المتتبع للأهداف والغايات العالمية، فسيقرأ ويسمع عن سعى العالم إلى تحقيق جودة الحياة للمواطنين، والوصول إلى العدالة والمساواة على كافة الأصعدة، وذلك باستهداف تحقق أهداف التنمية المستدامة، تلك الأهداف السبعة عشرة التي أقرتها الأمم المتحدة، وتعتبر خارطة طريق أمام دول العالم، لتتنافس مختلف دول العالم وفقًا لتكافؤ الفرص فيما بينها، في وضع أطر تنفيذية تضمن الوصول إلى تحقق تلك الأهداف، وتتضمن تلك الأهداف؛ أهداف اقتصادية وبيئية واجتماعية؛ لتتحد جميعها نحو استهداف جودة الحياة بصورة عامة، إلا أن المدرك للتوجه والواقع العالمي، فسيتيقن من أن قول وغاية العالم في اتجاه، وفعله في الاتجاه المضاد المؤثر سلبًا على واقع ومستقبل جودة الحياة.
فإذا ما نظرنا إلى الأهداف البيئية فسنجدها هي المتحكم الرئيسي في مختلف مظاهر الحياة، فبدون تحقق جودة الحياة البيئية أي تحقق التأثير السلبي على البيئة، فقطعًا سيتأثر الاقتصاد العالمي بالسلب، فالبيئة هي مصدر الحياة للجميع، بما تشمله من ماء وهواء وتربة صالحة للزراعة، فدعونا نتخيل استمرار وتيرة التأثير السلبي على عناصر البيئة المختلفة، فسيكون استنشاق الإنسان لهواء ملوث، ومأكله ومشربه أيضًا ملوث، وهو الامر الذي يؤثر سلبًا بصورة مباشرة على صحة الإنسان، ومن ثم قدرته على التعلم والإنتاج تبدأ في التناقص، لينعكس الامر على الوضع العالمي بأكمله.
وإذا ما نظرنا إلى المناطق الأكثر تتضررًا من الانعكاسات البيئية السلبية، والمتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات، والجفاف، وانتشار الأوبئة، فسنجد أنها المناطق الفقيرة أو الأقل دخلًا، فهي الأكثر تأثرًا بالظواهر السلبية للبيئة، والناتجة عن عدم التعامل العادل من جانب الدول الأكثر دخلًا، لنجد أن الأقل تضررًا من تلك المظاهر السلبية البيئية هم الدول الأكثر دخلًا، فلديهم القدرة المادية للتعامل مع تلوث البيئة وتأثيراتها المختلفة، لنجد أنه يعيش أكثر من 3.6 مليار شخص في بلدان مصنفة على أنها
شديدة الضعف وعالية المخاطر البيئية وهي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وهم الأكثر عرضة للخطر ويتحملون بشكل غير متناسب التكاليف البشرية للكوارث بسبب الظواهر المناخية الشديدة والمخاطر، بينما يعيش حوالي 1.8 مليار شخص في البلدان الأقل خطورة بيئية، ومن المتوقع أن يزداد عدد السكان في البلدان الأكثر ضعفًا بشكل كبير بحلول عام 2050 و2100، وهو الامر البعيد كل البعد عن فكرة العدالة وتكافؤ الفرص بين الدول.
فإذا ما نظرنا إلى الدول المتسببة في تلك الكوارث البيئية، فسنجد أنها الدول الصناعية الكبرى، والتي بدأت رحلتها في التأثير السلبي على البيئة منذ الثورة الصناعية وما تبعتها من عمليات التصنيع الكيميائي والتوسع في استخدام المركبات بأنواعها المختلفة، لتتحمل الدول المتقدمة العبء الأكبر من المسئولية التاريخية عن أزمة المناخ. لتبين الأبحاث المناخية أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المسئولة الكبرى عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1850 وحتى اليوم. لتستحوذ أمريكا على نصيب 20% من الانبعاثات الكربونية الملوثة للمناخ، يليها الصين بنصيب 11%، ثم روسيا 7%، البرازيل 5%،إندونيسيا 4%، ألمانيا4%، بريطانيا 3%، لتنتج تلك الانبعاثات والتأثيرات السلبية، كنتيجة مباشرة لتدمير الغابات والتغيرات الأخرى في استخدام الأراضي جنبا إلى جنب مع حرق الوقود الأحفوري من فحم ونفط وغاز طبيعي. وهو ما أدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، وتزايد معدلات ثاني أوكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الامر المؤثر سلبًا على الإنسان والبيئة المحيطة به، لتتسبب تلك الآثار الضارة في وفاة ما لا يقل عن 150 ألف شخص سنويًا، كما تهدد تلك التغيرات المناخية بقاء 20% من أنواع الكائنات الحية البرية، لتحولهم إلى فئات منقرضة مع حلول عام 2050، كما تمتد الآثار السلبية للتغيرات المناخيةلتطول عدد من المنتجات الزراعية، ليتكبد العالم خسائر بمليارات الدولارات.
وبنظرة سريعة على الأرقام السابقة، سواء المتسبب في الوصول إليها، أو المتأثرين سلبًا بنتائجها، فسندرك تمامًا أن العالم بعيد كل البعد عن تحقق فكرة تكافؤ الفرص بين دوله المتقدمة والنامية والأقل نموًا، تلك الفكرة التي يستهدفها العالم بغرض الوصول إلى جودة الحياة بصورة عامة، فالمتسبب الأكبر في تلك الكوارث البيئية هي الدول الأكثر منفعة والأكثر دخلًا، والأكثر تضررًا هي الدول الأقل دخلًا والأكثر فقرًا، وذلك في وقت يدعو فيه العالم إلى تحقق المزيد من العدالة والمساواة تحت مظلة تكافؤ الفرص أمام الجميع، ذلك الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من الجدية والمصداقية في التعامل مع تلك القضية، كي يتحقق تكافؤ الفرص بين مختلف دول العالم، للحد من مخاطر التلوث وضمان العدالة المناخية.
[email protected]
* خبيرة اقتصادية