الأشهر الستة المقبلة هي الحد الفاصل بين نظام دولي يتلاشى، ونظام دولي في طور التكوين.
وإذا قسمنا الأشهر الستة إلى فصلين: الخريف الحالي، والشتاء المقبل، فإن أشهر فصل الخريف الحالية: سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر هي زمن الانتظار والترقب، أما أشهر الشتاء: ديسمبر ويناير وفبراير، فهي الأخطر على المسرح الدولي.
في أشهر الخريف، سيحاول ورثة النظام الدولى القديم أن يوقفوا عجلة تغيير النظام القديم، فهم أصحابه المعتمدون، وصانعوه الأصلاء، وحافظوه بالقوة المفرطة، ويخشون من مجهول دولي، قد يعيد ترتيب الأمم والشعوب والدول على مقاييس جديدة.
وفي أشهر الشتاء النادر هذا، ستتوقف مدى الخطورة على المحاولات الدءوب فى أشهر الخريف السابق عليه، بالتوصل إلى حل فى المسألة الأوكرانية، يقوم على استعادة جوهر النظام الدولى السائد قبل 24 فبراير 2022، تاريخ دخول القوات الروسية إلى الأراضى الأوكرانية.
وكما نرى، فإن الحل سيكون أمرًا بالغ الصعوبة والحساسية، وصعب المنال، فمن المستحيل استعادة ما كان عليه النظام الدبلوماسى العالمى الذى كان سائدًا على مدى 75 عامًا، بين الكتلة الشرقية والغربية.
ومن المستحيل هزيمة طرف من الأطراف المتحاربة هزيمة واضحة، إنما ستتواصل حال الكر والفر، كما رأينا فى الأسابيع الأخيرة على المسرح الأوكراني، فكل طرف يحشد أنصاره لهزيمة الطرف الآخر دون جدوى.
إن فكرة الهزيمة الساحقة لطرف من الأطراف غير واردة، ومن المستحيل استعادة نمط الحروب الأوروبية السابقة، سواء أكانت الحرب العظمى أم سلسلة حروب البلقان، فالحالة هنا أشبه باستعادة أجواء حرب أفغانستان، سواء أكان في زمن الاتحاد السوفيتي أم فى زمن الحلفاء الغربيين بعد 11 سبتمبر2001.
فى هذه الحال سيظهر تعادل القوى المختلفة، ضمن إطار منقسم، وفي كل الأحوال سيكون الشتاء حدًا فارقًا بين زمنين، وبين نظامين، فأوروبا لن تسمح لنفسها بالانقسام والانهيار الاقتصادى والاجتماعى، ومن ثم السياسي، وستحاول أن تجد حلا تعبر به الشتاء النادر، بأقل الخسائر الممكنة، وستفكر فى بدائل للطاقة، وبدائل للنفوذ.
لا شك أن استخدام مسألة الطاقة فى الحروب مسألة بديهية، وقد ورثتها البشرية من أنماط الحروب التى كانت تستخدم فيها الموارد الطبيعية، وتستغل فيها كل الأدوات المتاحة لدى هذا الطرف أو ذاك.
كان هذا تقليدا معتادا، إنما هذه المرة هى الأخطر، فتشابك استخدام الطاقة فى عصر الحداثة بات أصعب تعقيدا من أى زمن آخر، وإذا أضفنا إليها الذكاء الاصطناعى المهول، وحروب الجيل الرابع، والأسلحة الذكية الدقيقة، ونشر المعلومات والأخبار المزيفة، سيكون الخطر مضاعفًا.
في قلب هذه العاصفة العالمية النادرة، علينا أن نفكر عربيا في مرحلة ما بعد الأشهر الستة هذه، لنجد مكانا فى النظام المرتقب، ولدينا العناصر والأدوات، سواء أكانت الطاقة التقليدية أم المتجددة، ونملك الموارد البشرية، والطبيعية، وقبل كل هذا علينا إدراك أن النظام العالمى الجديد سيكون متاحا للجميع على قدم المساواة، بحكم تكوينه المختلف عن أى نظام عالمي مر على البشرية، منذ الإسكندر الأكبر إلى النظام العالمي الحالي.