عند الحديث عن مدى مقاربة التغير المناخي بأوجه النمو والحياة والأنشطة والقطاعات، نجد أنها مقاربة مباشرة لا تخلو منها أو تتأثر بها حركة على وجه الكوكب، وبنفس هذه المقاربة، نجد أن مقاربة أو علاقة الصناعة بكافة الأنشطة الإنسانية والمجتمعات بكافة صورها، هي مقاربة تكاد تكون ملاصقة لها، وكأنها الوجه الآخر للحياة ونموها.
في الماضي كانت الصناعة وأهلها تجيب عن تساؤل: كيف نلبي احتياجات المستهلك، واليوم يصبح التساؤل هو: كيف يمكننا بناء اقتصاديات ومجتمعات إيجابية مع الطبيعة، بمعنى أكثر قربًا، ما هو الطريق لإنشاء تنمية صناعية وطنية خضراء، تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة".
منذ 20 عامًا تقريبًا، أنشأ اتحاد الصناعات المصـرية، كيانًا لرفع كفاءة الصناعة المصرية ودعم قدراتها التنافسية ودعم كفاءاتها، وهو "مكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة"، وتم تأسيسه بهدف تقديم خدمات تصنيعية شاملة للصناعة ولمتخذ القرار والصانع المصري.
واليوم وبعد أن أصبح البعد البيئي "المناخي"، يدلف ويتقاطع ليصبح مكونًا أساسيًا لنبض الحياة ونشاط الإنسان والطبيعة، ولتحقيق طموحات صناعة دائرية خضراء، أعد المكتب برامج ذكية صناعية شاملة، تستهدف تعزيز الاقتصاد الحيوي الدائري، أي الاستخدام المستمر للموارد من خلال إعادة تدويرها، فضلا عن الدعم ونشر الوعي البيئي والتنموي والصناعي، بما يكفل أن يصبح دليلا ومرشدًا، مساعدًا وممولًا، وخبيرًا ومدربًا للمجتمع الصناعي المصري.
وكما تشكل الخدمات الاستشارية البيئية والفنية والمالية محورًا أساسيًا لخدمات المكتب، أيضًا فإن نشر الوعي الصناعي الأخضر للمتخصصين تتصدر أهدافه، فقد استهل مديره المهندس أحمد كمال بتقديم محاضرة حول "المناخ والاقتصاد الأخضر" بنقابة الصحفيين مؤخرًا، ونظمتها جمعية "كتاب البيئة والتنمية – SWED"، قائلًا: "إذا لم نتيقن من مفهوم أننا جميعًا جزءٌ من الحل، فلن نتجاوز الدائرة التي نقف عليها"، كانت هذه العبارة هي المبدأ والقناعة، أمام جموع الإعلاميين والمتخصصين والمعنيين بحماية البيئة.
الالتزام البيئي، هو مظلة لترجمة الأقوال والقوانين واللوائح والنظم الصناعية والبيئية، إلى طرفي المعادلة لتصبح واقعًا منتجًا يفي برسالته إلى كل من: المنتج والمستهلك وحامل الأسهم، وفي نفس الوقت إلي المواطن بألا يهضم أو يجور على حقه وصحته وسلامته في بيئة آمنة ومستدامة.
ونتساءل، كيف الوصول إلى هذه البيئة في ظل التطور الصناعي المحموم، يجيب المهندس كمال: النفايات الإلكترونية، على سبيل المثال، هي أسرع النفايات نموًا في العالم، وتشمل أجهزة التليفزيون، والكمبيوتر بأنواعه، وأجهزة الصوت، وكاميرات الفيديو، والهواتف بأنواعها، وآلات تصوير المستندات، الفاكس "المندثر"، وألعاب الفيديو، والـ mp 3-4 وغيرها الكثير.. وهي الأسرع نموًا بسبب تسابق العديد من الشركات المنتجة باتخاذ اتجاه لخفض الأسعار، لتشجيع تغييرها، وتحولها إلى نفايات، وهنا تحدث زيادتها الخطيرة بمعدلات هائلة..
وهناك تحديات تواجه البيئة مع هذه النفايات الإلكترونية، تتمثل في التنافس اللامحدود بين الشركات المطورة؛ بحثًا عن الأكثر تطورًا، ونقص المعلومات والإحصائيات حول حجم ونسبة نموها حتى يمكن معالجتها، وأيضًا غياب أسلوب التخلص الآمن منها، فالمعلومات والإمكانات غائبة، وغالبية الشركات المنتجة تركز اهتمامها في النظر نحو الأرباح ولا تهتم بمخاطر النفايات، المستهلك كذلك لا يعلم متى وكيف وأين يتخلص من هذه النفايات المصنفة بأنها خطرة وسامة ومسرطنة.
ونضع في صدارة عملنا أهمية نشر ثقافة التخلص الآمن من تلك النفايات عبر ورش العمل لكل الأطراف، وأيضا التوجيه والترشيد بالتوجه الآمن للشركات المصنعة والمنتجة، ووضع المكتب خارطة طريق بيئية صناعية لسلوك وممارسات المنتجين في المصانع والشركات الصناعية والتي يقترب عددها تحت مظلة اتحاد الصناعات حوالي 162 ألف مصنع ومنشأة صناعية، لكي تتوافق وتتلائم في مدخلاتها ومخرجاتها مع البيئة ومفرداتها، أيضًا كعنصر مشترك في كل مايصدر من قرارات ولوائح ونظم من متخذي القرار.
نتحدث عن رجل الأعمال والمهندس والعامل والمنتج أو المشغل لهذه المفردات والمنتجات الصناعية، وأيضًا للمستهلك والمستقبل، لأن هذا المواطن "المستهلك"، هو بالفعل جزء مهم من الحل أحيانًا، وغالبًا فإن سلوكه هو كل الحل، ولذلك، فهو بطبيعة الحال، في حاجة إلى تقريب هذه والمشروعات الجديدة والمنتجات الصناعية التي تتطور بشكل مذهل.
هناك مستويين نتحرك فيهما الأول الصانع أو المنتج ومتخذ القرار، والثاني هو المستهلك الذي نعتبره شريكًا أساسيًا في كل عمل يرتبط بالبيئة، وخاصة المشروعات والتوجهات الجديدة، ولذلك - فإن المكتب بصدد إصدار “مدونة قواعد السلوك الصناعي البيئي - Code of Environmental Industrial Conduct، أو الدليل الصناعي البيئي للمنتج وللمستهلك، للتعاطي والمعالجة مع مسألة خفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية، وكيفية التخلص من النفايات بكافة أنواعها، حيث تشمل المدونة سلوك المنتج والصانع لمنتجاته وعلاقتها مع البيئة، والمستوى الثاني الحقوق والواجبات، والالتزامات، والمسئوليات لكي تكون تلك القضية محور اهتمام المواطن العادي، ليتحرك من دائرة السلبية والمشاهدة، إلى الإيجابية والفعل والشراكة، وأيضًا يهتم المكتب بالتركيز والتعاون والتنسيق مع النافذين والمؤثرين في عمليات صنع القرار، في مجال البيئة، فضلا عن المسئولين عند وضع الإستراتيجيات والتخطيط للمشروعات الصناعية المستدامة، فنحن جميعًا، الأفراد والشركات والمنظمات، والحكومات، والمجتمعات، شركاء بإمكاننا المبادرة والسير خطوات لتنفيذ خطط تضعها البيئة كمفهوم علمي تطبيقي آمن ومستدام.
[email protected]