راديو الاهرام

الملكية الفكرية وتنمية الاقتصاد الوطني

26-9-2022 | 15:15

يقول سقراط إن ابتداع الفكر أعلى درجات اللذة النفسية التي يمكننا الحصول عليها، ومن ثم فإن للفكر ثمنًا وجهدًا كبيرًا مبذولًا، حيث بذل العباقرة في مجالات الإبداع  والابتكار والعلوم والآداب الكثير من جهدهم ووقتهم، باذلين عصارة فكرهم في سبيل إسعاد البشر وتحقيق الرفاهية والتقدم للإنسان، وليصبح كل هذا النتاج الفكري والعلمي والإبداعي منسوبًا إلى أصحابه الذين يكون لهم سلطة السيطرة على منتجهم واستغلاله وَفق قواعد واتفاقات، كما يرتبط هذا المنتج معنويًا باسم صاحبه ويمثل امتدادًا لهذا الاسم، حتى وإن غاب صاحبه، ليبقى هذا الأثر وتأثيره في المجتمعات والبناء عليه، كل هذه المعاني تضمها فلسفة الملكية الفكرية كحق أصيل، والتي تمثل واحدة من أسس بناء الحضارات والأمم، وتُعنى بنسب حقوق الملكية لمالكيها مثل العلامات التجارية وحقوق النشر والأسرار التجارية وبراءات الاختراع، والتصاميم الصناعية والبيانات التي يكون لهم حق احتكار استخدامها لمدة تُحدد وفق ترتيبات واتفاقات.

ومصر  التزمت تاريخيًا بحماية حقوق الملكية الفكرية على أساس الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت لها في هذا المجال، كما سعت  كثيرًا باتجاه تعظيم دورها وتفعيل مشاركتها في المجتمع الدولي وما نتج عنه من روابط ومنظمات دولية في مختلف مجالات الملكية الفكرية، ولأننا نعيش مرحلة تاريخية تشهد الانتقال من العصر الصناعي إلى العصر الرقمي، والذي يترتب عليه تغييرات في أسس الاقتصاد، وزيادة حجم الاهتمام بعوامل مثل الخبرة وبراءات الاختراع لتقنيات حديثة والعلامات التجارية الدالة على جودة المنتجات والخدمات، بما ينتج عنه اقتصاد جديد يستند إلى المعرفة كأداة ذكية يعتمد عليها، وفي الوقت الذي تمتلك فيه مصر طاقة بشرية هائلة أغلبها من الشباب، الأمر الذي يزيد احتمالية وجود اختراعات جديدة، وكذا استثمارات جديدة، خصوصًا مع تشجيع الاستثمار والابتكار والاهتمام بالتطور العلمي، فمن الممكن إذن تعظيم الجانب الاقتصادي للملكية الفكرية، وتأكيد وجود وعي عام بها.
 
من هنا فإن إطلاق الدولة للإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية والعمل على توطيد دعائم المنظومة في مصر يمثل حدثًا مهمًا وله أبعاده الإيجابية، خصوصًا في ظل تعدد مسارات التنمية، وتشجيع روافد المعرفة والابتكار والبحث العلمي، ما يجعلها ركيزة أساسية للتقدم والتنمية الاقتصادية، وهو ما أكده الرئيس السيسي خلال استقباله مدير عام المنظمة العالمية للملكية الفكرية "وايبو"، من حرص الدولة على دمج موضوعات الملكية الفكرية في سياستها الوطنية، ودعمها لأوجه التعاون مع المنظمة في مختلف مجالات عملها، خصوصا البحث العلمي، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، ودعم رواد الأعمال والمبتكرين، وهو المنطلق الرئيسي لإطلاق الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في مصر، ففي ظل انتقال الاختراعات إلى مرحلة التصنيع والإنتاج ثم التسويق والسعي لاستكمال منظومة التنمية الشاملة بوتيرة متسارعة تشمل تهيئة بيئة أعمال تنافسية للقطاع الخاص حتى يتمكن من المساهمة بشكل فعال في تنمية الاقتصاد الوطني، فإن الإستراتيجية من شأنها مضاعفة المردود الاقتصادي لها عبر تعظيم الاستفادة من رأس مال الفكر البشري، وتحقيق الاستغلال التجارى الأمثل له، ومضاعفة العائد المالي عند البيع مثلا أو التنازل، وحماية المنتج الفكري من التقليد أو الاستخدام بطريق غير مشروع، ليكون الاهتمام بالملكية الفكرية عبر هذه الإستراتيجية الشاملة لجميع ملفات التنمية كالصناعة والتجارة والزراعة والصحة والقضاء وغيرها، خطوة جديدة تمتح قيمة مضافة أكبر للمشروعات ذات العائد الاقتصادي على المدى البعيد، فضلا عن أن ربط الملكية الفكرية بالعملية التعليمية والجامعية يسهم في ترسيخ ريادة الأعمال بشكل أكبر وتحقيق عائد مادي للشركات المختلفة والمخترعين عبر مزيد من الابتكار ورفع الكفاءة في الإنتاج وزيادة عناصر الإنتاج أو الابتكار، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية تحقيق نمو اقتصادي كبير، الأمر الذي يتطلب استمرار تهيئة البيئة التشريعية للملكية الفكرية، وتوعية فئات المجتمع المصرى بقيمتها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الذكاء الاصطناعي.. عملة واحدة ووجهان

لا شك في أن التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين قد أتاحت للفرد الكثير مما لم يكن يتوقع في أزمانٍ وعقود وحقب سابقة، وقد تطورت التكنولوجيا الرقمية بتواتر

انتهاك المقدسات والحريات الزائفة

يبدو أن الغرب يصر على إرسال رسائله الخبيثة والساذجة في الوقت ذاته، ويسعى إلى الاتجاه بالعالم إلى هاوية لا رجعة منها، ظنًا من هذا الغرب الذي دنسه التخلف

الأكثر قراءة