مصالح قادة ورؤساء الدول الكبرى..!

عالم اليوم تغير، وسوف تزداد وتيرة تغيره بعد جائحة كورونا وما فيها من أسرار وطلاسم ومنافع، وبعد الحرب الروسية - الأوكرانية وما فيها من صراع على النفوذ والاستحواذ والرغبة في تغيير خريطة العالم السياسية والاقتصادية والعسكرية!

عالم اليوم ومنظماته الأممية وضعوا القانون الدولي على الرف، وأصبح الحديث عنه انتقائيا وحسب المصالح.. يلجأون إليه عندما يحقق لأحد الكبار منهم مصلحة، وغالبًا ما يلوون ذراع القانون لتثبيت أمور غير قانونية، والأمثلة صارخة على ذلك.. ولنبدأ من الأحدث وبشكل مختصر.. 

- ظلت الحاجة ملحة وضرورية إلى إعادة هيكلة وإصلاح الأمم المتحدة وتوسيع عضوية الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، وكانت أمريكا تتزعم جناح الرفض والتشدد وترفض كل محاولات التوسع في عضوية مجلس الأمن تحديدًا، والآن بينما يشارك قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تصدر دعوات التغيير من  الولايات المتحدة بعد أن ضاقت ذرعًا من سلطة الفيتو التي تتمتع بها روسيا في وقت تسعى فيه أمريكا لمحاسبة روسيا على غزو أوكرانيا. 

هدف أمريكا ليس توسيع وهيكلة مجلس الأمن بقدر ما هو وسيلة لمحاصرة روسيا والتضييق عليها، وفرصة لتعديل استخدام حق النقض فيما يتعلق بحالات الاعتداء على الدول بتقييد استخدامه خصوصًا لو كانت الدولة المعتدية صاحبة سلطة في استخدام هذا الحق في الاعتراض على أي قرار بشأن العدوان!

لذلك تسخر روسيا والصين من هذا النوع من التصريحات الصادرة عن أمريكا التي تجاهلت مجلس الأمن الدولي في عهد جورج بوش الابن لغزو العراق واستخدمت الفيتو، كما تجاهلت كل قرارات الشرعية الدولية الصادرة من المجلس ذاته بشأن القضية الفلسطينية، وكل قرارات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية واستخدمت حق الفيتو لإبطال كل هذه القرارات! 

- بدأت روسيا يوم الجمعة الماضي بإجراء استفتاء في مناطق أوكرانية (دونيتسك – لوهانسك) شرقًا، ومناطق (خيرسون – زابوروجيا) جنوبا، بعد أن سيطرت عليها في العملية العسكرية التي بدأتها في 24 فبراير الماضي لضم هذه الأراضي إلى سلطتها، كما حدث في شبه جزيرة القرم في عام 2014. 

- أمريكا والغرب يرفضون هذه الخطوة ويصفونها بأنها استفتاءات صورية، وأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي، وأنهم سوف يعملون على تحميل روسيا نتائج هذه الخطوة بمزيد من العقوبات الاقتصادية والعمل على عزلها عن العالم. 

هذا القانون الدولي غاب سنوات، وسيظل غائبًا ولن تلتفت إليه أمريكا وحلفاؤها وهم يغضون الطرف عن جرائم إسرائيل التي احتلت وطنًا كاملًا وما زالت تقضم أجزاءً مما تبقى منه للفلسطينيين رغم كل قرارات مجلس الأمن التي استخدمت معها أمريكا حق الفيتو ولم يصدر منهم أي عقوبات من أي نوع على إسرائيل. 

القانون الدولي الذي تطلب أمريكا وحلفاؤها احترامه وعدم انتهاكه.. هو نفس القانون الذي داسوا عليه وانتهكوا مواده عندما وافقوا على ضرب ليبيا بقوات الناتو وتحويلها إلى ميليشيات ومركز لتجمع الإرهاب بحجة القضاء على فرد واحد!

وهو نفس القانون الذي أعطاهم الحق لتدمير العراق في أكبر عملية خداع باسم أسلحة الدمار الشامل، ولم يكتفوا بذلك فقط.. بل قاموا بزراعة تنظيم داعش النسخة الأحدث من تنظيم القاعدة. 

وهو نفس القانون الذي أصدروا من خلاله قانون "قيصر" الذي يفرض عقوبات على الجهات والأشخاص الذين يدعمون أي نظام  بناء على صور أو معلومات يتم تسريبها؛ سواء كانت صحيحة أو مفبركة لإسقاط أي نظام أو إسقاط الدولة تحت شعار حماية المدنيين. 

- الحرب الروسية - الأوكرانية بدأت تحت غطاء وشعار القانون الدولي الذي تفرق دمه بين الدول أصحاب المصالح.. روسيا تستخدمه لحماية أراضيها من تغول حلف الناتو عليها واقتراب أسلحته وصواريخه من حدودها، فقررت تحييد أوكرانيا وضم أجزاء منها!

وأمريكا وحلفاؤها يستخدمون القانون الدولي في القضاء على روسيا كقوة عسكرية ونووية واقتصادية تستعيد نفوذها بقوة في العالم، ومحاصرة الصين ومنعها من الصعود كأكبر قوة اقتصادية في العالم بحلول 2030 كما تقول التقارير والدراسات! 

القوى الكبرى تسعى جاهدة لتحقيق مصالحها على حساب القانون والمبادئ والأعراف، ولو كانت غير ذلك لأوقفوا الحرب الدائرة التي أربكت العالم وأنهكت قواه وأفقرت معظم شعوبه. 

هل تحافظ القوى الكبرى على مصداقيتها واحترامها للقانون الدولي.. أم أننا بصدد نظام عالمي جديد يظل عقودًا يلهث بحثا عن سلام واستقرار؟ هذا ما ستجيب عنه نتائج الحرب العالمية التي تجري أحداثها الآن!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: