راديو الاهرام

بعد توثيق أول توكيل رسمي.. التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يثير الجدل.. متى يكون حلالًا أو حرامًا؟

22-9-2022 | 17:09
بعد توثيق أول توكيل رسمي التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يثير الجدل متى يكون حلالًا أو حرامًا؟التبرع بالأعضاء
إيمان فكري

حالة من الجدل أثارتها فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، بعد أن وثقت أول مصرية توكيلا رسميا للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، وهو ما فتح الباب مجددًا حول مشروعية نقل الأعضاء، وما إذا كان هذا الأمر مخالفًا للشريعة الإسلامية أم موافقًا لها، وقد اختلفت الآراء حول هذا الأمر ما بين مؤيد ومعارض، حيث صرح بعض العلماء بجواز نقل الأعضاء وفقا لضوابط معينة، بينما رفضه آخرون.

وقالت "دينا رضا" أول مصرية توثق توكيلا رسميًا للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، إن فكرة التبرع بالأعضاء بعد الموت هي فكرة بديهة كانت تسمع بها منذ صغرها في أمريكا، ولذلك انضمت إلى مجموعة "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة"، والتي تهدف إلى توفير أعضاء شخص متوفي لشخص حي وليس شخصًا حيًا لآخر حي، أو بيع الأعضاء بمقابل مادي.

بداية الجدل حول التبرع بالأعضاء

جدل التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ليس جديدًا فهو جدل قديم متجدد، بدأ في مصر منذ السبعينيات، واستمر حتى وقتنا هذا، وعلى مدار الـ4 عقود الماضية، كان هناك خلاف دائم بين المؤسسات التي أباحت التبرع بالأعضاء أو النقل بضوابط، وبين بعض العلماء الذين رفضوه واعتبروه مخالفة وتعد على خلق الله.

في عام 1979، أطلق مفتي مصر الأسبق، الشيخ جاد الحق على جاد الحق، أول فتوى رسمية حول نقل الأعضاء، وقال فيها إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم إنسان، مؤكدًا أن الإنسان لديه ولاية من الخالق على أعضائه، ويمكن لوليه التصرف لإنقاذ حياة شخص آخر، ويجوز أيضا قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته أو بموافقة عصبته، وهذا إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة، وإلا فإذن النيابة العامة.

اعتراض الشيخ الشعراوي

ليخرج وزير الأوقاف الراحل، الشيخ محمد متولي الشعراوي، في فيديو شهير له، قائلا إن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وأنه أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي، وقال: "لو أن الإنسان ملك ذاته وأبعاضه ليتصرف فيها لما حرم الله الجنة على المنتحر، فلا يأخذ إلا من يملكها".

وهاجم الشعراوي الذين "يخلعون عينا ليضعوها في إنسان، ويخلعون كلية ليضعوها في إنسان، ويخلعون طرفا ليضعوه في إنسان، متبرعين بها دون مقابل"، مؤكدا بعدم جواز التبرع ولا الشراء لأن التبرع بالشيء فرع الملكية له، وبيع الشيء فرع الملكية له، وما دمت لا تملك ذاتك، ولا أبعاضك فلا يصح أن تتصرف فيها لا بالتبرع ولا بالبيع، وشدد قائلا إن التبرع بالأعضاء "كفر بالله"، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.

إصدار القانون الخاص بالتبرع ونقل الأعضاء

فيما قام شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي بإقرار التبرع بأعضائه بعد وفاه في 2009، مؤكدا أن نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفى حديثا إلى آخر حي محلل شرعا، ولكن لم يتم تنفيذ الوصية لأنه توفى في المملكة العربية السعودية ودفن بعدها في البقيع بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأصدر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، في 2009، بعد إقرار شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي بالتبرع بالأعضاء، بيانا أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى، وهو البيان الذي فتح الباب أمام إصدار القانون رقم 5 لسنة 2010، الخاص بالتبرع ونقل الأعضاء.

موقف دار الإفتاء

أكدت دار الإفتاء المصرية، في إفتاء لها، أن نقل الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي، جائزاً شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى.

واعتبرت الدار نقل الأعضاء من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، ومن باب التضحية والإيثار أيضا الذين أمر الله تعالى بهما، وحث عليهما في قوله سبحانه: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".

متى يكون التبرع بالأعضاء حلال ومتى يكون حرام؟

واتفق الشيخ خالد الجندي، الداعية الإسلامية، مع دار الإفتاء حول التبرع بالأعضاء، مؤكدا أن التبرع بالأعضاء عن طريق بذل جزء من الأعضاء من أجل الحفاظ على النفس وإنقاذ حياة الآدمي بجزء من حياة آدمى آخر، أمر جائز شرعا ولا يوجد فيه نقاش أو كلام.

وحدد الشيخ خالد الجندي الداعية الإسلامي 3 ضوابط شرعية تجيز التبرع بالأعضاء من الموتى إلى الأحياء، وهى: عدم التبرع بالأعضاء التناسلية، وأن يكون التبرع بغير مقابل، وأن تكون بموافقة ورثة المتوفى وأهله، مؤكدا أن هذه التبرع إحياء لحياة الناس وأن الجسد كله ملك لله وبالتبرع انتقل أيضا إلى ملك لله.

وضعت دار الإفتاء، شروطا للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ومن بينها: أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتا شرعيا، بتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفا تاما تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، ورفضت اعتبار الموت الإلكينيكي موتًا، لأنه لا يعد موتا شرعا، لبقاء بعض أجهزة الجسم حية، وأوكلت حسم هذه القضية للجنة طبية ثلاثية يعينها وزير الصحة، كما نص قانون التبرع بالأعضاء.

كما يجب أن يكون الميت المنقول منه العضو، قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية ودون إكراه مادي أو معنوي، وعالما بأنه يوصى بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى أنه لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء تجعل جسد الآدمي خاويا، لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى بسورة الإسراء: "ولقد كرمنا بني آدم".

التبرع بالأعضاء جريمة تستحق القصاص

أما الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بالأزهر الشريف، فكان له رأيا آخر، حيث أكد أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء البشرية من أحياء إلى الأحياء أو من موتى إلى أحياء، مؤكدًا أنه ممنوع وحرام ومخالف للشريعة الإسلامية.

وأوضح "كريمة"، أن الإنسان لا يملك جسده ولا يملك التصرف فيه، وعقود التبرع بالأعضاء هي باطلة لأن جسد الإنسان ملك لله، لأن الموت إكلينيكيًا ليس موتًا شرعياً، وبالتالي نزع أي عضو من جسد الإنسان المتوفى يعتبر جناية يستحق فاعلها القصاص، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن نقل الأعضاء البشرية، وذلك في حديثه: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"، وذلك لكونه نوعًا من تشويه جثة المتوفى.

كلمات البحث
الأكثر قراءة