لم تخبرنا "الحواديت" كيف تعيش الملكات؛ وفي الأسطر التالية سنعرف كيف عاشت ملكة حكمت أطول مدة بالتاريخ البريطاني؛ ولدت الملكة إليزابيث في 21 أبريل 1926 وماتت في 8 سبتمبر 2022 واحتفلت قبل وفاتها بمرور 70 عامًا على توليها الحكم..
كانت طفلة في الثالثة من العمر عندما أُصيب جدها الملك جورج الخامس بالسرطان ولازمته للتهوين عليه ونجحت لقربها الشديد منه، وتنبأ بأنها ستصبح ملكة وتوقع تخلى ابنه إدوارد عن العرش وهو ما حدث بعد زواجه من مطلقة أمريكية.
كانت طفلة تحضر حفلة موسيقية مع جدتها الملكة وظهر عليها الضيق؛ فقالت لها الملكة: نستطيع المغادرة -إن أردت- فردت: وماذا عن الناس الذين سيقومون بتحيتنا عند المغادرة؟ فأخذتها الملكة وانصرفتا من الباب "الخلفي" لتعلمها ألا تبحث عن إعجاب الناس.
عانى والدها الملك جورج السادس من التعلثم وتابعت محاولاته الدؤوبة لتعلم الكلام بوضوح، وأشادت بفيلم سينمائي قدم تجربته وكيف انتصر على تلعثمه وألقى خطابات تحث البريطانيين على الصمود أثناء الحرب العالمية الثانية.
رفض والداها نصيحة بمغادرة إليزابيث واختها بريطانيا أثناء الحرب، وكان عمرها 14 عامًا عندما تحدثت لأول مرة بالإذاعة البريطانية وخاطبت الأطفال قائلة: نحاول فعل ما نستيطع لمساندة جنودنا والبحارة والطيارين البواسل، ونحاول تحمل نصيبنا من أسى وخطر الحرب ونعلم جميعا أن في النهاية كل شيء سيكون على ما يرام".
كانت حواء الوحيدة في الأسرة المالكة التي انضمت للجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وكان عمرها 18 عامًا، وأصبحت ملكة في 2 يونيو 1952، وقالت لم أحصل على تدريب فقد توفي أبي في سن مبكرة جدا وتوليت الأمر فجأة وكان علي القيام بأفضل ما يمكن.
انفتحت على الجديد بعقل "يستوعب" التغييرات المقبولة ويحافظ "بقوة" على التقاليد التي يجب احترامها، وقالت: لا أحد يحتكر الحكمة.
وصفها هارولد مكيملان رئيس وزراء بريطاني راحل بأنها كانت قوية الإرادة وتضجر كثيرا من أسلوب معاملتها كنجمة سينمائية؛ وربما كانت تكره ذلك "احتراما" لعقلها فالتملق عدو للذكاء من يتلقيه؛ "يخدره" ويجعله ينصاع بلا إرادة لمن ينافقه ولو بعد حين..
"فن التقدم هو الحفاظ على النظام وسط التغيير والتغير وسط النظام ولا يضاهي الملكة أحد في ذلك؛ لم تغلق الباب أبدا في وجه المستقبل بل قادت الطريق عبره"؛ هذا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون عام 2012 في إشارة "لصمود" الملكة أمام عواصف حاولت اقتلاع النظام الملكي وأخرى "هددت" شعبيتها ولم تخضع وقدمت -فقط- تنازلات "محسوبة" كالتخلي عن بعض مزايا الأسرة المالكة وتقديم المزيد من الخدمات للبريطانين.
تميزت بالحفاظ على الخصوصية ورفضت إذاعة فيلم وثائقي عن الأسرة المالكة بعد موافقتها على تصويره واستغرق عامًا لانتهاكه الخصوصية.
رفضت التقاعد واحتفظت بحيوية عقلها وصحتها النفسية والجسدية لآخر عمرها؛ فالعمل يحمي كثيرا، والفراغ "يسرق" الصحة والعمر.
أحبت الحياة بذكاء؛ فكانت تسارع بعد التعافى للعودة لإسعاد نفسها بالهوايات وركوب الخيول وقيادة سيارتها، وفعلت ذلك حتى بعد تعافيها من كورونا، وكانت في الخامسة والتسعين..
أثبتت صحة المقولة الرائعة كما نعتقد نكون؛ فاعتقدت "دوما" أنها ستستطيع الوفاء بأدوارها بالحياة لآخر عمرها وفعلته.
اختارت الملابس المريحة في "تغيير" واضح لملابس الملكات السابقات؛ واختارت لنفسها نموذجًا مميزًا من المعاطف والقبعات ذات الألوان الزاهية وأعادت استخدام الملابس، ولم تنساق أبدا وراء الموضة حتى في شبابها وارتدت بآخر أيامها ألوانًا ربيعية.
تمتعت بالذكاء والابتسامة وبحسن التصرف حتى عند "كسر" التقاليد البروتوكولية؛ فتجاهلت الرئيس الأمريكي بوش الابن عندما قام "بالغمز"!! لها في مؤتمر صحفي؛ وعندما وضعت زوجة الرئيس أوباما يدها خلف ظهر الملكة أثناء التقاط الصور؛ وضعت يدها بدورها خلف ظهر زوجة أوباما.
استخدمت حقيبة اليد للإشارات؛ كرغبتها في المغادرة أو إنهاء مقابلة أو استدعاء الحراس.
عُرفت بالتماسك عند الأزمات وتختار متى تدخل المعارك ومتى ترفض دخولها؛ فرفضت بمهارة "استدراج" الصحافة الصفراء لها بالرد على اتهامها "بالبرود" بعد وفاة الأميرة ديانا، وتجاهلت التعليق على طلاق الأمير تشارلز ثم زواجه من كاميلا وباقي مشاكل الأسرة المالكة، "وتركت" الانتقادات تهدأ؛ ولينساها الناس ولو بعد حين "وانشغلت" بأداء دورها كملكة.
وازنت بين إعطاء أسرتها "حقوقهم" العاطفية من الاهتمام والرعاية والتواصل وقضاء أوقات جميلة مرحة "والحزم"؛ فبعد تخلي حفيدها الأمير هاري عن واجباته الملكية أصدرت بيانًا ذكيًا "دعمت" فيه اختياره ولم "تسمح" لغضبها منه أو لانتقادات الصحافة البريطانية له ولانقياده خلف زوجته الممثلة الأمريكية؛ بالسيطرة على علاقتها به "وواصلت" التواصل معه ومع ابنه عبر الفيديو أثناء كورونا، وعندما رزق بابنته وحضر لقاءً أسريًا "رفضت" الملكة منحه الإذن بالصورة الجماعية مع الأسرة المالكة بعد الإساءات التي وجهها هو وزوحته للأسرة عبر اللقاءات التليفزيونية "وحرمتهم" من إستغلال الصورة.
"انتقدت" علنًا حفيدها الأمير وليام لأنه داعب طفله في شرفة القصر الملكي أمام الجمهور المحتشد؛ ليتعلم الصغير "تأجيل" رغباته، وليتعلم الأمير التصرف الجيد أمام الناس.
كانت "ذكية" وتتعلم من أخطائها؛ فذكرت أنها "استأذنت" لدخول غرفة زوجها الأمير فيليب؛ فقال: من؟ فردت: أنا الملكة..
فقال: لا تدخلي، فأعادت الطلب، ولما سألها من؛ قالت: زوجتك.
كانت علاقتها بزوجها "نموذجًا" ناجحًا؛ فتقاسما الحياة بلا صراعات وتبادلا الحب والاحترام، وأشادت دوما بدعمه لها وبأنه مصدر قوتها.