نعيش الآن فى العصر الآلى الثانى، حيث توفر التكنولوجيا الحديثة، بأجهزتها الذكية المختلفة، المجهود العقلى، الذى كان يبذله الإنسان فى العمليات الحسابية، والمعادلات الرياضية، وغيرها، كما سبق ووفرت الماكينات والآلات على الإنسان المجهود العضلى فى العصر الآلى الأول "العصر الصناعى".
ورغم المزايا العديدة التى وفرتها التكنولوجيا الرقمية فى العصر الآلى الثانى للإنسان، لم تكن الأجيال السابقة لتتخيلها حتى فى أحلام اليقظة، فالإنترنت، على سبيل المثال لا الحصر، يوفر للطلبة والباحثين ساعات طويلة من البحث المرهق فى المكتبات، وفى المراجع وأمهات الكتب، علاوة على أنه يتيح لهم ولغيرهم التواصل المرئى والشفهى والكتابى، العابر للقارات، بدون أى تكلفة أو جهد يذكر.
كما يمكن لأى شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا أن يستخدم نظام تحديد المواقع العالمى، للوصول إلى أى مكان يريد الوصول إليه فى أى مدينة غير معروفة له، بالإضافة إلى خدمات التسوق والمعاملات التجارية والبنكية عبر الإنترنت، ناهيك عن استخدام أجهزة الذكاء الاصطناعى فى إجراء الجراحات الدقيقة وفى التشخيص.
كما يستعين الطلاب والباحثون بالإنترنت فى إجراء الأبحاث التعليمية المختلفة، وفى التواصل مع نظرائهم من مختلف دول العالم، وأيضا فى الانتساب للكليات والجامعات المختلفة، والحصول على الدورات التعليمية فى مختلف أوجه المعرفة عبر الإنترنت.
ولكن للأسف الشديد، بدلا من استغلال المزايا التى يوفرها العصر الآلى الثانى، من أجهزة ذكية، وإنترنت، وذكاء اصطناعى، وغيرها، يأخذ البعض منا القشرة الخارجية للتكنولوجيا، ويسيء استخدامها فى نشر المواد الإباحية، وبث مقاطع فيديو وصور فاضحة، بغرض التهديد والابتزاز، كما يمكن لقراصنة الإنترنت سرقة الحسابات والمعلومات الشخصية واستخدامها فى سرقة الأموال المودعة فى الحسابات المصرفية، أو القيام بعمليات شراء احتيالية عبر الإنترنت باستخدام بطاقات ائتمان مملوكة لأشخاص آخرين، وغيرها الكثير.
ومن آسف، نجد أن السواد الأعظم من النشء والشباب يسيئون استخدام التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الهاتف المحمول، الذى تسبب فى تحويل الكثير من الشباب إلى كائنات غريبة، يصعب التعامل معهم، فكل واحد منه يعيش فى عالم افتراضى، مما أدى إلى التفكك الأسرى، وفقدت الأسرة المصرية لغة الحوار والتفاهم، فكل فرد من أفرادها منهمك مع جهازه الذكى.
ومما زاد الطين بلة، تعرض جانب كبير من النشء والشباب لأمراض العصر، بسبب المكوث لساعات طويلة يوميا، خلف الكيبورد، حتى إن بعضهم ينام والتليفون المحمول فى يده، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إجهاد وجفاف العين وآلام الرقبة والظهر، حيث يعانى 40% من الأشخاص، الذين يجلسون لساعات طويلة على الكمبيوتر، من إجهاد العين بسبب متلازمة الحاسب الآلى.
ومن هنا أطالب الدكتور رضا حجازى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بتطوير تدريس مادة الكمبيوتر الموجودة حاليًا، ليس بشكلها المتواضع الحالى الذى لا يضاف إلى المجموع، ولكن بالشكل الذى يجعلها مادة أساسية، تحت مسمى "التكنولوجيا"، بحيث تتم تدريسها بمختلف المراحل التعليمية.
ويكون الهدف منها، بالإضافة إلى التعرف على أجهزة الكمبيوتر وبرامجه المختلفة وطرق استخدامه، التعرف على مخاطر التعامل مع الأجهزة التكنولوجية الجديدة، وما تسببه من أمراض، وما تتيحه عبر وسائل التواصل الاجتماعى من معلومات مغلوطة يجب فلترتها، قبل نشرها أو مشاركتها، أو حتى التعليق عليها، أو الإعجاب بها.
وسيكون تدريس هذه المادة المقترحة بمثابة المصل أو اللقاح، الذى يحصن النشء والشباب ضد مخاطر الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، بحيث يحسنون استخدامها فيما يعود عليهم بالنفع، ويتعرفون على مخاطرها، وفى حالة تنفيذ ذلك لن يقع النشء فريسة سهلة وسائغة لهذه الأجهزة الحديثة، وما تتيحه من معلومات مغلوطة وغير موثقة، لا تصب فى مصلحة الوطن.
[email protected]