راديو الاهرام

حدث بالفعل.. مع ملكة إنجلترا

18-9-2022 | 12:26

بدأت الطائرة العائدة من كمبالا - العاصمة الأوغندية – في استقبال ركابها، قادتني تذكرتي إلى الدرجة الاقتصادية؛ حيث يوجد ثلاثة مقاعد متجاورة في كل جانب، وكان حظي تلك المرة أن أجلس في الوسط، رغم أنني من عشاق الجلوس بجوار النافذة.
جلست في مكاني لا أجد ما أفعله سوى مشاهدة الركاب المتوافدين على الطائرة، إلى أن لمحت سيدة تبدو في بداية الستينيات من عمرها، لفتت نظري قسمات وجهها ونظرتها إلى من حولها، كان يغلفهما كبر واستعلاء يلحظهما كل من يراها، ثم حدث ما كنت أتمنى في قرارة نفسي ألا يحدث.
 
توقفت السيدة أمامي ونظرت بتمعن إلى تذكرتها وتذكرة زوجها، ثم نظرت في وجهي نظرة حادة وطلبت مني، بل بالأحرى أمرتني أمرًا بإخلاء مكاني حتى تجلس بجوار زوجها.. ونظرًا لفارق السن تغاضيت عن أسلوبها الفظ، واعتبرتها فرصة للجلوس بجوار النافذة التي أعشقها، تركت مكاني وجلست بجوار النافذة. لكنني فوجئت بها تقرر بلغة إنجليزية ذات لكنة إيطالية واضحة: لا أنا سوف أجلس بجوار النافذة وبجواري زوجي وأنت تجلس هنا على الممر.
 
نظرت إليها متعجبًا من تلك الغطرسة والعجرفة! ماذا تريد هذه المرأة؟ والحق أقول إنها قد أثارت غضبي وأنا لست ممن يثار غضبهم بسهولة. لذلك قلت لها وقد اتخذت قراري بتحدي غطرستها: حسنًا، وقمت عائدًا إلى مكاني الأصلي في الوسط، رافضًا كل الرفض تغيير مكاني. بدأ صوت السيدة يعلو وجاءت المضيفة فأخبرتها برغبتي وإصراري على الجلوس وفقًا لتذكرتي بعدما أخبرتها بما حدث من السيدة. أيدت المضيفة موقفي وطالبت السيدة بالالتزام بمكانها حتى تقلع الطائرة.
 
جلست في الوسط وهي على يميني وزوجها على يساري بجوار النافذة. بعد أن أقلعت الطائرة فوجئت بزوجها يميل على أذني هامسًا بصوت خافت: أنا آسف، أعتذر لطريقة زوجتي في الحديث، هي عصبية، ربما بسبب التقدم في السن والمرض، لكنها طيبة القلب جدًا ولطيفة جدًا. أنصت إليه وعبرت له عن أسفي أيضًا لعنادي وعدم استجابتي لطلبها.
 
لكن مسألة أنها "لطيفة جدًا" استوقفتني ولم تمر معي مرور الكرام لما رأيته منها، فقررت أن أتأكد منها بنفسي.
 
التفت إليها وعلى وجهي "تكشيرة مرسومة بدقة" وقلت لها بمنتهى الجدية: طبعًا أنت تريدين قتلي الآن؟ قالت وهي تنظر إلى وجهي بتمعن وقد علا وجهها بعض القلق؟ أقتلك! لا بالطبع.. ولماذا أقتلك؟ قلت لها وقد انقلبت التكشيرة إلى ابتسامة ذات معنى: لأنني فرقت بينك وبين زوجك الوسيم.. أعتقد أنه يكن لك كل الحب والتقدير.. قالت بمنتهى اليقين: نعم بالتأكيد أعلم ذلك.. سألتها: وهل تحبينه أنتِ أيضًا إلى هذه الدرجة؟ أجابت بإيجاز: أكيد. قلت لها: حسنًا وأنا لا أستطيع أن أفرق بين زوجين متحابين هكذا، من فضلك تعالي واجلسي بجواره. قالت بطريقة "يتمنعن وهن الراغبات": لا.. أشكرك.. لقد طلبت منك ذلك من قبل وأنت رفضت. قلت لها: سيدتي أنت لم تطلبي ذلك، لقد كنتِ تأمرينني وكأنك ملكة إنجلترا وأنا أحد عبيد القرون الوسطى، صدقيني كل ما كان ينقصك هو "كرباج" في يدك.
 
احمر وجهها خجلًا: أنا آسفة لم أقصد ذلك.. اعذرني أعلم أنني أحيانًا أكون عصبية إلى درجة مقلقة لمن حولي. قلت: لكن بصراحة عندما تكونين عصبية تزدادين جمالًا.. ضحكت بصوت عالٍ وقالت: زوجي دائمًا يقول ذلك.
 
تركت مكاني لتجلس بجوار النافذة وبجوارها زوجها كما كانت تريد. فوجئت بها وقد جلست في الوسط، والتفتت قائلة: أنا ممتنة جدًا لك وأشكرك على كلماتك الرقيقة، لا تؤاخذني على عصبيتي عندما تصبح في مثل سني ربما تجد لي بعض العذر.
فعلًا.. حتى لو كانت ملكة.. المرأة كلمة حلوة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: